وقع جلالة الملك محمد السادس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول أمس الثلاثاء بالكريملين إعلانا حول الشراكة الاستراتيجية بين المملكة المغربية وفدرالية روسيا. وكان جلالة الملك والرئيس الروسي قد ترأسا قبل ذلك مراسيم التوقيع على خمس اتفاقيات أخرى قطاعية تتعلق باتفاقية تعاون بين الفدرالية المغربية لغرف التجارة والصناعة والخدمات وغرفة التجارة والصناعة لفدرالية روسيا ومذكرة تفاهم بين الوكالة الروسية للطيران والفضاء والمركز الملكي للاستشعار الفضائي عن بعد والمركز الملكي للدراسات والأبحاث الفضائية. واتفاقية تعاون في مجال البريد والاتصالات وتكنولوجيا الإعلام واتفاقية تعاون في مجال الصيد البحري، واتفاقية تتعلق بإلغاء التأشيرات على الجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة. وخلال استقبال الرئيس الروسي للعاهل المغربي، شدد فلاديمير بوتين على "تقليد الصداقة والتعاون" بين الرباطوموسكو معربا في الوقت نفسه عن أن تمثل هذه الزيارة انطلاقة قوية للعلاقة الروسية المغربية نحو آفاق أرحب. وهنا أكد جلالته أنه سيبذل قصارى جهده حتى تصبح العلاقة المغربية الروسية أكثر ودية وفاعلية. كما أكد جلالته في كلمة بالمناسبة أن الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وروسيا الذي تم توقيعه يعد بمثابة "برنامج حقيقي لتجسيد طموحاتنا لتطوير علاقاتنا السياسية والاقتصادية والعلمية". وتناولت المحادثات بين الملك والرئيس فلاديمير بوتين عددا من القضايا الدولية والجهوية تصدرتها العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك قضية الصحراء المغربية والوضع الحالي في منطقة المغرب العربي. وفي نفس السياق أكد المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الروسية أليكسندر ياكوفنكو أن روسيا والمغرب يؤيدان إقامة نظام عالمي مستقل وعادل ومتعدد الأقطاب يقوم على مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر والتسوية السلمية للنزاعات. كما أشار إلى أن المقاربات التي يعتمدها المغرب وتشبته بالسبل السلمية في تسوية المشاكل بالإضافة إلى المكانة الدولية والإقليمية البارزة للرباط تجعل من المفيد تبادل وجهات النظر حول تسوية المشاكل التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط والأزمة العراقية. وكان العاهل المغربي محمد السادس قد اعتبر أن موافقة بغداد على عودة المفتشين الدوليين من دون شروط يجب أن تجنب العراق ضربة أمريكية، كما تعارض روسيا، شأنها شأن المغرب، اللجوء إلى القوة ضد بغداد. وقال مراقبون إن المحادثات الروسية المغربية شملت القضية الفلسطينية من منظور التسوية الشاملة للشرق الأوسط في إطار القرارات الدولية بناء على الموقف الروسي الواضح الذي أعلنت عنه موسكو ردا على القرار الأمريكي الذي جعل القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني. وينتظر أن تقوم فدرالية روسيا بإعلان وساطتها بين المغرب وإسبانيا في ظل الوضعية المتأزمة التي تميز العلاقة بين الرباط ومدريد، وفي هذا السياق كان جلالة الملك قد بعث نهاية الأسبوع الماضي ببرقية إلى الملك الإسباني خوان كارلوس بمناسبة العيد الوطني لإسبانيا وصفتها أغلبية المصادر الإعلامية بأنها "التفاتة" طيبة من العاهل المغربي، وكان أن استقبلها الوسط الإسباني استقبالا حسنا واعتبرها "فرصة من ذهب" لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين والدفع بها نحو الأحسن. ويبدو أن لروسيا عدة مؤهلات تمكنها من القيام بهذا الدور الإصلاحي بين المغرب وإسبانيا على اعتبار أن روسيا تعتبر الممون الأول لمدريد من حيث السلاح كما يعد المغرب ثاني أكبر زبون لروسيا في إفريقيا حيث بلغ الميزان التجاري بين البلدين في النصف الأول من العام الحالي 144 مليون دولار، منها ما يزيد على 100 مليون دولار صادرات روسية وفي مقدمتها النفط، وفي المقابل يصدر المغرب الحمضيات ومنتجات زراعية أخرى. وتعول الأوساط السياسية أن تعيد هذه الزيارة عددا من القضايا والعلاقات وبعض الملفات إلى الواجهة وتطويرها والسير بها نحو الأحسن. ويبقى المشكل المغربي الجزائري المنبني أساسا على الموقف السلبي الذي تتبناه الجزائر من وحدة المغرب الترابية ومعارضتها للحل الثالث الذي اقترحه المبعوث الخاص للصحراء المغربية جيمس بيكر والذي وافق عليه المغرب أهم هذه الملفات، بينما تواصل الجزائر دعم كل الطروحات الانفصالية والتعبئة ضد الوحدة الترابية للمغرب جهويا ودوليا، وكان قرار العاهل المغربي عدم حضور قمة اتحاد المغرب العربي الأخيرة الذي كان من المفترض أن تنعقد بالجزائر أبلغ دليل على درجة التوتر والاحتقان بين الرباطوالجزائر. والظاهر أن العلاقة الطيبة التي تربط روسيا بكل من الجزائر ومدريد قد تحسن من هذه العلاقات فضلا عن أن روسيا من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن ومن المعنيين المباشرين بضمان استمرار مكانتها الحيوية ليس فقط مع الجزائر بل وأيضا مع المغرب في إطار سياسة التوازنات الدولية بالمنطقة المغاربية. يشار إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل المغربي لروسيا تعود إلى سنة 1982 عندما كان وليا للعهد وذلك للمشاركة في تشييع الزعيم السوفياني ليونيد برجنيف. عبد الرحمن الخالدي