حكاية التبشير المسيحي مع آسفي تنطلق منذ نكسة الكنيسة الصليبية لما أخرج الملوك السعديون عسكرَ ورهبانَ وقساوسة َالملك إيمانويل الأول من ثغر آسفي في القرن السادس عشر الميلادي بعد أن حولوا مساجد المدينة إلى كنائس وغرسوا وثبتوا في منارات الصوامع الإسلامية صلبانا وشيدوا كاثدرائيات وأسقفيات ترابية جامعة بين آسفي وأزمور. الحلم الصليبي استمر كرماد خافتةٍ نارُه تحت تراب آسفي. وعلى مر القرون، تناوبت على المدينة أجيال وأجيال من المسيحيين كانت آخرها فئة المعمرين الفرنسيين الذين استولوا على أجود الأراضي الخصبة بتراب عبدة واحمر واشياظمة، ومنهم من كان يشرف على تمثيليات تجارية وقنصلية، وبينهم فئة المهندسين والتقنيين والأطباء والمدرسين والعسكريين وأصحاب المهن الحرة والتجار الذين كانوا يعيشون وسط سماحة المدينة المغربية الوحيدة التي لم تكن تتوفر على ملاح خاص بسكن اليهود المغاربة. هذه الخاصية التي ميزت آسفي والمتمثلة في إتاحتها التعايش بين الأديان والثقافات والمرجعيات الإثنية اكتسبتها من انفتاح مرساها عبر القرون، مما جعلها في قلب اهتمام جهات ذات نفوذ ديني غير واضح، ومن ذلك أنها كانت مركزا مهما لإشعاع الحركة الماسونية زمن الحماية الفرنسية، كما أن يهوديا من آسفي يدعى برشاط مايير، وهو حزان وتاجر يهودي مؤسس للجمعية الصهيونية «آشڤاط صهيون» سنة 1903، كان عميلا يراسل طيهودور هرتزل (1860- 1904، مؤسس الفكر الصهيوني وحركة شراء الأراضي للاستيطان بفلسطين) من آسفي، حيث دعاه هذا الأخير إلى حضور المؤتمر الصهيوني العالمي. التبشير المسيحي في آسفي ظل يتعايش مع ثنائية الاستقطاب الديني للثالوث المقدس وبين أنشطة ماسونية ذات خلفيات صهيونية يهودية تستثمر في التظاهر، ثقافيا وفنيا وتطوعيا في جمعيات ومبادرات مدنية تستطيع من خلالها ملامسة المجتمع والتأثير فيه عبر بث ورعاية نمط تفكير ثقافي يؤسس لجيل متحكم في ميولاته. وتقوم هذه الخطة على أولوية وهدف قتل المرجعية التراثية والتاريخية والدينية للهوية المغربية وتعويضها ب«كابسولات» بديلة ذات مرجعيات مُريبة. المبشرون بآسفي معروفون لدى قلة من الرأي العام ولدى كل مصالح الأمن والاستخبارات، حتى إن مساكن أكثرهم وتحركاتهم بمقر رابطة ثقافية أجنبية تتم بجوار مقر «الديستي» بالمدينةالجديدةلآسفي، ولهم موقع إلكتروني باللغة الفرنسية ونسخة منه باللغة العربية، وهناك يمررون «كابسولاتهم» التبشيرية التي تتخذ شكل مقالات وندوات بمقر رابطة ثقافية أجنبية منحتها الولاية 45 مليون سنتيم من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ويستحيل أن تجد في أجندتها مواضيع تتصل بالتراث الديني أو الفكر أو الأدب المغربي أو العربي والإسلامي. لعبة التبشير وصمت المسؤولين بآسفي أصبحت قمارا بالنار على مقدسات وثوابت الأمة،... المدينة ألهتها فتنة الفوضى والتيه، والساكنة تكتوي بحالها والمبشرون بها يغرسون صلبانهم و«ماسونيتهم» وفرانكفونيتهم بهدوء وسط عقول الشباب... وبأموال التنمية البشرية... ولن تفاجَؤوا غدا لو أعلنوا آسفي أرض يسوع المُحررة.