رفع في بلادنا شعار تخليق الحياة العامة وهو شعار دعت له الحاجة بكل تأكيد.و واقع الأخلاق في بلادنا لا يخفى على أحد ، وقد بلغ الأمردرجة خطيرة جعلت البعض يتحدث عن "انهيار القيم" ، ولله در القائل في مستهل حديثه عن الأخلاق وهو يشرح دواعي محاضرته تلك قائلا :"طلب مني أن أتحدث إليكم فتأملت نفسي ما الذي ينقصها فوجدته حسن الخلق ، وتأملت من حولي ما الذي ينقصهم فوجدته حسن الخلق ..."فللأخلاق بشكل عام شأن عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". وعليه فتخليق الحياة العامة سيبقى مطلبا ملحا ، وورشا مفتوحا تستفرغ فيه الجهود وتتراكم فيه المساهمات . ولست معنيا بالجواب عما بذل في هذا الموضوع، ولا بتحديد مفهوم التخليق المقصود .ولكن الذي أود التأكيد عليه هو أن التخليق عملية مستمرة ،ومن مداخلها الكبرى تخليق المؤسسات ومن أهمها مجلس النواب، والطريق إلى ذلك تمر عبر تخليق الحملة الانتخابية أولا وهو شرط نزاهتها وعنوان نظافتها،و هوكذلك دعم لما قيل عن شفافيتها و مصداقيتها. شروط تخليق الشأن الانتخابي ولما كانت الانتخابات شأنا عاما والناس فيه بين ناخب ومرشح فإن المساهمة في تخليقها تبقى مسؤولية الجميع .وفي ما يلي بعض الجوانب التي ترجح لدي أنها حاسمة في أي تخليق ننشده . ولم يكن القصد الاستقراء التام ولا أطيقه ، فاكتفيت بعرض ما تيسر جمعه: 1. الإخلاص :لا بد من تحقيق الإخلاص و تجديده وهو الشرط الأول الذي يتقدم على كل الشروط وبدرجة استحضاره يستقيم السير وبدرجة غيابه يختل السير، و مما اشتهر بين الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ..." وهو ينطبق على الحملة الانتخابية لأنها عمل من الأعمال، والأجر فيها بحسب نيات المنخرطين فيها . والمطلع على النيات لا تخفى عليه خافية " يعلم السر وأخفى" ، ولا بأس من التذكير أن الإخلاص لا يفرغ منه بحال، فادعاؤه يسير وتحقيقه عسير، وشتان بينهما !!،و هو الشرط الأساس في قبول الأعمال عند الله " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا". 2. الصدق : وهو من الأهمية المعلومة المشهورة أيضا، ومما جاء في فضله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" متفق عليه . ولقد فشا و انتشر بين الناس التساهل في الكذب بعلل متعددة واهية . والصدق من أهم العناصر بعد الإخلاص في أي إصلاح ولذلك ستجد له حضورا في العناصر التالية والله يقول :"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". 3. تجنب ازدواجية الخطاب :من الناس من له قدرة خاصة وخارقة على إقناع فئات عديدة مختلفة ومتباينة. ووسيلته المثلى إلى تحقبق هذه الغاية الخطابات المتعددة، فيقول لكل فئة من الناس ما يناسبهم وما يقبلون، ونحو هذا ما أشار إليه قوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون" وهكذا يلجأ كثير من الناس إلى من يظنهم من الصالحين فيخاطبهم بما يشعرهم أنه منهم ليصوتوا عليه ، ولكنه في ذات الوقت غير مستعد للتخلي عن أصوات الشياطين إن وجدوا بين المصوتين فيسعى في كسب ودهم بما يتناسب مع رغباتهم :" يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون". محاذير يجب تفاديها في الحملات الانتخابية 1. الإغراء بالوعود: تنتشر بين الناس قدرة خارقة على تحقيق كل الآمال وتنفيس كل الكروب: فهذا يعد بتوفير الشغل للعاطلين، وآخر يعد بتوفير الماء و الكهرباء، وثالث يعد ببناء المسجد أو المستشفى أو غيره من المرافق العمومية ، ورابع يعد بتجهيز الساحات الخضراء.ومن الناس من لا يتردد بأن يعد بكل ذلك وزيادة وهو يعلم أنه كاذب وأغلب من يستمعون إليه يعلمون أنه كاذب ، ومع ذلك يتكرر هذا في مناسبات عديدة:والمبرر الوحيد أنه الوسيلة إلى جمع الأصوات. 2. توزيع المال : وهذه من أشهر الآفات وتعرف بين المتتبعين بقولهم " المال الحرام " وهو كذلك،، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، و هكذا تتفاوت أسعار الصوت الواحد من منطقة إلى أخرى، وتتحكم في ذلك عناصر متعددة من بينها تعدد الموزعين مما يجعلها مناسبة للمزايدة ليفوز من يعطي أكثر. ولا نسأل كثيرا عن مصدر هذه الأموال التي توزع، ولا عن الباعث على توزيعها وبسخاء، إن الناس لا يسألون كثيرا لأنهم يعلمون، فيقولون هذه فرصتنا نحن اليوم ولا يعنينا ماذا سيجمع هو غدا ! 3. استباحة الأعراض : يظن كثير من الناس أن أحكام الغيبة والنميمة لا تنطبق عليهم في حملاتهم ضمن قاعدة الغاية تبرر الوسيلة أو المعاملة بالمثل. وهكذا تكثر الإشاعات ويكثر الإفتراء والإفك والبهتان . وإن كان كثير منا لا يغيب عنه قوله تعالى:" و لا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه "، إن لنا في تراثنا الحضاري علم عزيز عظيم ما أحوج الأمة إلى استثماره في مثل هذه المحطات:إنه علم الجرح والتعديل فالتجريح جائز بضوابطه، والتعديل جائز بضوابطه وكل ذلك وفق مقاصد الشريعة الإسلامية. 4. عدم العدل : ويبرز هذا عند الحديث عن الخصم والمخالف غالبا فلا تذكر إلا خطاياه ويحصل مع القريب أيضا بالمبالغة في المدح والتزكية: "وعين الرضا عن كل عيب كليلة " مع أن الواجب هو العدل مع القريب والبعيد مصداقا لقوله تعالى:"وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، وقوله تعالى :"لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى". تويجهات أخلاقية لا بد منها 1. تقدير المصلحة:وتجليات هذه الآفة كثيرة ومتشعبة ومنها المبالغة في دور الأشخاص مع أن المرحلة مرحلة البرامج والهيآت ،وقد تدعم هذا التوجه باعتماد اللائحة في التصويت ، ومع ذلك تجد أقواما يتعلقون بهذا الشخص لأنهم يعرفونه أو قدم لهم بعض الخدمات...الخ، ويفرون من آخر بعلة أنه وافد على المدينة أو لم تسبق لهم به صلة، و المطلوب هو الموازنة بين الشخص والبرنامج والهيئة، ولعل ذلك هو الأقرب لتحقيق المصلحة. 2. قبول المخالف : الأصل في هذه المنافسة أن تكون شريفة مادام كل طرف يزعم أنه يقصد خدمة الصالح العام ، وهذا مجال فيه للإجتهاد فسحة كبيرة تضبطها القاعدة الذهبية: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .ولكن الاختلاف في هذه الأمور غير القطعية -للأسف الشديد - يتحول إلى قطيعة رحم وإلى اعتداءات على الأموال والأعراض والأبدان قد تصل إلى إزهاق الأرواح، ويحصل هذا بين المصوتين ويستمر بينهم وإن كان المرشحون محل الخلاف قد تضطرهم النتائج إلى التنسيق والتعاون والتكتل لكنهم يورثون العداوة لأنصارهم.والمطلوب التربية على التعدد واحترام المخالف ضمن الثوابت المشتركة بين الجميع . 3. تقبل النتيجة السلبية: يبدل الناس ما يبدلون من جهود وتضحيات وهم يمنون أنفسهم وأنصارهم بالفوز المحقق، وقد يرتكبون تجاوزات كثيرة ، ولعل بعضهم يمني نفسه بتصحيح ذلك بعد الفوز ،لكن قد تأتي النتائج عل غير ما توقعوا و حينها يكون ما يكون!! مع أن المسلم حين ينخرط في أي عمل إنما يتعبد الله بذات المجهود و السعي في تحقيق ذلك العمل، ويكل النتيجة لله، ويقبلها كيفما كانت، وهو مأجور بحسب درجة صدقه في سعيه .وهذه ثمرة الإخلاص الذي بدأنا به ولا يستقيم شيء بدونه "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا". الدكتور مولاي عمر بن حماد