بمناسبة الدعوة للحضور والمشاركة في المؤتمر الدولي الرابع للغة العربية في دبي بالإمارات العربية المتحدة، وبالتأكيد سبق هذا المؤتمر عدة لقاءات ومنتديات ومؤتمرات..، لكن لسان حال اللغة العربية يقول: "عدت يا مؤتمر بأي حال عدت يا مؤتمر؟". هل المشكل في إيجاد فضاءات للتداول في المشكل؟ الجواب لا. فالدول "البترولية" تتوفر على قصور وليس مجرد قاعات، وهي ماديا قادرة على تنظيم هذه المحافل وحجز طائرات فخمة للمدعوين، وكذا توفير تغطية إعلامية مواكبة للحدث بكل احترافية، لكن المشكل أن هذه الدول تتكلم الإنجليزية في"صفقاتها" التجارية مع العالم، وهذا هو الأهم لأن "الدولار" وتعاملاته ترفع اللغة في بورصة التداول أو تحطها، ولكي تجد وظيفة في هذه الدول العربية الغنية يُطلب منك التوفر على شهادة تثبت إتقانك للإنجليزية، أما في دول المغرب العربي فيطلب منك شهادة إتقان اللغة الفرنسية، وذلك لأن المستعمر زرع لغته ورعاها منذ زمن، والآن يحصد النتائج على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والسؤال المطروح أساسا هل اللغة العربية تحتاج إلى كل هذه القمم"الشامخة"، أم أن الأمر يتطلب إرادة سياسية تصدر من دول ذات سيادة حقيقية؟ بداية لست ضد تعلم كل لغات العالم الحية، بل حتى "الميتة" قصد التعرف على حضارات بائدة لأمم سبقتنا تاريخيا، فالله سبحانه وتعالى جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون في كل المجالات، وكيف يتم ذلك إن لم يكن عن طريق اللغة؟ فاختلاف الألسن آية من آيات الخالق، المشكل إذن ليس معاداة لغة أو موالاة أخرى. إن الإشكال يثور عندما تحاول بعض اللغات "المحظوظة" السيطرة والهيمنة على باقي اللغات، والإستعمار الغربي له تقاليد في فرض لغته على الشعوب التي تقع تحت سيطرته، فالإحتلال الفرنسي والإنجليزي خلق مناطق نفوذ خاصة به، ففرنسا لها مجموعة الدول "الفرنكوفونية" وإنجلترا لها مجموعة دول"الكومنويلت"، و الإستعمار الإسباني والبرتغالي فرض لغته قهرا على الدول المستعمرة، ودول أمريكا اللاتينية نموذج فهي لم تكن تعرف شيأ اسمه "الإسبانية" قبل الغزو. أما المسلمون فقد دخلوا إسبانيا وعمروا فيها لقرون طويلة ولم يفرضوا لغتهم العربية على الإسبان، فتخيلوا لو أن إسبانيا احتلت المغرب لقرون عدة، فهل سيبقى مغربي واحد يتكلم لغة الضاد أو غيرها؟ فلن يكون بعد ذلك إلا لغة "خيسوس" و"لوبيز" ولن نحتاج بعد ذلك لترجمان بيننا!! لقد ناقش مجلس النواب المغربي مشكل التعريب سواء في ميدان التعليم بكل أسلاكه أو الإدارة ولم يفلح، فالإدارة بقيت "مفرنسة" في جل مراسلاتها الإدارية، وقد وقفت عند زيارتي لوكالة حضرية بمدينة كبيرة على طريفة، حيث وجدت كل الخرائط وأسماء الشوارع والأحياء مكتوبة بغير العربية، فاستغربت وقلت لإحدى الموظفات أين تعريب الإدارة إذن؟ الكل مكتوب بلغة "موليير"، فردت بابتسامة وقالت لي: "جاءتنا مذكرة وزارية تطلب منا التعريب لكنها كانت باللغة الفرنسية..!". أما عن تعريب التعليم فتلك"حريرة" أخرى فقد توقف في السلك الثاني من التعليم الثانوي. لقد استوقفني بالرباط العاصمة مشهد مضحك مبكي في نفس الوقت، إنه مجلس النواب الذي من المفترض أنه سيحسم في ملف التعريب الشائك، بما أنه مطلب للحركة الوطنية استكمالا لاستقلال البلاد عن فرنسا، إنه أمر صادم أن ترى لوحة كبيرة في مدخله الرئيسي الذي يستقبل الوفود الدولية مكتوب عليها وبالخط المغربي الأصيل "البرلمان" وهي نفس اللغة التي تكتب بها قوانين السياقة من أجل نيل "البيرمي" أو رخصة السياقة ك" الفوروج. الطوناج. لوطوروت.." وهي كذلك لغة عربية "فصيحة"، وهكذا يصدق في مجلس النواب المثل المغربي "لفقيه اللي نتسناو بركتو دخل للجامع ببلغت"، فكان أولى بهذا المجلس الموقر الذي يصدر قوانين تنفذ على هذا الشعب المسكين، أن يحترم شعوره ويكتب مثلا مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو مجلس النواب بدل "البرلمان". فهل اللغة العربية عجزت عن إيجاد مرادف للكلمة المفرنسة"برلمان"؟ إنه الضحك على الذقون فهل بعد هذا التنبيه سيتحرك المعنيون بالأمر ويغيروا هذه "اللطخة" أم أن الأمر لن يتجاوز صرخة في واد أتمنى أن تكون حياة لمن أنادي.