المرء على دين بطانته بعد رمضان الكريم يتابع الدكتور مولاي عمر بن حماد، أستاذ علم التفسير بكلية الآداب بالمحمدية، سلسلة حلقات نداءات الإيمان من خلال كتاب الله تعالى، ونداء اليوم هو الرابع عشر وهو قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يالونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)آل عمران 118. حيث يستخلص الأستاذ الفاضل من خلال تتبع هذه النداءات الرحيمة حجم الآيات التي تحذر من أعداء الأمة. ومن ضمن هذه النداءات الأربعة عشر توجد ثلاثة نداءات تصب في نفس الموضوع، النداء الأول يحذر من أهل الكتاب :في قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا و للكافرين عذاب أليم.ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) البقرة 104 . والنداء الثاني يحذر منهم أيضا وذلك بقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) . آل عمران 100. ونداء اليوم هو الثالث أي قوله تعالى:(لا تتخذوا بطانة من دونكم.). و قوله تعالى:(لا تتخذوا بطانة من دونكم): أي من غيركم من أهل الأديان .و بطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره .وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله ليه و سلم قال:"ما بعث الله من نبي و لا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف و تحضه عليه و بطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله تعالى"رواه البخاري وغيره. ومعنى الآية لا تتخذوا أولياء و أصدقاء لأنفسكم من دونكم، أي من دون أهل دينكم و ملتكم، يعني من غير المؤمنين.فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا من الكفار أخلاء و أصدقاء.وحال المسلمين اليوم شاهد لعاقبة غفلتهم عن أمر ربهم هذا حين اتخذ كثير منهم من أمثال هؤلاء مرجعا في كل أمر وشأن وكل وضع وكل نظام وكل تصور وكل منهج وكل طريق. وقد يسأل سائل عن العلة في ذلك ولماذا هذا النهي؟ ورغم أن هذا السؤال لا ينبغي أن نقيد به الامتثال، فإذا أمر الله تعالى بأمر وجب الانقياد إليه، و إذا نهى عن شيء وجب الامتناع عنه دون تقييد الطاعة بمعرفة العلة.فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو سبحانه (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) إلا أن يكون سؤال المؤمن الذي يريد مزيدا من الإيضاح و البيان ليطمئن قلبه أكثر، مع استعداده التام والأبدي للطاعة بلا تردد. وجوابا لسؤال مفترض عن العلة في النهي بين تعالى ذلك من وجوه عديدة : الأول بقوله:( لا يالونكم خبالا):أي يسعون في مخالفتكم و ما يضركم بكل ممكن و بما يستطيعون من المكر والخديعة، أي لا يقصرون فيما فيه الفساد عليكم. الثاني بقوله:(ودوا ما عنتم): أي يحبون ما يعنت المؤمنين و يحرجهم و يشق عليهم. وهذا عكس ما وصف الله به رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة 28 .فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعز عليه ما يعنت أمته وما يشق عليها، وأولئك يودون ما يعنت الأمة ويشق عليها، فهل نتبع ونطيع من يحب لنا العنت والمشقة،أم نطيع من لا يرضى لنا ذلك؟! الثالث بقوله:(قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر). أي قد لاح على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله مالا يخفى على لبيب عاقل. الرابع فهو قوله تعالى:(و ما تخفي صدورهم أكبر) أي ما تخفي الصدور أكبر مما بدا من الأفواه وهذا لا يطلعنا عليه إلا العليم بها القائل سبحانه:(قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله و يعلم ما في السماوات و ما في الأرض، و الله على كل شيء قدير) وهذا مما يشهد للطفه تعالى بهذه الأمة ؛ إذ لا سبيل لمعرفة ما يود أعداؤها بها على وجه اليقين ولا سبيل لمعرفة ما تخفيه صدورهم، لكن الله تعالى يطلعنا على ذلك رحمة منه وفضلا. وقوله تعالى :(قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) أشبه ما يكون بالخلاصة التي لا يبقى معها عذر لمعتذر؛ وقوله تعالى :(إن كنتم تعقلون ) دعوة لهذه الأمة لإعمال الفكر، و الاستدلال وتعرف المسببات من أسبابها في سائر أحوالها :في التشريع والمعاملة لينشئها أمة علم وفطنة وفضل. فهل تعقل الأمة وتعرف عدوها من صديقها؟ وتميز بين من لا يريد لها صلاحا؟ بين من يعز عليه عنت الأمة؟ و بين من يود عنتها؟ يريد الله بنا ويريد الأعداء بنا ويا لغفلة المسلمين حينما يتركون ما يريد الله ويتبعون ما يريد الأعداء. (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما.يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا). وتأتي بقية الآية لتزيد الأمر تفصيلا ولتكشف عن جوانب أخرى من المفارقة العجيبة بقوله تعالى:(ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكهم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) وفي ما يشبه آخر وصية في الموضوع يذكر سبحانه عباده بوسائل دفع كيد الخصوم ويجملها تعالى هنا في الصبر والتقوى وذلك قوله تعالى:(و إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعملون محيط( الدكتور مولاي عمر بن حماد