الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، يقول الله تعالى في سورة الكهف: (إذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وتري الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تفرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله. من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليَّا مرشدا. وتحسبهم أيقاظا وهم رقود. ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال..). إنها لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي تشهد آياته بالكثير من لمحات الإعجاز، ومن تلك اللمحات قوله تعالى: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال). قال ابن عباس: لئلا تأكل الأرض لحومهم. هذا الذي أشار إليه القرآن في قصة كان يكتنفها الغموض في كثير من أجزائها فإذا بالقرآن يأتي ليتحدث عن أدق التفاصيل في سيرة أولئك الفتية الأبرار، ومن ذلك تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا يصابوا بتقرح جلودهم وتآكل لحومهم هذا هو عين ما ينصح به الطب الحديث لكل مريض مصاب بأمراض مزمنة أقعدته عن الحركة لفترات طويلة فإنه لتجنب الإصابة بقرح الفراش مل سُْمَّ فإنه ينبغي تقليب جسم المريض بصورة دورية. فقرحة الفراش عبارة عن إصابة تحدث في الجلد نتيجة عدم تدفق الدم بشكل سليم، بسبب الضغط المستمر على الجلد المقابل لمنطقة عظمية في الجسم. فإذا حدث توقف إمدادات الدم للجلد لعدة ساعات على التوالي فسيموت الجلد بداية من الطبقة الخارجية له. والأشخاص الذين يعانون من الشلل أو عدم القدرة على الحركة هم الأكثر عرضة للإصابة بقرح الفراش. وكذلك الذين فقدوا الإحساس بالألم لأن الإحساس بالألم هو الحافز التلقائي على الحركة سواء كان هذا الفقد للإحساس بالألم نتيجة لغيبوبة أو لأمراض عصبية سببت شللا بالنهايات العصبية والحسية. وحالة أصحاب الكهف كانت شبه سبات عميق كالغيبوبة لقوله تعالى: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) فلفظة رقود تفيد (السبات العميق) ولقوله تعالى: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)، فالضرب على الآذان كناية عن النوم العميق الطويل كما أن المدة لم تكن بضع ساعات إنما كانت 903 سنوات وهي مدة كافية ليس فقط للإصابة بقرحة الفراش بل لما هو أكثر من ذلك بكثير ولذا فقد تناولتهم عناية الله بتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال. قال ابن كثير في البداية والنهاية: ذكر تعالى صفة الغار الذي آووا إليه وأن بابه موجه إلى نحو الشمال وأعماقه إلى جهة القبلة وذلك أنفع الأماكن: أن يكون المكان قبليا وبابه نحو الشمال، فقال: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور) وقرء تزور (عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) فأخبر أن الشمس يعني في زمن الصيف وأشباهه تشرق أول طلوعها في الغار في جانبه الغربي ثم تشرع في الخروج منه قليلا قليلا.. وهو إزورارها ذات اليمين فترتفع في جو السماء وتتقلص عن باب الغار ثم إذا تضيفت للغروب تشرع في الدخول فيه من جهته الشرقية قليلا قليلا إلى حين الغروب كما هو المشاهد بمثل هذا المكان والحكمة في دخول الشمس إليه في بعض الأحيان أن لا يفسد هواؤه وهم في فجوة منه. ونأخذ من كلام ابن كثير حين قال في علة تعرضهم للشمس بهذه الكيفية الدقيقة أن الله تعالى أعطاهم من الشمس ما ينفع أجسامهم من التنقية، ومنع نمو الجراثيم، وحجب عنهم من الشمس ما يضرهم من إشعاعاتها الضارة كما قال الطبري في تفسيره: لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم.. هذه لمحة من لمحات الإعجاز الطبي في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بقلم الدكتورة فاطمة النمر-أخصائية أمراض النساء والتوليد