قبيل الانتخابات يدور صراع خافت وتجاذب قوي بين مختلف القوى التي تشكل المشهد الجزائري، مما يؤدي إلى استمرار الأزمة بكل تداعياتها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وإن يحاول كل فريق توجيه ضربة قاضية للخصم، خاصة المنازلة التي لا تريد أن تنتهي وتدور بين ما أصبح يعرف بأنصار خيار المصالحة الوطنية وأنصار خيار الاستئصال والكل أمني، وهو ما تجلى بوضوح خلال هذه الصائفة التي تميزت بتصعيد أمني وإخراج قضايا اتهمت فيها بعض الشخصيات الوطنية السامية، وعقد مؤتمر الحزب المحل بالخارج، وكذا القرار المفاجئ للأفافاس بدخول الانتخابات المحلية... طرفا المعادلة الرئيسيان، يتمثلان في معسكر رئيس الجمهورية والمعسكر المناوئ لسياسته في التعامل مع الأزمة، حيث أن الطرف الأول وحسب بعض القراءات يكون قد سجل عدة نقاط لصالحه بخصوص تقوية مواقعه لطلب عهدة رئاسية ثانية، عن طريق البحث عن قواعد دعم أخرى غير تلك التي أوصلته إلى قصر المرادية، والمقابل السياسي لحشد هذه المساندة يكون بتعميق المسار الديمقراطي وجعله خيارا لا رجعة فيه، وهذا ما بدا في بعض المستجدات السياسية الساخنة التي جرت مؤخرا، ويأتي على رأسها موقف الأفافاس بوضع كل ثقله في اللعبة السياسية والتخلي عن منطق حركة العروش الذي وصل إلى طريق مسدود. أما المعطى الثاني فيتمثل في تنظيم الفيس المحظور لمؤتمره خارج البلاد ، بمباركة -حسبما ذهبت إلى ذلك بعض التقارير- من الجناح المؤيد للمصالحة الوطنية في السلطة، وفي مقدمته رئيس الجمهورية الذي يكون لا يرى مانعا في مرحلة موالية أمام عودة الفيس تحت تسمية أخرى، وهذا على الرغم من الخلاف الداخلي الذي يهز أركان هذا الحزب بخصوص جدوى عقد هذا المؤتمر في الظرف الراهن. حتى وإن كان الجناح المعادي للإسلاميين مازالت قبضته قوية ويتحكم في كثير من دواليب الدولة الحساسة، ولا أدل على ذلك من المكاسب التي حققها على الصعيد الايديولوجي في عدة ملفات هامة، فإن امكانية انحساره احتمال جدي في ظل اللعبة السياسية الجزائرية المعقدة، حتى ولو اعتبر انه التقط أنفاسه وعادت اليه الروح بعد أحداث 11 سبتمبر، التي جعلت من الاسلاميين العدو رقم 1 للغرب الذي نسي انتقاداته لممارسات هذا الطرف في عز الأزمة الجزائرية، والتي لا تتفق مع فلسفة الغربيين في ممارسة السلطة والبقاء فيها، لذلك فإن هذا الجناح يريد استعادة زمام المبادرة والرجوع إلى الخيار الكل أمني، والتخلي تماما عن مسار الوئام المدني الذي اعتبروه انه يمهد الطريق لعودة الفيس عدوهم السياسي اللدود، وذلك بادراج تحركاتهم في إطار عالمي أوسع ضمن الحملة الدولية المضادة للإرهاب التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية. اما جناح المصالحة الوطنية، الذي ظهر لوقت من الأوقات أنه يتراوح في حركته إن لم يتراجع بعدم قدرة رئيس الجمهورية على المضي أبعد في مبادرته السلمية، فإنه خلافا لخصمه السياسي لا يوظف الورقة الخارجية، بل يعتمد على معطيات داخلية من شأنها تقوية موقعه وتحقيق تقدم إلى الأمام، في انتظار الامساك بزمام الأمور والتخلي عن التعايش مع التيار المعارض، وقبول أنصاف الحلول التي لم تؤد إلى ارساء استقرار نهائي للبلاد بل على العكس حدثت انتكاسات في عدة ميادين، وحتى ولو كانت صغيرة فإنها أعطت الانطباع بالعودة إلى نقطة بداية الأزمة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى خطير بتأجيج سياسة التطاحن والمواجهة بين أبناء الوطن الواحد. وفميا يتعلق بالفيس ،فإنه في مفترق الطرق الآن ويرهن حظوظ انبعاثه كاملة في هذا الصراع السياسي الذي تشتد حدته حاليا، وإن تمكن إسكات انقساماته الداخلية وتموقع جيدا إلى جانب القوى السياسية الوطنية الأخرى التي له معها نقاط التقاء، فإنه من دون شك سيسجل عودته كإحدى الأوزان السياسية الثقيلة الجزائرية، وستكون له كلمته فيما يستجد من تطورات لاحقة على الوضع الداخلي للبلاد. ن. ه