إن الولد منذ أن يولد أمانة بيد أبويه أو من يربيه، فالإسلام يأمرهم أن يغرسوا في أبنائهم منذ أن يفتحوا اعينهم أصول الصحة النفسية التي تؤهلهم لأن يكونوا بعقل ناضج وتفكير سليم وتصرف متزن. وكذلك عليهم أن يعملوا على تحرير الأولاد من العوامل التي تنقص من كرامتهم، وتحطم كيانهم وشخصيتهم، والتي تجعلهم ينظرون إلى الحياة نظرة حقد وكراهية وتشاؤم. ومن أهم العوامل التي يجب على الاباء والمربين أن يحرروا أولادهم منها هي ظاهرة الخجل، مع العلم أن هناك ظواهر أخرى لا تقل خطورة، وسنقتصر في هذا العدد على ظاهرة الخجل. ومن المعلوم أن ظاهرة الخجل من طبيعة الأطفال، وتبدأ أولى علاماته في سن الأربعة أشهر، وبعد كمال السنة يصبح الخجل واضحا في الطفل، ومن علامات الخجل أن يدير وجهه أو يغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه، إذا تحدث إليه شخص غريب. وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة، فهو قد يجلس هادئا في حجر أمه أو إلى جانبها طوال الوقت لا ينبس بنبت شفة. وللوراثة دورها في شدة الخجل عند الأطفال، ولا ينكر ما للبيئة من أثر في تطوير الخجل أو تعديله، فالأطفال المندمجون المخالطون لغيرهم، ويجتمعون معهم يكونون أقل خجلا من الأطفال المنعزلين، ولا يخالطون ولا يجتمعون. العلاج عندما تبدو ظاهرة الخجل واضحة من خلال أمارات تبدأ مبكرة، تحتاج إلى معالجة لا تتم إلا عبر تعويد الأولاد على الاجتماع بالناس سواء ب: جلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم أو مصاحبتهم لآبائهم في زيارة الأصدقاء والأقارب أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا مام غيرهم. وهذا العلاج بهذا الأسلوب يضعف في نفوس الأطفال ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم، مع الحرص الشديد على التزام الوسطية في العلاج حتى لا يسقط الأطفال في ظاهرة اللامبالاة والتصور فيبدو التسيب في النهاية هو الحصيلة. وقد سجل التاريخ أمثلة، وساق لنا الإسلام أحاديث نبوية تعطينا جميعا القدوة الصالحة في تربية السلف الصالح أبنائهم على الجرأة ومعالجة ظاهرة الخجل. أ روى مسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ (أي مسنين). فقال للغلام: >أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ < فقال الغلام: >لا والله لا أوتر بنصيبي منك أحدا. ب ومر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة في طريق من طرق المدينة، وأطفال هناك يلعبون، وفيهم عبد الله بن الزبير وهو طفل يلعب فهرب الأطفال هيبة من عمر، ووقف ابن الزبير ساكنا لم يهرب. فلما وصل إليه عمر قال له: لم لم تهرب مع الصبيان؟ فقال على الفور: لست جانيا فأفر منك، وليس في الطريق ضيق فأوسع له. وهو جواب جريئ وسديد. ت ورأى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولدا له في يوم عيد وعليه ثوب خلق أي قديم فدمعت عيناه، فرآه ولده، فقال ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: يا بني، أخشى أن ينكسر قبلك إذا رآك الصبيان بهذا الثوب الخلق؟!! قال يا أمير المؤمنين، إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه أو عق أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله تعالى راضيا عني برضاك. هذه بعض الأمثلة تبين مدى التحرر من ظاهرة الخجل ومن بوادر الانطوائية، وتغرس في النفوس أنبل معاني الفهم والوعي وهي نتيجة جهود تربوية ناضجة على منه سليم وكمال في التكوين ونضج في الفكر. وإذا أخذنا بقواعد التربية الفاضلة ينشأ الأولاد على الصراحة التامة والجرأة الكاملة ضمن حدود الأب والاحترام ومراعاة شعور الآخرين، وإلا فإن الجرأة ستنقلب إلى وقاحة، والصراحة إلى قلة أدب مع الآخرين. الفرق بين الخجل والحياء: يبقى أن نميز بين الخجل والحياء والفرق الواضح بينهما، فالخجل كما مر هو انكماش الولد وتجافيه عن ملاقاة الآخرين أما الحياء فهو التزام الولد آداب الإسلام. فتربية الولد على الاستحياء من اقتراف المنكر وارتكاب المعصية حياء.. وتربيته على توقير الكبير وغض البصر عن المحرمات وكف الآذان أن تسرق سرا أو تكتشف خبئا حياء. وتربيته على تنزيه اللسان الخوض في باطل وفطم البطن عن تناول المحرمات، وصرف الوقت في طاعة الله وابتغاء مرضاة الله حياء. وهذا المعنى أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "استحيوا من الله حق الحياء، قلنا: إنا نستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله قال: ليس ذلك.. الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك استحياء من الله حق الحياء". رواه الترمذي محمد ادمبارك