في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    الإمارات.. الحكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية قتل مواطن إسرائيلي مولدوفي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء.. امطار متفرقة بعدد من المناطق    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    









الأستاذ حسن الموس في خطبة منبرية: في رسالة المسجد والعناية به
نشر في التجديد يوم 15 - 05 - 2008


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا ولا نصيرا. أيها الإخوة المؤمنون، قال الله تعالى إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين قال ابن كثير رحمه الله: شهد تعالى بالإيمان لعمار المساجد، كما قال الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان. قال تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر رواه الترمذي وابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث عبدالله بن وهب به. وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عمار المساجد هم أهل الله رواه الحافظ أبو بكر البزار. وقال الإمام أحمد عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد قال القرطبي رحمه الله: إنما يعمر مساجد الله دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة، لأن الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها. وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فأحسنوا به الظن. أيها الإخوة المؤمنون، إن الأصل الذي ينبغي أن يكون هو صلاح واستقامة و إيمان عمار المساجد، لذا نجد العلامة الزمخشري يقول في تفسيره لهذه الآية: أي إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتداً بها، والعمارة تتناول رم ما استرم منها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا فضلاً عن فضول الحديث. وقال الفخر الرازي رحمه الله: اعلم أنه تعالى قال: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أي من كان موصوفا بهذه الصفات الأربعة و {إنما} تفيد الحصر، وفيه تنبيه على أن المسجد يجب صونه عن غير العبادة فيدخل فيه فضول الحديث وإصلاح مهمات الدنيا. وقوله ولم يخش إلا الله أي ولم يخف إلا من الله تعالى ولم يخش سواه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ...وكل عسى في القرآن فهي واجبة. وقال بعض المفسرين: لا يعتني ببيوت الله ويعمرها إلا الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ولا يخافون في الله لومة لائم، هؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى الحق. أيها الإخوة المؤمنون، يا من ترغبون في الأمن والأمان يوم العرض على الله، إن نبيكم يبشركم بالأمن إذ يفزع الناس، وباستحقاق أن تكونوا في ظل الله عز وجل يوم القيامة: روى الإمام مالك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ. ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه معناه - والله أعلم - ينوي الرجوع إليه، ويرتقب وقت توجهه نحوه، فهذا مما يستديم الحسنات، لأن من نوى حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا. إن المسجد يا عباد الله رمز الحياة الإسلامية ومحور اهـتمام المسلمين، ومركز المدينة أو المحلة الإسلامية، وحوله يتجمع نشاط المسلمين بكل مظاهره وصوره، فمنه انبثقت أفكارهم وتطلعاتهم، إليه يعودون بعد ضربهم في الأرض، وخوضهم في كل المجالات والمسجد تجسيد لأهداف المسلم وغاياته في حياته، وهو الطريق لتحقيق هذه الأهداف والغايات فبناؤه يعد أول خطوة من أجل ذلك، وهدمه قضاء على هذه الأهداف والغايات في مهدها، ومحاولة قضاء على مجرد التفكير فيها أيضاً. لذا فقد كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة المنورة، هو بناء المسجد النبوي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَة، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا: لا وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا من اللَّهِ . أيها الإخوة المؤمنون، يجب على كل أصحاب النوايا الخيرة أن يبادرووا لتقديم كل ما يمكن تقديمه خدمة لبيوت الله عز وجل - فمن منا سيكون كتلك المرأة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدرها، وحرص على أن يصلى عليها، لأنها جعلت من تنظيف المسجد و إزالة القمامة عنه رسالتها و وظيفتها... إن تنظيف المسجد لا ينبغي أن يترك للقائمين عليه فقط، فهم لن يقووا على ذلك لوحدهم، وإنما الواجب وخاصة على الشباب، وكذلك بعض النساء المتفرغات أن يتعهدوا المسجد تفريشا وتنظيفا وتزيينا وتطهيرا. - ومن المسلمين من وسع الله عليه في الرزق، فهذا ينبغي أن يسعى ليكون ممن ينفقون على المسجد بناءا وإنارة وتفريشا وتجهيزا بما يحتاجه المسجد في أداء رسالته ، فمكبرات الصوت يجب أن تتعهد في كل مسجد وتكون في مستوى ما تبثه من كلام الله وسنة رسول الله في الصلوات والجمع والدروس، كما أن الإنارة يجب أن تكون في المستوى المطلوب، وكذلك يمكن التنافس في مد المسجد بالمصاحف وكتب التفسير والحديث والسيرة النبوية بالتنسيق مع قيمي المسجد ليجد كل جالس في بيت الله ما يحقق ضالته العلمية... وإن من فضل الله أن يتنبه المحسنون والقائمون على الشأن الديني في بلادنا إلى أهمية جعل المسجد مؤسسة جامعة كما كان في عهد أسلافنا، يضم قاعات لتعليم القرآن وأخرى لطلب العلم. إن البخاري رحمه الله تعالى جعل آية التوبة التي جعلناها محور خطبتنا اليوم، أصلا في التعاون على بناء المساجد فقد بوب في جامعه الصحيح: بَاب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ. وبوب أيضا: بَاب الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ - كما أن التسابق إلى دعم بناء المساجد يعتبر من أوجب الواجبات فكل مسجد جديد يبنى يساوي تحصين للكثير من الشباب من الضياع والانحراف، لأن الفراغ وقلة ذات اليد وعدم تيسر أسباب العيش الكريم، إذا لم يواكبه إيمان يجعل صاحبه يتحلى بالصبر والثبات، أقول إن ذلك قد يؤذي للكثير من الأزمات النفسية... فما أحوج المواطن إلى عمارة المسجد ليجد فيه الطمأنينة النفسية و السكينة: روى أبو داوود في سننه عن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاة، قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ، قَالَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. - والمسجد يجب أن يقام في كل تجمع بشري، تيسيرا للناس على حضور الصلوات في وقتها ومع الجماعة فكتب السيرة تخبرنا كيف كان الصحابة رضي الله عنهم، يسارعون إلى بناء المساجد القريبة التي تنوب عن المسجد الجامع في حال البعد والمطر، بل من الصحابة من دعا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي له في مكان من البيت يجعله مسجدا له و لأهل بيته، وهذا يمكن مقارنته بما يمكن أن يكون من مساجد في بعض العمارات والمجمعات السكنية أو الوظيفية وكذلك الثانويات والإعداديات. فمن غير المقبول أن يتواجد أبناؤنا طيلة اليوم في مؤسساتهم التعليمية ولا يجدون قاعة للصلاة، وهذا العبء يقع على عاتق جمعيات الآباء و المحسنون الذين يمكن أن يساعدوا في بناء و إيجاد هذه القاعات. روى البخاري عن عُثْمَان بْن عَفَّانَ أنع قال - عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ. لقد وعى الصحابة رضي الله عنهم رسالة المسجد فكانوا يحرصون على عمارته، و لا يتركوا الجماعة حتى ولو كانوا في جهد و مرض شديدين: روى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ، قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ النَّاسِ الْخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا - كما أنه لكي يقوم المسجد برسالته كاملة لابد من التأدب بآدابه وتجنب كل ما يشوش عن طمأنينة رواد المساجد فمما تصان عنه المسجد الروائح الكريهة والأقوال السيئة وغير ذلك. وقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غَزْوة تَبُوك: من أكل من هذه الشجرة ـ يعني الثُّوم ـ فلا يأتِيَنّ المساجد (الدخان و غيره) .. روى الترمذِيّ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة. - وفي الحديث: روى بن ماجه عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ. - قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشُووِر فيه؛ فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه، وألا يشاهد معهم الصلاة؛ إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرته يوماً أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول؛ فاستدل بحديث الثُّوم، وقال: هو عندي أكثر أذًى من أكل الثوم، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.