علمُ إدارة الأزمات علمٌ مستقلٌ ، وهو جزءٌ من العلوم الإداريّة الحديثة ، وقد تبلوَرَ وأصبحَ علماً مستقلاً بعد الأزمة التي تسبب بها الاتحاد السوفيتي في عام 1962 ، عندما نصب صواريخه المتوسطة المدى في كوبا ، ومنذ ذلك الوقت أطلقت أمريكا اسم "علم إدارة الأزمات" على التخطيط والإدارة المتعلقة بكيفية التعامل الصحيح عند الأزمات . ولعلماء الإدارة تعريفات متعددة ومتنوعة لهذا لعلم، فمنهم من عرّفه بأنه علم إدارةِ مالا يمكن إدارته ، والسيطرةِ على ما لا يمكن السيطرة عليه، وبعضُهم عرّفه بأنه القدرة على التنبّؤ بالأزمات المحتملة والتخطيط للتعامل معها والخروج منها بأقل خسائر ممكنة . ولعل أقرب التعريفات التي يمكن أن نستفيد منها في إدارة أزمة الرسوم هو الذي يعرف إدارة الأزمات بأنها كيفية التغلب على الأزمة بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة وتجنب سلبياتها والإفادة من ايجابياتها . وهذا التعريف مبني على أساس أنَّ كل أزمةٍ تحمِلُ في طَيَّاتِها مُقوِّمات نجاحها وأسباب فشلها ، وأنه ليس بالضرورة أن تتصف كل أزمة بالسوء، فلربما حملت الأزمة معها من الإيجابيات التي لا يمكن لنا أن نستثمرها إلا بحسن إدارتها . وبناء على التعريف المختار لعلم إدارة الأزمات يمكننا أن نقرّب المقصود بقولنا إدارة أزمة الرسوم وأننا نقصد بذلك كيفية التغلب على أزمة الرسوم وآثارها بالأدوات العلمية والإدارية الصحيحة مع معرفة كيفية التجنب لكل السلبيات الناتجة عن هذه الأزمة مع القدرة على الاستفادة من إيجابياتها . وتنبعُ أهمية الحديث عن إدارة أزمة الرسوم من كون التعامل مع هذه الأزمة – وفقَ الأُسُس المنهجيَّةِ العلميَّةِ – يُعينُنَا بعدَ فضلِ الله وعونه في التَّغَلُّبِ عليها بل قد يُمَكِّنُنَا من التحكُّمِ في مسارها مع تَجنُّبِ سلبياتها والتقليل من آثارها إضافةً إلى الاستفادة القصوى من إيجابياتها . وعليه فأهميَّة هذا الموضوع تنبعُ من كونِهِ يُمَثِّلُ صورةً من صُور الإحسان والإتقان الذي أُمرنا به في ديننا وحثّنا عليه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بقوله إنَّ الله كتب الإحسان في كل شيء، ونذكّر هنا ببعض النقاط التي تُعينُنَا على إدراك أهمية تناول هذا الموضوع بشكلٍ علمي ومنهجي: 1- إن استخدم المنهج العملي كأسلوب للتعامل والتفاعل مع الأزمات لا تنبع أهميتة من كونه يحقق نتائج إيجابية فقط – أي لا تنبع أهمية لأنه يجلب المصالح فقط – ولكن أهميته تتضح بضده، فالتعامل غير العلمي البعيد عن المنهجية الصحيحة في مواجهة الأزمات يتسبب على الدوام في مفاسد كثيرة وقد تكون كبيرة ومدمرة لجهود عظيمة . والخلاصةُ أنَّ أهميَّة إدارة أزمة الرسوم تتحقَّقُ فيها القواعد الأصولية المتعلِّقَة بالمصالحِ والمفاسدِ على وجه العموم، وقاعدة أنَّ درء المفاسد مُقَدَّمٌ على جلب المصالح على وجه الخصوص. 2- إنَّ طبيعة الأزمات كما يقولون: إنَّها نقطة انعطاف فكل أزمة تحمل في طياتها الفرص والمخاطر والذي يعيننا على أحسن استثمار للفرص ، وأسلم طريق لتجنب المخاطر هو هذا العلم فهو العلم الذي يبين لنا بوضوح كيف نخطط ونحسن الإدارة المطلوبة مع كل الأزمة . ولا أتصور أنَّ أحداً يُمكِنُهُ أن يُنِكرَ أنَّ أزمةَ الرسومِ على قدرِ ما فيها من مخاطر تعودُ على الوجود الإسلامي في الغرب بشكلٍ عام ، وعلى الدَّعوةِ والتعريف بالإسلام بشكلٍ خاص، إنَّها في ذات الوقت تحملُ معها من الفرص الشيءَ الكثير، ويكفي أنَّها جلبت أنظار الغربيين قبل المسلمين إلى ضرورة التعرّف على هذا النبي الكريم الذي ثار الملايين من أتباعه لأجله وصرخوا بأعلى أصواتهم إنَّهُ نبي الرحمة إلى العالمين . المقصود أنَّ معرفة هذه الفرص ومعرفة كيفيَّة الاستفادة منها في الدعوة والتعريف بالإسلام هو جوهر ما سَمَّيناهُ بإدارة أزمة الرسوم . 3- إنَّ علماء الاجتماع يقولون إنَّ الأزمة دائماً تتوسط المراحل الهامّة في حياة الشعوب ، فبيْن كل مرحلةٍ ومرحلةٍ جديدةٍ ثَمّةَ أزمة تُحَرِّكُ الأذهانَ والعقول وتُحَفِّزُ الإبداعَ والعطاء وتُمَهِّدُ السبيلَ إلى مرحلةٍ جديدة أكثر حيويةً وعطاء ، وعليه فإنَّ أزمة الرسوم ( وهي تُمَثِّلُ النموذج الصارخ لمصادمة عقائد المسلمين على الساحة الأوروبية والعالمية ) قد حركت العقول والأذهان ، وحفزت الإبداع ومهدت لمرحلة جديدة للدعوة والتعريف بالإسلام ليس فقط على الساحة الأوروبية بل على الساحة العالمية أجمع . وما مؤتمرات النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤسسات الكثيرة التي انبثقت عنها وما تضمنتها من أفكار جديدة ورؤى إبداعية ومشاريع مستقبلية إلا بداية هذه المرحلة الجديدة التي تولدت بعد أزمة الرسوم المتكررة . وهذه المرحلة تحتاج إلى تفكير عميق في كيفية إدارتها وإلا فأنها ستكون من الفرص الضائعة والنعم المبددة .