أصبح اسم الحاج ميلود الشعبي معروفا على صعيد المغرب كله، بعد أن حصل على الرقم القياسي في انتخابات 27 شتنبر 2002. في هذا الحوار يحدثنا الرجل عن أسرار فوزه، وعن ملتمس الخمر الذي كان هو بطله في برلمان 1985، كما يحدثنا عن مؤسساته الاقتصادية وعن الشعبي للإسكان، وقضايا أخرى تجدون تفاصيلها في هذا الحوار: الحاج ميلود الشعبي أنتم في حزب الاستقلال، وحصلتم على أكثر من 40 ألف صوت، فما هي الأسباب وراء هذا الاكتساح؟ أسباب الاكتساح راجع إلى أنني أقدم للمواطنين برنامجا خاصا بي وليس بالحزب، لأنه ليست لدي ضمانات بأن برنامج الحزب سينفذ، أو أن الحزب سيكون ضمن الحكومة أم لا. وتعودت مع المواطنين على الصدق وأن أقدم لهم البرنامج الذي يمكن أن أوفر له إمكانيات. ففي الانتخابات التي تقدمت فيها بسنتي 1984 و1993، وفي المجلس البلدي والمجلس الإقليمي نفذت البرامج بشكل حرفي سواء من حيث التشغيل أو الصناعة أو تخفيف المشاكل الاجتماعية وتوفير النقل، وهذا ما جعلني أعطي للناس برنامجا أستطيع تنفيذه، أما برنامج الحزب فلا أتحدث عنه. هل يمكن أن نضيف إلى أسباب النجاح قيامك بأعمال اجتماعية وثقافية واقتصادية تتوج بنصر سياسي، في حين أن هذه الأعمال ينبغي أن تقوم بها أحزاب سياسية، فما قولك في هذا؟ هذا شيء صحيح. نحن نعمل كل هذا. رغم التزوير الذي لحقني سنة 1997، فهي النتائج نفسها التي حصلت عليها سنة 1997 في انتخابات المجلس البلدي وفي انتخابات جهة مراكش، وفي نتائج الانتخابات التشريعية، ولكنه زور علي بعد أن أعلنوا نجاحي في الثانية عشرة ليلا، ويقلبوا النتيجة في السادسة صباحا. أيضا لنجاحنا مضمون آخر معناه استمرار التواصل مع الذين وضعوا ثقتهم في من اختاروه، ونظرا لعلاقتي الحميمية بالمواطنين فإني أحرص على الاقتراب منهم في كل الأحوال. وليس من اللائق أن يأتي البرلماني في فترة الحملة الانتخابية ويراه الناخبون وغير الناخبين في الصبح والمساء وعندما يعلن فوزه لا يراه أحد بعد ذلك. هذا ما يجعل نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة، لأن الشعب المغربي أصبح لا يؤمن بالانتخابات، ولأن الوعود التي يقدمها البرلمانيون لا تكون قابلة للتطبيق، ونجاح البرلماني في تواصله المستمر مع المواطنين الذين أعطوه ثقتهم. وفي سنة 1997 رغم التزوير الذي لحقنا، ظن بعض الناس أنني سأنقطع عن أنشطتي المتمثلة في التشغيل، لكن بقيت مستمرة. قبل الحملة الانتخابية الأخيرة خيم جو من التوتر عندما تقدم أحد المرشحين في لائحة الاتحاد الاشتراكي وظهر كأنه مسنود من جهة معينة، وكأنه سيفوز، فكيف تصديتم لهذا؟ أثناء خوض الحملة الانتخابية، واجهنا الناس بالصدق والواقع، وحدثناهم عن الشخص وتاريخه، لأن سكان منطقة حاحا يتذكرون الشخص الذي نجح بالتزوير سنة 1984، ذكرناهم بكل هذا، وتجند كل الناس، والدليل أننا لم نكتف بحزب الاستقلال بل كل الهيئات السياسية دعمت مرشح حزب الاستقلال. لا نتحدث هنا عن عنصرية إثنية أو دينية، ولكن الناخبين عندما يكونون أحرارا يختارون الإنسان المناسب للمكان المناسب. والقانون المغربي ليس فيه عنصرية، ولم نتعلمها ولا تربينا عليها، ولكن موقفنا من فلسطين يعرفه العالم بأسره وموقفنا واضح من المجرم شارون ومن الصهاينة اليهود. غير أن هذا الشخص ليست له علاقة بالصويرة ودرس خارج المغرب وله سند قوي لكي يفوز وكان التدبير جاريا ليكون وزيرا للسياحة، والحمد لله عبأنا الجماهير وكانت النتيجة كما اختارت الإرادة الشعبية بالصويرة. الحاج الشعبي أنت لثالث مرة في البرلمان، والمعروف أنك صاحب ملتمس منع الخمور، وهو ملتمس ظل جامدا، فهل تنوون إعادة طرح الموضوع في البرلمان القادم؟ عندما قدمت ملتمسا سنة 1985 كنت غير منتم، وما دفعني أن أتعاون مع حزب الاستقلال أنه جدد دفعه بهذا الأمر، والمغرب لو استطاع منع بيع الخمور فإنه لن يحتاج لضمان البنك العالمي ولا للاقتراض من صندوق النقد العالمي، لأن الله عز وجل سيفتح له كل الأبواب. وثانيا المصائب والخسائر التي يتلقاها المغرب في الخمور والرشوة وحوادث السير والأموات كل هذا سيزول. الإجرام الذي يقع بالمغرب سببه الخمر، فالذين يسمحون بذلك مشاركون في كل هذه الجرائم. والمروجون له يعتبرون الذي ينادي بمنع الخمور متخلفا ويتذرعون بالسياح، وهذا خطأ. السواح لا يأتون لشرب الخمر. وأتحدى الذين يتاجرون في الخمور أن يكونوا دون دين أو مشاكل عائلية. لا أحد في المغرب تبقى علاقته سليمة مع البنوك. نحن دولة إسلامية، ونتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة دليل على أن الحس الإسلامي لدى المواطنين لايزال حيا رغم التخمير والاستحماروالتفسيق والتغريب. والذين يريدون أن يخرجوا الناس عن دينهم وملتهم تراجعت نتائجهم. مطلبي الوحيد داخل البرلمان هو هذا..هو منع الخمور في المغرب الإسلامي.. فلا أريد أن أصبح وزيرا أو سفيرا.. وهو مطلب سهل.. ولو حققت هذا الهدف وحده لكان ذلك نصرا عظيما لها.. ونجاح الحكومة رهين بتحقيق هذا المسعى، خاصة وأن القانون لا يبيح للمسلم شرب الخمر، إذ أن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، لم يوقع بنفسه ظهيرا بذلك. للشعبي وزن اقتصادي ثقيل وأموال ضخمة يستثمرها.. ألا يفكر الحاج ميلود الشعبي في دعم إنشاء فروع لبنوك إسلامية؟ البنوك الإسلامية ابتدأت منذ عشرين سنة، وكان الحسن الثاني رحمه الله قد راودته الفكرة وعبر عن رغبته في تطبيقها، خاصة بعد نجاح البنك الإسلامي الدولي في علاقته مع الدول الإسلامية. غير أن هذه المؤسسة لم تنجح في علاقتها مع الزبناء. ثم بدأت البنوك الإسلامية في الدول العربية باستثناء المغرب، وحضرت شخصيا مجموعة من المؤتمرات الخاصة بالبنوك الإسلامية في دول الخليج، وكنت متحمسا للفكرة، وقدمنا مشروعا للبنك الإسلامي بالمغرب، وأيد الملك الحسن الثاني رحمه الله المشروع، ولكن مع الأسف لم نعلم ما وقع ومنع من الخروج لحيز الوجود من الجهات المعنية. ولكن ما أريد أن أقوله هو إن البنك الإسلامي إذا توفر بالمغرب سينشط الاقتصاد، لأن أكثر من 50 % من المغاربة لا يأخذون الفوائد عند إيداع أموالهم بالبنك، وكمثال على ذلك نجد أن بنكا في الناظور لديه أكثر من 700مليار سنتيم فوائد، 505% منها لا يأخذها أصحابها، فأتصور لو كان بالمغرب بنوك إسلامية يتحدد دورها في المشاركة، والأموال المودعة بها يريد أصحابها حينها ترويجها. البنوك المغربية تحتوي على عدة ودائع ولم يتخذ قرار بشأنها. كما أن هناك عشرات ملايير الدراهم لا تودع بالبنوك الربوية، وتبقى عند أصحابها، إذن فلا بد من وجود بنوك إسلامية بالمغرب، لينتعش الاقتصاد المغربي، وجميع المغاربة حينها سيتسابقون لإيداع أموالهم في البنوك الإسلامية. وهناك من يقف حجر عثرة ضد وجود هذه البنوك تحت ذريعة عدم نجاحها في بعض البلدان، غير أننا نجد أن نسبة قليلة من البنوك الإسلامية هي التي لم تنجح، إذا ما قورنت بالبنوك الأخرى، كما أن رجال واقتصاد الدول المتقدمة بدأوا يفكرون في منهجية البحث عن فوائد البنوك الإسلامية، ونتمنى من الحكومة الجديدة أن تفكر في هذه المشاريع، وتناقش مع ذوي الاختصاص. يتساءل كثير من الناس في هذا الصدد عن مؤسسة الشعبي للإسكان وعلاقتها بالبنوك الربوية؟ لدينا رغبة في أن نقوم بالسلف المباشر، لكن مع الأسف لم يصدر أي قانون ييسر ذلك، وهو على شكل البيع بثمن الكراء". ونتمنى أن تكون لنا صيغة قانونية في ذلك، لكن رغم ذلك نطبق شيئا من هذا، فنحن نطبق هذا بدفع 50% وتوزيع 50% الأخرى على خمس سنوات، لكن المواطنين لا يستطيعون دفع 50% الأولى، وعندما يصبح قانون البيع عن طريق الإيجار، حينها ننشط هذه المؤسسات. وحسب معلوماتي فإن المستقبل القريب سيحمل حلا لهذه المعضلة، وستنفرج الأزمة السكنية بقدر ما بإذن الله. ما هي طبيعة أنشطة مؤسساتكم الاقتصادية داخل وخارج المغرب؟ شركتنا بالمغرب لها عدة ميادين، لدينا مقاولات، توسعنا خارج المغرب بمصر، بتونس، القدس، الأردن، لدينا شركة، نشتري أراضي ونبيعها منافسة لليهود، ولا نبيع لليهود. وعندما يسمع الناس بهذا يقولون هل الشعبي مجنون..كيف يبيع ويشتري في القدس واليهود يتوسعون فيها.. وأنا أقول العكس هو الصحيح، لأن اليهود سيخرجون ونحن نلمس ذلك إذ يبيعون ممتلكاتهم في القدس حسبما نرى ونشاهد. هل سبق أن تعرضتم لضغط أو سوء تفاهم مع بعض المؤسسات الرسمية في سنة 1996؟ سنة 1996 كان المشكل حول الخوصصة وقانونها الذي صدر سنة 1989، وقالوا إن الشفافية ستكون وكنت أعارض. على سبيل المثال كانت اتصالات المغرب ستباع 400مليون دولار، كنا نعارض حينها، ولما بدأت في يد أمينة بيعت ب مليار و100 مليون دولار. تحدثنا عن شركة شال وتوتال وموبيل وموبيل ولاسامير، ومن أعجب الزمور وأغربها أن يكافأ الوزير المسؤول عن ذلك برئاسة الشركة الأخيرة.. هذه الشركات بيعت دون مزاد علني، وكذلك مجموعة من الفنادق، وكانت أمور كارثية، ولم أكن حينها أجد من يقف بجانبي، لأن هناك من يخاف على مصالحه، وتحملت حينها مسؤوليتي وذهبت مع وزير حتى المحكمة العليا. والحسن الثاني رحمه الله حل المشكل وأوقف ذلك النزيف. وفي دورة استثنائية هاجمني وزير بالبرلمان ولم أكن حاضرا، وتضامن معي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ..،وأما وزير الداخلية السابق فقد انتقم مني في انتخابات 97 لأؤدي الثمن لوحدي. الحاج ميلود الشعبي برلماني في الصويرة مع حزب الاستقلال، وابنه محمد الشعبي برلماني بالقنيطرة مع حزب العدالة والتنمية..ما هي أوجه التشابه والاختلاف بينكما؟ أنا لا أجد اختلافا بين الحزبين، حزب الاستقلال يدافع عن الإسلام والعروبة، وحزب العدالة والتنمية كذلك. وفي قضية الخمور يلتقيان كذلك، وأتمنى من صميم قلبي في هذه المرحلة سواء كان الحزبان في الحكومة أو لا، ينبغي أن يلتقيا حول المصالح المشتركة، ويتفقوا حولها لأنها تهم المجتمع بأسره، والمغاربة ينبغي أن يكونوا مسلمين حقيقة ودعونا من مصطلحات إسلامي، فالأفكار تختلف.. هناك من يؤمن بشيء يدافع عنه، ونجد الطرف الآخر لا يؤمن بتلك الفكرة، وإذا كنا في الحكومة فإننا سنبقى ندافع عن مبادئنا، ومن فعل هذا، ونجح في الدفاع عن مبادئه، فإنهم لا يحتاجون في الانتخابات المقبلة إلى ائتلاف حكومي، ولكن إذا لم يستطع الدفاع عن أفكاره وبرنامجه، ستكون له اصطدامات مع الأحزاب ومع المواطنين، وأتمنى أن تكون الحكومة المقبلة في المستوى، وإذا تقدم وزير للوزارة، فالوزير الذي لا يقدم شيئا في الحكومة يعطي نظرة سيئة عن نفسه وحزبه. أسألك أخيرا عن علاقة الحاج بالصحافة والإعلام.. هل تعتقد أن الصحافة أنصفتك؟ عندما كنت في مواجهة حادة مع الحكومة في 95 و96، تداولت بعض الصحف هذه المواجهة وتحيزت ضدي دون معرفة الحقيقة، غير أني أعترف أني كنت مقصرا لأنني كنت لا أعطي تصريحات للصحافة من أجل التوضيح والتصحيح. فالتنافر والتباعد كان هو السائد، ولكن لما بدأت أتقرب من الصحافة بدأت تعرف بعض الحقائق عني وبدأت تنشر بعض المقالات المنصفة. فالصحفي ينبغي أن يكون أمينا، وأنا علي أن أكون صادقا معهم لأنه ليس لدي ما أخفي وكما نقول في البادية: "اللي كندرسوا كندريوه في السطح". حاوره : حسن السرات