مازالت الدول الكبرى تتخذ من مستعمراتها القديمة مركزا لإشعاعها الثقافي واللغوي، فها هي المراكز الثقافية الأجنبية تتنافس ليل نهار في استقطاب عقول شباب وشابات الدول العربية والإسلامية بالخصوص، فتعلمها لغتها وهذا جيد وتشربها ثقافتها وقيمها التي تهدف بالأساس إلى سلخ الأجيال عن جذورها الدينية والتاريخية واللغوية وهذا هو الخطير. ولئن كنا قد تعودنا على وجود مثل هذه المراكز في أوطاننا ومنحنا كل منتسب إليها ألقاب التمدن والتحضر فإننا في المغرب على سبيل المثال نشهد معركة أخرى لسلب الهوية الحضارية التي يتميز بها كل مغربي ومغربية، إنها الحرب الإعلامية التي كانت آخر فصولها الترخيص لإذاعة سوا الأمريكية التي بدأت بثها في المشرق في 23 مارس 2002 بالبث على موجات ئح في الوقت الذي لم ترخص فيه السلطات لإذاعة الإخبارية والفرق شاسع بين الإذاعتين، فإذا كانت الأولى تعتمد بالأساس على إذاعة الأغاني الماجنة والخليعة الموجهة لفئة الشباب وتطعيم ذلك بنشرات إخبارية قصيرة وموجهة، أقل ما يقال عنها أنها أمريكية جدا، فإن بغض النظر عن اتفاقنا مع خطها التحريري أم لا تقدم برامج سياسية للمواطن العربي منذ أكثر من خمسين عاما تساعده على تتبع الأخبار والأحداث، خصوصا في زمن لم يكن فيه أثر للهوائيات والفضائيات، يضاف إلى هذا عدم الاهتمام بإذاعات وطنية جادة ومتميزة كإذاعة طنجة التي تعاني من التهميش ليس من طرف المواطن بل من السلطات الوصية منذ زمن طويل، في مقابل ذلك خلق إذاعات أخرى قوية لدول أجنبة تتوفر على كل المقومات الإذاعية (أعلى التقنيات أجهزة دفع عالية الجودة أجور محترمة للإذاعيين والموظفين...) وهذا ما يتوفر في إذاعة ميدي أن على سبيل المثال، وهي لا تبعد عن إذاعة طنجة إلا بعشرات الأمتار. زد على ذلك امتناع السلطات أخيرا عن الترخيص للطبع اليومي لجريدة القدس العربي بالمغرب ونعلم ما للجريدة من سمعة طيبة يعترف لها بذلك رقم مبيعاتها على طول العالم العربي، يعززه حضور رئيس تحريرها المتميز في المشهد السياسي العربي. إن فتح مجالنا السمعي البصري للاختراق الأجنبي وغلقه في وجه كل الوسائل الإعلامية الجادة، سيجعل من المغرب ومن غيره من الدول العربية والإسلامية قبلة للإذاعات والقنوات الخاصة التي تعمل على هدم كل القيم الحضارية التي تميز كل عربي مسلم، وفي هذا الإطار اتخذ الكونغرس الأمريكي قرارا بإنشاء فضائية موجهة باللغة العربية تبث برامجها على مدى 24 ساعة وتم تخصيص 542 مليون دولار للبدء في ذلك وأطلق على قرار الموافقة اسم: برامج ديبلوماسية الرأي العام. فإذا كنا في المغرب قد رخصنا ونعتزم الترخيص لقنوات وإذاعات شبيهة بسوا وmidi1 وفي الوقت نفسه نمنع الترخيص لمثيلاتها الجادة والمتميزة أو تهميشها كإذاعة طنجة أو إذاعة أو غيرهما، نعطي إشارة واضحة عن نوعية المواطن الذي نريد، مواطن الهيب هاب.. مواطن لا علاقة له بقضايا أمته ووطنه، مواطن يعتبر فلسطين مستعمرة ككل المستعمرات، ووصف المقاوم الفلسطيني بالانتحاري أو الشهيد فذلك سواء عنده، مواطن ينظر إلى أمريكا وكأنها المحررة من العبودية والاسترقاق وليست دولة مستعمرة أو معتدية. إن مصائبنا نصنعها بأيدينا ثم نبكي إذا أصابتنا شرارتها إن الله تعالى يخاطبنا في كتابه العزيز (أو كلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم) فليحذر كل إنسان مؤمن أن تصيبه شرارة هذا الإعلام الخبيث المسموم. محمد بوزيدان / طنجة