تطل علينا من صندوق العجائبالرابض في زنقة البريهي بالرباط في بعض الأحايين كائنات عجائبية، تارة بالصورة والصوت، وتارة بالصوت فقط، لا ندري من أي كوكب قدمت، ولا لأي قومية تنتمي، أما عن عقيدتها فلا نسأل حتى لا نتهم بالتكفير. هذه الكائنات لا ترى الاستشهاديين في فلسطين المغتصبة، وسواها من أرض الله ممن يفكون عنهم أغلال الاحتلال إلا انتحاريين، كما لا ترى المتمسكين بدينهم، ممن يفرون من ظلامية عصر الحداثة الذي استعبد الجسد والروح معا، إلا أصوليين متطرفين. أما رواد الانحلال وعري الجسد والروح، ودعاة الخراب والدمار والشقاء، فيستقبلون بالأحضان وتفرش دروبهم بالنرجس والياسمين. وسيرا على درب العفونة هذا، خدش أذني في إحدى النشرات، ظهيرة يوم من أيام غشت المنصرم، نعيق صحفي "هندي" لم أر وجهه ولله الحمد فقد جاء صوته مصاحبا للصورة. ولست أدري كيف استطاع هذا "الهندي" أن يفرض وجهة نظره في بلد مسلم، بينما المسلمون في "بلاده" يعانون يوميا الذبح والتقتيل وتدمير الممتلكات. فاجأني "الهندي" في جولة المختصرات وهو يتحدث عن قتل "الانفصاليين" المسلمين في كشمير لمواطنين هنود كانوا في طريقهم إلى معبد من معابدهم لأداء طقوسهم!! يا لها من جريمة، مواطنون أبرياء في طريقهم للعبادة، و"انفصاليون" مجرمون يقتلون بعضهم!! وبغض النظر عن مدى صحة الخبر، لاعتبار الهندوس تحريف الأخبار وتزويرها، نقول: لكل جهاز إعلامي في بلاد الدنيا منهج يسير عليه يقتضي أول ما يقتضي الوقوف الدائم إلى جانب هوية وعقيدة ومصالح شعبه، إلا أجهزة المسلمين، فهي تارة أصوات للغرب وتارة أصوات للشرق. ما الذي يعرفه "هندينا" عن كشمير، وعن معاناة أهل كشمير، هذا الإقليم المتنازع عليه بين باكستان والهند منذ أمد طويل؟ بل ماذا يعرف عن الصراع الباكستاني الهندي؟ ألا يسمع وهو الصحفي عن المذابح الهندوسية التي تقام للمسلمين في كل حين، والتي تتم برعاية الدولة أو تواطئها، باعتراف الهندوس نفسهم؟ ألا يعلم سيادته، أن هناك استفتاء مقررا منذ 1947 من قبل هيئة الأممالمتحدة لتقرير مصير كشمير؟ لماذا يعرقل الاستفتاء كل هذه العقود؟ ولماذا يبقى إقليم مسلم مقسما بين بلد مسلم وبلد هندوسي؟ ألا يعلم صحفينا "الهندي" ما يعاني المسلم هناك لو ذبح بقرة؟ وإذا كانت تسمية المجاهدين المسلمين في كشمير انفصاليين، أمرا فوقيا يلتزم به لأن قادة الجهاز يتماهون مع الوضع الهندي بسبب وقوع المغرب ضحية نزوع انفصاليين وهم يطالبون بعودة أرضهم إلى حضن الوطن، وتشيع ذلك في كل إعلام الدنيا، ثم ما رأيهم إذا نادى مغاربة تندوف وما جاورها بضرورة إعادة ارتباطهم بوطنهم المغرب، ثم سماهم العالم كله انفصاليين تأثرا بالدعاية الجزائرية؟ إن الصهيوني يحلل الأحداث ويقدمها من منظار صهيوني، والصليبي يحلل ويقدم الخبر من منظار صليبي، وهكذا ؛الفاشي" و"النازي" و"الهندوسي" وكي ذي ملة أو نزعة، إلا المسلم في هذا الزمان الكئيب، فقد صار له ألف وجه وألف لون. وإنه في أحسن الأحوال إذا تجرد من القصد المبيت يقدم الخبر من غير أن يفطن لطريقة صياغته، ولما ينصبه من فخاخ قاتلة، يتسلمه من مصادره العفنة ب "حسن نية" ويقدمه طريا طازجا دون أن يمسه بأدنى "سوء" فمتى تعود إلينا روح الإسلام، فنرى الجر المسلم النازف في كل صقع من أصقاع الدنيا جرحنا، والذل الذي يتجرعه الملايين من إخوتنا كل يوم ذلنا؟ محمد أطراف