2 على الآباء و المربين أن يضعوا في اعتبارهم أن الحاجة إلى تحقيق الذات حاجة فطرية كالحاجة إلى الحب و الأمن و الرعاية زرعها الله سبحانه و تعالى في الإنسان لكي يقوم بوظيفة الإستخلاف في الأرض، و هذه الحاجة تبدأ في التعبير عن نفسها منذ سن الطفولة على شكل رغبات مستقلة و اختيارات خاصة يعتبرها الآباء عنادا أو سوء أدب و تعبر عن نفسها في سن المراهقة باكتساب مواقف خاصة في الرأي مع الوالدين في بعض الأمور، بعض الآباء يعتقدون أن الحوار مع أبنائهم يضعف من سلطتهم و قد يبالغون في هذا الإعتقاد يحولون البيت إلى معسكر فيه آمرين و منفذين دون حلول وسط أو مساحات مشتركة تزيد في دفئ العلاقات الأسرية، و بالتالي فالأبناء دائما قاصرون حتى و إن بدت عليهم بوادر تؤكد قدرتهم على تحمل المسؤولية و قدرتهم على الإختيار و خوض بعض التجارب الحياتية بنجاح و بما أن جيل اليوم لم يعد قادرا على تحمل هذه الأنماط التربوية، فإننا سنكون عاجزين عن إقناعهم بصواب أفكارنا أو خطإ أفكارهم بمجرد كلمة أمر مؤنبة أو غاضبة و لذلك يردد الأباء و المربون كلمات مثل " كلامنا مع هذا الجيل كصيحة في واد أو كأننا نصب الماء في الرمل" كتعبير عن الصدود و عدم القبول الذي يتعامل به الأبناء مع الآباء دون أن يدركوا أن الخلل قد يعود إلى طريقتهم في التعامل معهم، و إذا كانت طاعة الأبناء للآباء ليست طاعة عبثية بل تحقق حماية الأبناء في سن الطفولة و المراهقة، فهذا ما يجب أن يفهمه فلذات أكبادنا، إن بناء القيم و المعايير و مفاهيم السلوك الحسن و القبيح يتم بطريقة أعمق إذا انتهجت آلية التوجيهات المبررة و المعللة، الشيء الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الحوار و الإصغاء المتبادل، فالقرآن الكريم خطاب من الله تعالى إلى مخلوقاته غالبا ما يبرر أوامره و نواهيه فيبين لنا لماذا حرم علينا الخمر مثلا، و لماذا أمرنا بالصلاة و الصيام و الحج، كما ترك لنا مساحة واسعة من المباحات سماها الفقهاء بالعفو، إنه منهج تربوي يستجيب لحاجيات النفس البشرية و طبيعة تركيبتها، فلماذا نتجاهل هذه الحاجات داخل أبنائنا و نصادرها بالإصرار على عدم الإعتراف بالحق في ممارسة مساحة حياتية باستقلال عن وصايتنا؟ كيف نحدد مساحة الإستقلال هذه و كيف نمارسها؟ هذا ما سنراه في الحلقة المقبلة إن شاء الله تعالى. سعاد العماري