منذ سنة تقريبا، تتعرض عدة دول إفريقية منها المغرب لموجات متتالية من الجراد، حيث اكتسحت جحافله المكثفة مساحات زراعية ورعوية شاسعة من هذه البلدان. بل وصل الأمر إلى حد اكتساح عاصمة إحدى هذه البلدان. وقبل شهور من زحف جحافل الجراد الإفريقي، كانت جحافل أخرى من الجراد الآدمي قد بدأت تجتاح مناطق أخرى من العالم. إنه الجراد الأمريكي المستقدم من شتى القارات والمحيطات من أجل غزو العراق، مرورا واستقرارا بالدول المجاورة والقريبة. الجراد الإفريقي تتكون جحافله من حشرة صغيرة ضعيفة، وهو جراد ابن بيئته، ويتحرك أعزل من كل شيء، ولا يريد سوى أن يقتات من بعض خشاش الأرض وعشبها، أما الجراد الأمريكي فهو أجناس شتى ومن أقطار شتى، ومسلح بكل شيء، ويبحث عن كل شيء، ما على ظهر الأرض وما في بطنها، يقتل ويدمر، ويسجن ويعذب... الجراد الإفريقي يمر مرا سريعا، يقتات ثم يمضي. وحتى حينما اكتسح العاصمة نواكشوط، لم يخرب عمرانا، ولا هدد أمنا، ولا مكث في العاصمة، ولا أطاح بنظامها، بينما الجراد الأمريكي حين دخل العاصمة بغداد، أطاح بنظامها وعبث بأمنها وسلامها، وخرب البلاد وأهلك العباد، ولا زال مستمرا إلى أجل غير مسمى من السنين أو العقود...؟ الجراد الإفريقي يمكن أن يأكله الناس عند الحاجة، فهو ضار ونافع. أما الجراد الأمريكي فهو الذي يأكل الناس، ولا يتوقف عن الافتراس. العجب كل العجب بعد كل ما سبق هو كيف تعاملت دول العالم وأممه المتحدة وغير المتحدة، مع هذين الصنفين من الجراد! فها هي دول العالم تتنادى، وتتواصى، وتتعاون ضد الجراد الإفريقي الأعزل، ليس لمجرد طرده وإجلائه، وإنما لأجل إبادته والقضاء عليه. وكذلك تهب المنظمات الدولية بمساعداتها ومبيداتها للإسهام في حرب المطاردة والإبادة ضد جراد جائع مضطر، ولكن معظم دول العالم أسهمت في دعم الجراد الأمريكي وتسهيل مهمته، أسهمت معه بجرادها المدني أو العسكري أو أسهمت معه بفتح حدودها، أو مياهها، أو أرضها، أو سمائها، أو أسهمت معه بتأييدها ومباركتها، أو أسهمت معه بصمتها وتغاضيها، بما في ذلك عدد من دول الجوار والأخوة... وكلنا نعرف في جميع الشرائع والقوانين والأعراف أن الجائع المضطر الذي لا يريد سوى سد الرمق، لا عقوبة عليه في هذا المستوى. أما الذي يغزو ويحتل، ويقتل ويدمر، ويغصب وينهب، ويفعل ذلك عدوانا وظلما وحقدا، ولأجل مزيد من الثراء والجبروت، وينقل الثروات المغصوبة إلى بلاده وإلى أجياله المقبلة، فهذا يعد مجرما بعدد الدقائق التي يقضيها على هذه الحال. ومع هذا فنحن نرى أن الجراد الإفريقي يعاقب بالإبادة والآخر يحظي بالاحترام والإشادة. هل لأن أحدهما أسمر والآخر أصفر؟ أم لأن أحدهما مستضعف والآخر مشرف؟! أنا لست متعاطفا مع الجراد الإفريقي، ولا أدعو إلى التغاضي عنه ولا إلى فسح المجال له، ولكني فقط أبحث عن شيء من العدل والمساواة في هذا العالم؟!! أحمد الريسوني