شرع مجلس النواب مساء يوم الإثنين الماضي في مناقشة التصريح الحكومي حيث تدخل على التوالي كل من الفريق الاشتراكي وفريق الوحدة والتعادلية وفريق الأحرار وفريق العدالة والتنمية والفريق الدستوري الديمقراطي وفريق التحالف الاشتراكي وفريق الاتحاد الديمقراطي والفريق الحركي والمجموعة النيابية لجبهة القوى الديمقراطية ولئن كان تدخل كل من فريق العدالة والتنمية والفريق الدستوري قد اتجها إلى إعلان موقف المعارضة للحكومة من خلال محاكمة التصريح الحكومي وبيان أوجه النقص والقصور فيه ونقط الضعف في تشكيل الحكومة، فإن فرق الأحزاب المشاركة للحكومة على الرغم من إعلانها لمساندة الحكومة لم تخف نقدها لكثير من جوانب القصور في البرنامج الحكومي. لقد سجل تدخل فريق العدالة والتنمية الذي تلاه الأستاذ مصطفى الرميد رئيس الفريق عدة ملاحظات ترتبط بالسياق الذي جاء فيه تعيين الحكومة بدءا بنتائج اقتراع 72 شتنبر 2002 حيث اعتبر تلك الانتخابات إيجابية رغم ما سجله الحزب من خروقات وتجاوزات في كثير من المناطق، كما أشار إلى سلبية ظاهرة ترحال بعض النواب ودعا إلى وضع حد لها من خلال مجموعة من التدابير التنظيمية ومنها اعتبار كل من يغير موقعه السياسي في حكم المستقيل. كما أشار إلى أن ارتهان عمل المؤسسة البرلمانية بتعيين الحكومة وأعضائها يعتبر إخلالا بوضعها الاعتباري ودعا إلى ملاءمة توقيت الانتخابات مع الأجل اللازم لمناقشة وبث البرلمان في مشروع المالية. وأشار إلى جو الإحباط الذي أعقب تعيين حكومة السيد جطو تبعا لما سمع الناس من تهافت الأحزاب المكونة لها على المناصب وصراع بعض القيادات على المقاعد وسيادة الترضيات في إسناد المناصب بناء على الاعتبارات العائلية والجهوية والزبونية كما أشار إلى عناصر الضعف في الحكومة وعلى رأسها تضخم عددها ووجود وزير دون حقيبة وإعادة هيكلة الحكومة على أسس مخالفة للحكومة السابقة بما يترتب على ذلك من إهدار للوقت والجهد في تمييز الاختصاصات وصعوبة في توزيع الموارد المالية واعتبر أن ذلك يتنافى مع منطق الشجاعة. واعتبر أن الحكومة لا تحمل معالم الحكومة الناجحة المسؤولة باعتبار كثرة عدد الأحزاب المكونة لها وتعدد مشاربها إضافة إلى العدد الكبير من الوزراء غيرالمنتمين لها. تدخل فريق العدالة والتنمية أكد على إيجابية تنصيص التصريح الحكومي على المرجعية الإسلامية منطلقا له إلا أنه لاحظ أن أثر ذلك التنصيص لم يظهر بالقوة والوضوح اللازم في التدابير التي جاء بها والأهداف التي أكد عليها في مختلف القطاعات ولاحظ التغيب غير المبرر لقطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية وغيابا لتدابير ذات صلة بتعزيز الأمن الروحي وبرفع مستوى تدين المغاربة وسد الثغرات الموجودة في مجال التوعية الدينية وفي مجال تحصين الشباب المغاربة ضد مخاطر الإباحية وضد التطرف الديني والتطرف الإباحي، وتساءل عن التدابير التي تنوي الحكومة اتخاذها لترجمة التزامها بالمرجعية في قطاعات أخرى مثل الاقتصاد والإعلام والثقافة وتطهير الحياة العامة من مظاهر العري والخلاعة والسلوكات المنافية للحشمة والوقار وقال: >إننا كنا ننتظر إجراءات ملموسة من أجل تنظيم جمع الزكاة وصرفها حتى تستعيد دورها كنظام اجتماعي وتسهم في تحقيق التنمية المنشودة، كما كنا ننتظر إجراءت تتجه نحو إرساء ثقافة الوقت وتشجيعه وتعزيز دوره التنموي وتشجيعه< ودعا الحكومة إلى تدارك كل هذا الفقر من خلال تدابير عملية تترجم فعلا وصدقا تنصيصكم على المرجعية الإسلامية منطلقا لبرنامج الحكومة<. تدخل فريق العدالة والتنمية قدم مجموعة من الملاحظات المنهجية على التصريح منها افتقاده لرؤية سياسية منسجمة نتيجة لتعدد مشارب الحكومة وتعدد اختيارات مكوناتها، وضعف التشخيص الدقيق للمشاكل والإمكانيات والإكراهات وضعفا في الحلول والتدابير الواقعية وكونه جاء محملا بجملة من الموعود العريضة والبشائر الكثيرة. كما عاب عليه كونه لم يؤسس أهدافه وبرامجه على معطيات حصيلة الحكومة السابقة وعدم اعتماد المخطط الخماسي كمرجعية والقطيعة مع البرنامج الحكومي السابق مما يطرح كما يقول الأستاذ الرميد إشكالية استمرارية العمل الحكومي كمؤسسة ومشكلة عدم التراكم والانتظام في العمل الحكومي. كما سجل على التصريح عدم سيره على نهج واحد في عرض برامجه في مختلف القطاعات حيث كان في بعضها يعطي أرقاما وتفاصيل وفي بعضها الآخر يكتفي بعبارات فضفاضة فضلا عن أن بعض المشاريع المدرجة فيه هي أصلا قيد الانجاز بينما بعض الأهداف والأرقام الواردة في تفاصيله تقع خارج زمن التدبير الحكومي، والغائب الأكبر كما يقول الأستاذ الرميد هو "تحديد مؤشرات دالة في قياس مدى نجاعة العمل الحكومي والحكم عليه مثل نسبة النمو التي تعتزم الحكومة تحقيقها خلال سنوات ولايتها ونسبة تقليص البطالة ونسبة رفع الاستثمارات والادخار الوطني<. كما أبرز التدخل مختلف جوانب القصور في البرنامج في مختلف القطاعات التي أشار إليها ونبه إلى تغيب التصريح لقطاعات حيوية مثل قطاع الطاقة وقطاع الطاقة وقطاع الفلاحة (انظر نص تدخل فريق العدالة والتنمية في الصفحتين 4 و5) تدخلات الفرق الأخرى بما في ذلك التي توجد أحزابها داخل الحكومة لم تخل من نقد واضح أو مبطن للتصريح الحكومي، فقد أكد فريق الاتحاد الاشتراكي على مرجعيته الاشتراكية في انتقاد صريح للتوجهات الليبرالية الغالبة في التصريح الحكومي مؤكدا على أهمية الممارسة السياسية وأنها غير قابلة للتعويض من لدن التقنوقراط على اعتبار أن الممارسة السياسية هي التي تنتج القيم السياسية مؤكدا على وهم التعارض بين السياسية والتقنوقراطيين وعلى التلازم والترابط بين البناء الاجتماعي والتنمية السياسية وبين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، مشيرا إلى أنه لا شيء يؤكد تضاؤل دور التدخل العمومي في الحقل الاقتصادي منتقدا على التصريح غياب منظور واضح ومتكامل فيما يخص استراتيجية التدخل العمومي في ضبط السوق العقاري وإنتاج السكن الاجتماعي. كما أكد على ضرورة التطابق بين الأهداف المسطرة والنوايا الطيبة والوسائل المالية وضرورة تدقيق سلم الأولويات في انتقاد ضمني لتغافل التصريح للوسائل المالية الكفيلة بتنفيد البرنامج الحكومي إذ لاحظ أن هناك تناقضا في الاستراتيجية المعتمدة حيث "يتأرجح التصريح بين هاجس الرغبة في التخفيف بين التحملات المفدية للمالية العمومية وبين تطوير العديد من الخدمات الاجتماعية< وهذا يطرح بكل بساطة يقول لشكر "إشكال التمويل" مشيرا إلى إغفال دور الجماعات المحلية في هذا المجال. كما انتقد الفريق الاشتراكي سرعة أداء الأمانة العامة داعيا إلى تسريع وتيرة عملها وتدارك الوقت الضائع. تصريح الفريق الاشتراكي عند تعرضه لقضية تشغيل الشباب دعا إلى تطوير الآليات المؤسسية الجديدة لادماج العاطلين في سوق الشغل بناء على الاختلالات التي أبرزتها التجربة بالنسبة لبعضها والتي أدت إلى الكارثة كما حدث بالنسبة لنحو 03 ألف من الشباب بالنسبة لشركة النجاة. وكان لافتا للانتباه أن يشير الفريق الاشتراكي لتغييب قطاع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لكن تبين بعد ذلك المقصود من الإشارة حينما أشار لشكر بأن القطاع قد عرف مجموعة من الانحرافات ستوجب حسب ما جاء في تدخله التقويم والمعالجة وخاصة "ما يتعلق بتستر بعض التيارات الهدامة المتطرفة وراء الدين للطعن في بعض الثوابت والاختيارات والترويج لأفكار ومذاهب تشكل شذوذا عن الاختيار المذهبي للأمة< مؤكدا أن فريقه يدافع عن المذهب المالكي وعن الوسطية والاعتدال!! تدخل فريق الوحدة والتعادلية الذي تلاه السيد عبد الرزاق أفيلال رغم إعلانه أنه سيساند الحكومة في تطبيق الانجازات المرقومة المحدودة في الزمن وفي الالتزامات غير المرقمة على أساس الانسجام الحكومي إلا أنه لاحظ أن البرنامج تطغى عليه العموميات والتمنيات وتساءل كيف ستحافظ الحكومة على الطابع الإسلامي على اعتبار أن الإسلام ممارسة نعيشها في الحياة وعن الموقف الحكومي من الخمر انتاجا وتوزيعا وبيعا وعن موقف الحكومة مما وصلت إليه النساء اللواتي يسقطن في حبائل غير أخلاقية ويشوهن تبعا لذلك سمعة المغرب، وعن الموقف الحكومي من الزكاة. تدخلات كل من فريق الحركة الشعبية وفريق الأحرار سارت هي الأخرى في إعلان مساندتها للتصريح الحكومي لكن مع السعي إلى اتخاذ بعض المسافة معه على اختلاف في حجم النقد له. وكان هناك شبه إجماع بين التدخلات سواء تدخلات الأحزاب المشكلة للحكومة أو أحزاب المعارضة على عدة نقط منها: عدم ارتكاز البرنامج الحكومي على مرجعية المخطط الخماسي. إشكالية تمويل المشاريع التي جاء بها التصريح الحكومي. العمومية في الأهداف والمشاريع وغياب استحقاقات زمنية ومرقمة للتنفيذ. تغيب كثير من القطاعات الحيوية من التصريح. التساؤل الذي بدأ يتداول لدى المراقبين هو ما إذا كان هذا الحرص على اتخاذ بعض المسافة الذي اتخذ عند الاتحاد الاشتراكي نقدا ضمنيا للاختيارات الاقتصادية والإيديولوجية الذي انطلق منها التصريح الحكومي بداية لنوع آخر من المعارضة وهو المعارضة من داخل الحكومة، وما إذا كانت مناقشة الفرق التي تشكل أحزابها أحزابا وازنة داخل الحكومة بهذه المنهجية إيذانا بالصعوبات والتناقضات التي ستواجهها حكومة جطو، أم أن ذلك لا يعدو أن يكون تعبيرا عن حالة الغضب العابر من طريقة تشكيلة الحكومة وحرمان البعض من الاستوزار. وإلا كيف نفسر التباين الكبير بين أحزاب يفترض أنها شاركت في صياغة التصريح الحكومي والتصديق عليه وبين فرقها علما أنما ينهلان من نبع سياسي وإيديولوجي واحد اللهم بازدواجية المواقف أو بالغضب المشار إليه؟ أبو صلاح