تحولات تاريخية وثقافية نقلت المسجد من البساطة إلى الزخرفة والترف كان المسجد الإسلامي عند إنشائه لأول الأمر بسيطا للغاية، ولم ينفق رسولنا الكريم وقتا كثيرا ولا مالا طائلا في مجرد البناء، فكيف بالزخرفة والتزين. كان الحرص شديدا على تأسيس البيت الجامع للمؤمنين ليكون ملتقى لهم ومنتدى يتداولون فيه الأمور العامة والخاصة. وبذلك احتل المسجد بؤرة الاهتمام والمدينة والحياة. كيف انتقلت بيوت الله من البساطة إلى الترف والزخرفة؟ وما أثر الثقافات الأصلية على تصميم المسجد وشكله؟ وما موقف العلماء من التحول؟ وكيف استجاب له المسلمون؟ حول هذه الأسئلة يدور هذا المقال الطريف المأخوذ عن موقع خيمة كوم. تعريف المسجد المسجِد بالكسر اسم لمكان السجود ، والمسجَد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود والمِسجد بكسر الميم الخُمرة وهي الحصير الصغير. ويفسر الزركشي السبب في اختيار كلمة مسجد لمكان الصلاة فيقول لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق اسم المكان منه فقيل مسجد ولم يقولوا مركع. فالمساجد يعمرها الزاهدون والمتصوفون، والذاكرون الله كثيراً، والعارفون بالله وتعمرها حلقات الدرس من فقه وحديث ومنطق وكلام ومجالس الأدب من نحو وبلاغة ونقد وندوات الاجتماع التي تتعرض لسائر العلوم. ويعمرها العلماء والفقهاء والأئمة والأدباء ويقوى بها الضعيف والغريب ويأنس إليها ابن السبيل والمسكين ويرفع صوته فيها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى الخير. محور المدينة والحياة ومن يتتبع تاريخ الاسلام يلاحظ أهتمام المسؤولين باستحداث المدن مع حركة التوسع لنشر الدين خارج شبه الجزيرة العربية، من أجل أن يكون معسكراً ومقراً للجند فى البلاد المفتوحة: وقد كانت المدن المستحدثة على نوعين من المدن المعسكرات البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، وهذه المدن التى سكنها أولاً جماعة عسكرية تحولت فيما بعد الى حواضر مشهورة. ونلاحظ فى المدن المعسكرات أن المسجد هو أول ما يقام في المدينةوقربه تشاد دار الإمارة، وهذان البناءات يقعان عادة فى وسط المدينة. ففى بناء البصرة جعل عتبة بن غزوان المسجد الجامع المحور والأساس فى تخطيط المدنية، وقد تم بناء المسجد سنة 14 ه وجاءت دار الإمارة قربه، ومن حولهما اقام الجند وعيالهم دورهم ومساكنهم واتبع الاسلوب نفسه سعد بن ابى وقاص عندما بنى الكوفة سنة 17 ه، فقد بين حدود المسجد اولا وبجواره اقام دار الإمارة. وبعد فتح الاسكندرية اختار عمرو بن العاص موقع الفسطاط سنة 21 ه وجعل مسجدها وسطا من حوله تفرعت الطرقات. وفى القيروان أهتم عقبة بن نافع قبل كل شئ بالمسجد ودار الإمارة، وجهد فى تحديد القبلة نحو مكةالمكرمة وبيتها الحرام لأن جميع أهل المغرب سيضعون قبلتهم على مثل مسجده، وما تزال القبلة الاولى لهذا المسجد قائمة حتى اليوم والذى نستنتجه ان المسجد الجامع كان المركز الذى تدور من حوله الحياة الاجتماعية والدينية والفكرية والاقتصادية. المساجد الجامعة واللافت فى المساجد التى كانت محورا فى المدن أنها كانت مساجد جامعة. والمعروف أن المساجد الجامعة كانت فى معظم الأحيان أكبر مساحة وأكثر شهرة وأبعد أثرا فى مختلف ميادين الحياة، من المساجد العادية الأخرى. فالمسجد الجامع أهم معالم المدينة الاسلامية وهو صاحب الفضل فى اضفاء صفة المدينة على اى مركز اسلامى ، وقد كان الخليفة بنفسه، أو من ينوب عنه، مؤهلا لإمامة المسلمين وقت الصلاة فى هذه المساجد، خصوصا يوم الجمعة. والمسجد أكتسب صفة الجامع من اجتماع المسلمين فيه لأداء هذه الفريضة وما يتبعها من مراسيم. من البساطة إلى الترف وتجدر الإشارة إلى أن تشييد المساجد الضخمة والقصور الشامخة لم يظهر إلا بعد انتقال الخلافة إلى دمشق سنة 41 ه (661م) على يد معاوية مؤسس الدولة الأموية. وقد حرص الخلفاء الراشدون، كما حرص النبى عليه السلام على تجنب مظاهر البذخ والترف فلما تسلم معاوية أمر الخلافة رأى أن الأمر يتطلب تشييد مساجد لا تقل فخامة عن معابد أصحاب الديانات الأخرى، وأن تكون له قصور لا تقل روعة عن قصور بيزنطية، وعندما رأى المسامون أن الخليفة فى دمشق بنى مسجدا ضخما وجعل فيه النقوش وزينه بالرسوم، راحوا يقلدونه فى الأمصار. والمعروف أن عبد الملك بن مروان حرص على أن يكون مسجد الصخرة المشرفة أعظم من الكنيسة التى كانت للنصارى. ملامح فنية من أجل إبراز الملامح الفنية فى المسجد فإن المسلمين لم تعوزهم الوسيلة للتعبير عما كان محرما، إذ انهم لجأوا إلى الطبيعة المجردة فنقلوا منها ما يبدوا جميلا وصوروها بدقائق الفسيفساء التى علقوها فى قباب المساجد وجدرانها وأعمدتها. وقد أنفقوا فى هذا السبيل الجهود الكبيرة والأموال الكثيرة. والمتاحف الإسلامية وغير الإسلامية غنية بنماذج من قطع الفسيفساء التى تعود إلى أيام الامويين والعباسيين والدول الإسلامية الأخرى. والمعروف أن العناصر الزخرفية استمدت من الفنين الساسانى والبيزنطى، إذ اقتبس المسلمون منها ما يلائم دينهم وذوقهم. فقد استخدمت الأشكال الهندسية المربعة والمثلثة والمستديرة، كما برزت العناصر البنائية فى السقوف والجدران، واتخذ المسلمون من الخطوط العربية أداة لزخرفة المساجد. واختاروا من القران الكريم والحديث الشريف نصوصا معينة ورقموها فى المساجد منقوشة بحرف بارز أو مجوف، أو مرسومة بالأصبغة الملونة أو بماء الذهب، وأثبتوها فى القباب وفوق المحاريب وعلى جوانب الجدران. وبديهي، وقد أصبح المسجد يؤدي خدمات ووظائف متعددة تختلف باختلاف الشعوب والبيئات، أن تتعدد الأساليب المعمارية في بناء المساجد وإن اتخذت جميعها مقومات العمارة الإسلامية وجوهرها. فقد كانت معظم المساجد حتى القرن الرابع الهجري تحتوي على صحن مكشوف تحيطه الأروقة من ثلاث جهات أو من جهتين، على أن يكون أكبر الإيوانات هو رواق القبلة لأهميته، كما احتوى كل مسجد على محراب أو أكثر ومنبر ومئذنة وفي كثير من الأحيان على ميضأة. أما تخطيط المسجد ، فكان غالباً مربعاً في العراق وإيران ومستطيلاً في مصر والشام وشمال أفريقيا. وتعليل ذلك سهل ميسور، فأماكن العبادة السابقة على الإسلام في بلاد ما بين النهرين كانت ذات تخطيط مربع ونعني بها ( الآتش جاه ) أي بيت النار. أما في غرب العالم الإسلامي حيث كانت تسوده المسيحية فكانت كنائسهم معظمها ذات تخطيط مستطيل. مواقف متنوعة للعلماء وتجدر الإشارة إلى أن العلماء كانت لهم مواقف متنوعة من مسألة الزخرفة. فقد شن بعضهم حملة عنيفة على الزخرفة واعتبروا أن صرف الأموال على الفقراء والمحتاجين أولى من صرفها على التزيين، كما أن منظر الزخارف من شأنه أن يلهى عن الصلاة. وكان لبعضهم الآخر موقف مغاير، فتزيين المسجد فى رأيهم عمل يريح النظر ويساعد المؤمن على التأمل والتعبد. ومهما يكن فإن المسلمين لم يستطيعوا احتمال بقاء مساجدهم عاطلة عن الزينة والزخرفة فى حين أن معابد سائر الأديان ترفل بأبهى الزخارف. ولقد ذكر أن تميما الدارى كان أول من علق القناديل فى مسجد الرسول الذى ارتاح لهذا العمل، وأن عمر بن الخطاب أمر بفرش المساجد بالبسط وبتعليق المصابيح.