لم تنحصر لعنة ما سمي بالخلية النائمة للقاعدة داخل أسوار سجن عكاشة، ولم تقتصر تبعاتها ومعاناتها على المعتقلين في القضية، بل امتدت إلى عائلاتهم وشملت حتى براءة أطفالهم. التجديد زارت عائلات المعتقلين المعتصمة أمام سجن عكاشة بالدارالبيضاء منذ أزيد من أسبوعين، وعاينت الظروف التي تعيشها المعتصمات وأسرهن، وأعدت لقرائها الموضوع التالي: منذ ما يزيد عن أسبوعبن، وأقارب و أصهار المعتقلين في إطار ما أصبح يعرف بقضية "الخلية النائمة للقاعدة بالمغرب"، يعتصمون أمام سجن عكاشة بالدارالبيضاء. فقد خاضت كل من فاطمة هيدور وأختها فتيحة هيدور ورشيدة هارون، وهن أخوات كل من بهيجة و حورية هيدور ونعيمة هارون، المعتقلات مع السعوديين الثلاثة، الثبيتي والعسيري والغامدي، والمتهمين بمحاولة القتل وتخريب منشآت وأماكن بالمغرب واستهداف قوات أجنبية وغيرها من التهم المنسوبة إليهم. وقد أسالت هذه القضية مدادا كثيرا، بسبب الظروف الغامضة لاعتقال المتهمين، وكذلك بارتباط هذه القضية بظروف دولية معينة، وهي تورط الولاياتالمتحدةالأمريكية في محاربة "الإرهاب" عبر العالم، و مشاركة دول عديدة لها من ضمنها المغرب في حربها تلك. كما أنه وموازاة مع الإعلان عن "تفكيك المؤامرة الإرهابية"، وهي اكتشاف خلية نائمة للقاعدة بالمغرب، ظهرت جوانب إنسانية واجتماعية للقضية، تمثلت في المعاناة التي يتعرض لها المعتقلون بسجن عكاشة، من نقص في التطبيب والحبس في زنازن منفردة، وتفتيش مبالغ فيه من قبل حراس السجن، والمنع من الفسحات القانونية. و على ------------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------------ إثر هذه المعاناة، دخل أقارب وأصهار المعتقلين في اعتصام مفتوح أمام سجن عكاشة، للفت أنظار الرأي العام لمأساة المعتقلين داخل السجن، وحث المسؤولين على تحسين وضعيتهم ومعاملتهم معاملة تليق بكونهم مازالوا على ذمة التحقيق، ولم تثبت بعد إدانتهم من طرف القضاء. و أمام تدهور حالة المعتقلين، قررت كل من فاطمة وفتيحة هيدور ورشيدة هارون، الدخول في اعتصام مفتوح، إلى غاية تحقيق مطالبهن وهي تمكين كافة المعتقلين، ومن بينهم أخواتهن المعتقلات، من كافة الحقوق التي يخولها لهم القانون ومعاملتهم معاملة تراعي آدميتهم. وللوقوف أكثر على معاناة المعتصمات أمام سجن عكاشة، زارت التجديد المعتصم، وعاينت عن كثب، الوضعية الصعبة التي يعشنها مدة 51 يوما، كما أخذت تصريحاتهن بعد هذه المدة التي قضينها في العراء، حيث يقضين نهارهن وليلهن، في خيمة لا تتعدى مساحتها ثلاثة أمتار مربعة، بنيت من أفرشة لا تقي حرا ولا تدفع ضرا، هذه الخيمة الصغيرة، جعلت قوات الأمن تستنفر قواتها في الليل والنهار لمراقبة المعتصمات الثلاث ومعهن طفل لم يتجاوز عمره عشر سنوات بعد. تقول فاطمة هيدور، أخت المعتقلتين بهيجة وحورية، لها أربعة أطفال: "هناك حراسة مشددة تقوم بها دوريات الأمن لرصد جميع تحركاتنا وسكناتنا، كما أننا تعرضنا في اليوم الأول من اعتصامنا لاعتداءات من طرف رجال الأمن لفك هذا الاعتصام". وقد لاحظنا بالفعل عيون أمنية تراقب كل من اتصل بالمعتصمات، كما لاحظنا سيارة لقوات التدخل السريع (السيمي) مرابطة قرب المكان. وعن معاناتهن تقول رشيدة هارون، أخت المعتقلة نعيمة هارون، لها طفلان صغيران فارقتهما مدة أسبوعين: "بالإضافة إلى معاناتي بالمعتصم، فعندي طفلان يحتاجان إلى رعاية، كما أن أختي نعيمة لها أيضا طفلان، ورغم أعباء الحياة الكثيرة ومسؤولياتنا المنزلية سنواصل هذا الاعتصام حتى تحقق مطالبنا.." ------------------------------------------------------------------------ أما فتيحة هيدور، معاقة وأرملة، ولها ثلاثة أطفال، أحدهم رضيع لم يتجاوز السنة ------------------------------------------------------------------------ ، تقول إنها رأت أطفالها مرتين فقط خلال مدة الاعتصام، وتضيف مستغربة: "كلما تحدث إلينا رجال الأمن إلا ووعدونا بأنهم سيرفعون معاناتنا ومطالبنا إلى الجهات العليا، ولكن لحد الساعة لم تتم تسوية وضعيتنا، ولا تم تحقيق مطالبنا في رفع المعاناة عن معتقلينا داخل السجن". هذه الآلام لم يسلم منها أيضا أقارب المعتصمين والمعتقلين، فأم المعتقلتين بهيجة وحورية هيدور و أيضا المعتصمتين فاطمة و فتيحة، تضاعفت معاناتها مرتين، فعليها أن تزور ابنتيها بالسجن وأن تتحمل أعباء إعداد "القفة" لهما، كما أنها أيضا ملزمة بزيارة ابنتيها المعتصمتين أمام السجن واقتسام العذاب معهن جميعا، بالإضافة إلى أنها تتحمل مشقة السفر من الرباط إلى مدينة الدارالبيضاء. وبخصوص زوج المعتصمة فاطمة هيدور، السيد عبد المجيد الكارح (اعتقل مع السعوديين و أفرج عنه فيما بعد)، يقول: "اعتصام زوجتي قارب 51 يوما، لكن معاناتنا استمرت ثلاثة أشهر، فاعتصام زوجتي أجبرني أنا الآخر على اعتصام من نوع آخر، فأنا أقوم برعاية أولادي الأربعة، إلى جانب القيام بواجبي المهني، وهذا بطبيعة الحال أحدث تمزقا أسريا نعاني منه الآن". وقد وجد المعتصمات عزاءهن في المساندة الكبيرة التي يقدمها لهن السكان القريبون من سجن عكاشة، تقول المعتصمة فاطمة: "هناك مساندة شعبية واضحة وملموسة لنا، فسكان هذه المنطقة، رغم أنهم من فئات متوسطة وفقيرة، إلا أنهم يمدوننا بالفطور والعشاء والغذاء، وذلك كل يوم، بالإضافة إلى العائلات التي تزور أقاربها بسجن عكاشة، فإنها تعرب لنا عن تضامنها القوي معنا، فالجميع يساندنا.." واستغربت المعتصمات من تجاهل المسؤولين لاعتصامهن، بالإضافة إلى الغياب الواضح لمنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والجمعيات الثقافية عن مساندتهن ودعمهن لاجتياز محنتهن هاته، باستثناء زيارة واحدة ووحيدة لنائب برلماني هو مصطفى الرميد، كما أنهن يشكرن كل الصحافيين الذين ساندوهن بما فيهم الصحافيون الأجانب. بعد ما تمت زيارة هذا المعتصم، قمنا بنقل معاناة النساء المعتصمات ومطالبهن إلى المسؤولين للإجابة عنها، وللتذكير فقد راسلن جميع الجهات الرسمية المعنية لإطلاعها على وضع السجناء بسجن عكاشة، لكنه لم تتم الاستجابة لنداءاتهن ولا نداءات هيئة الدفاع المكلفة بمؤازة المعتقلين لما يسمى بالخلية النائمة للقاعدة بالمغرب. وكان الاستثناء الوحيد هو جواب إدارة السجون وإعادة الإدماج التي أكدت بأن"المعتقلين يتمتعون بالحقوق المخولة لهم شأنهم في ذلك شأن باقي السجناء". وأمام هذا الصمت، قبل مسؤول إداري بالمغرب الإجابة عن تساؤلاتنا بخصوص ملف المعتقلين بسجن عكاشة، فأكد بأنهم تطبق عليهم القوانين المغربية، ويجري عليهم ما يجري على باقي السجناء، حيث يتمتعون بنفس الامتيازات، وقال بخصوص الزنازن المنفردة التي تم وضع المعتقلين فيها، قال إن ذلك يعتبر امتيازا وليس تأديبا، وأن القانون المغربي يسمح بوضع مثل تلك الحالات في زنازن منفردة، وأن هناك سجناء بمختلف السجون بالمغرب يضربون عن الطعام من أجل أن تفرد لهم زنازن خاصة. وأجاب بخصوص مسائل التطبيب والأكل، والتفتيش بأن تلك الإجراءات لا تخالف القانون. يبدو أن هناك تناقضا صارخا بين ما يصرح به المعتقلون وذويهم وتصريحات هذا المسؤول، الأمر الذي يدعو إلى التعجيل بتكوين لجنة إقليمية لتتفقد أحوال السجناء بسجن عكاشة. هذا المطلب الملح تقدمت به أخوات المعتقلات وأصهار المعتقلين، وذلك وفق مقتضيات الفصل 166 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تتحدث عن تشكيل لجنة إقليمية تتألف من عامل صاحب الجلالة على العمالة والوكيل العام للملك بالدائرة، والطبيب الرئيس الإقليمي أو من ينوب عنهم وبإشراف وزير العدل، بغرض الوقوف على الخروقات والشطط الذي يمكن أن يلحق المعتقلين، بل أكثر من هذا يطالب عبد المجيد الكارح، زوج إحدى المعتصمات وأحد أصهار المعتقلين السعوديين، بضرورة الإسراع بإخراج المحكمة العليا لمحاكمة بعض الوزراء المغاربة، وقال إنه لو حدثت مثل هذه الخروقات في بلد ديمقراطي لأدت إلى استقالة فورية للمسؤولين، هؤلاء الذين يقول عنهم، إنهم أعربوا عن تخاذل كبير في معالجة ملف المعتقلين بسجن عكاشة. ويضيف بأن هذا الملف وضع الخطاب الرسمي في محك حقيقي وامتحان عسير أمام المواثيق الدولية التي تكفلت بحماية السجين ومعاملته معاملة حسنة وفق القوانين الجاري بها العمل. وتمنى السيد عبد المجيد، أمام هذا الوضع المتدهور للمعتقلين وللمعتصمات في نفس الوقت، لو كان في إجازة عن العمل، لاعتصم مع زوجته ولو أدى ذلك إلى التخلي عن وظيفته. وما أثار انتباهنا بالقرب من المعتصم القائم أمام سجن عكاشة، هي كلبة ومعها صغارها، تقوم بحراسة المعتصمات ولا تسمح خصوصابالليل لأي غريب كيفما كان نوعه من الاقتراب منهن، وتقول المعتصمات إن الله سخر لهن من يساندهن ويحرسهن سواء من طرف الإنسان أوالحيوان، أما أرباب المسؤولية ببلدنا فلم تتحرك لديهم مشاعر الإنسانية بعد. عمر العمري