بعد الحسم الملكي قبل سنة تقريبا في قضية إجراء الانتخابات خلال أوانها المحدد، بعدما راجت وقتها عدة أخبار تشير إلى احتمال سعي حكومة الرفاق نحو تأجيلها إلى شتنبر المقبل، جاء الحسم الأخير في تاريخ إجراء هذه الانتخابات في السابع والعشرين من شتنبر المقبل لوضع حد كذلك للإشاعات التي ذهبت إلى أنه من المحتمل إجراؤها خلال شهر أكتوبر بدلا من شتنبر. فقد قرر جلالة الملك وكما هو معلوم خلال ترأسه لمجلس وزاري الثلاثاء الأخير بمدينة تطوان إجراء الانتخابات المقبلة يوم الجمعة 72 شتنبر من هذا العام. وقد عبرت عدة فعاليات سياسية من المعارضة بشكل خاص عن سعادتها بتحديد وقت إجراء انتخابات 2002، مؤكدة أن ذلك يعد انتصارا كبيرا للديمقراطية وللاختيار الديمقراطي الذي ما فتئ المغرب ينتهج خطوات ثابتة نحو ترسيخه في المجتمع المغربي. وأضافت بعض هذه الفعاليات أن المبادرة الآن هي بيد الأحزاب التي عليها أن تبرهن على نضجها السياسي. بحيث أنها ملزمة بالمساعدة في إجراء انتخابات شفافة ونزيهة تعكس بصدق القفزة الديمقراطية التي حققها المغرب في مجال الديمقراطية بصفة عامة، وفيما يرتبط بنزاهة الانتخابات بشكل خاص. وذكرت بعض التحاليل أن ممارسات بعض الأحزاب مازالت متخلفة عن الركب. فشن حملات انتخابوية ضيقة قبل أوانها ما زالت قائمة، بالإضافة إلى استغلال بعض المسؤولين نفوذهم للترويج لأحزابهم وبرامجها عبر مؤسسات حكومية، مازالت هي السمة الرئيسية للفعل السياسي للعديد من الأحزاب المغربية. ومما لاشك فيه هو أن اللافت للنظر في إطار هذه الممارسات المشينة والتي تؤثر سلبا على المسار الديمقراطي المغربي هو استطلاعات الرأي التي أصبحت "موضة" إعلامية، ما فتئت بعض التكتلات تعلن عنها كنموذج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة CSA - TMO لفائدة جريدة الأحداث المغربية. هذا الاستطلاع الفضيحة، أبرز بشكل لا يدع مجالا للشك المدى الذي وصل إليه الأمر التلاعب بآراء المواطنين، وتسخيرها لخدمة أهداف سياسوية انتخابوية ضيقة. ففي الوقت الذي أوضح فيه هذا الاستطلاع على سبيل المقارنة أن 28% من المغاربة ينوون المشاركة في الانتخابات المقبلة، أوضح إحصاء آخر أجرته نفس المؤسسة لفائدة "جمعية 0202" خلال الأشهر الماضية أن 88% من المغاربة لا يأبهون بالسياسة وبالمشاركة السياسية وأكدت نسبة كبيرة منهم عدم ثقتها في الأحزاب الموجودة على الساحة. وفي الوقت الذي أكد فيه الاستطلاع الذي أنجز لفائدة "الأحداث المغربية" أن أغلبية الذين ينوون المشاركة في الانتخابات، سيصوتون لصالح الأحزاب التي تشكل حاليا التناوب الحكومي على حساب المعارضة، أوضح الاستطلاع الذي أجري لفائدة جمعية 0202 أن عموم المغاربة يؤكدون أن حصيلة حكومة اليوسفي حصيلة سلبية على شتى الأصعدة وهذا يعني أن الأحزاب التي تشكل الحكومة مهددة ضمنا بالسقوط يؤكد هذا الطرح، ما أبرزه نفس استطلاع جمعية 0202 الذي أوضح أن 2،8% فقط من المغاربة ينوون التصويت على نفس الحزب الذي صوتوا عليه خلال انتخابات 7991! من جهة أخرى، يوضح الاستطلاع الفضيحة الذي أجري لفائدة الأحداث المغربية أن استراتيجية حكومة الرفاق والناطقين بلسانها قد "تغيرت" تجاه المعارضة وخاصة ما يتعلق بحزب العدالة والتنمية. فبعد أن روج هذا المعسكر وحلفاءه في الداخل والخارج لخطر الاكتساح الإسلامي في الانتخابات المقبلة، هاهو نفس المعسكر يبشر ويهلل >للاندحار الإسلامي< وللانتصار الساحق للتيار الاشتراكي خلال نفس الانتخابات. وقد أوضح هذ المعسكر بأن الاستطلاع الأخير يؤكد أن >الاشتراكيين يعودون من بعيدوبحسب رأي بعض المتتبعين، فمثل استطلاعات الرأي هذه لا يمكن الوثوق بها وبنتائجها، خاصة وأنها مازالت تخطو خطواتها الأولى في المغرب. ومن هذا المنطلق فهي لا ترتكز على الأسس العلمية المضبوطة، الشيء الذي يجعلها أداة سهلة في يد كل من يريد تزوير الإرادة الشعبية بطرق مدروسة. ولا أدل على ذلك من كون نفس المؤسسة التي تجري الاستطلاع، تخرج بنتيجتين متناقضتين حول نفس الموضوع تقريبا أجرته لمؤسستين مختلفتين! تجدر الإشارة في الأخير إلى أن بعض المصادر أكدت أن الأمر الإيجابي الوحيد في مثل هذه الاستطلاعات، هو كونها تكشف القناع عن الوجه الحقيقي للمؤسسات التي تتبنى عملية تحول الحقائق عن مجراها الطبيعي لتحقيق مصالح خاصة. فالترويج في هذا المثال لفكرة الاكتساح "الاشتراكي" بعد التحذير ولمدة طويلة من خطر الاكتساح الإسلامي يوضح مدى التخبط "الفكري" والتنظيمي لأصحاب هذا الاتجاه وخوفهم من السقوط الذريع في انتخابات 2002. وكون مثل هذا التوجه يصدر عن أنصار الحزب الذي يقود حكومة التناوب، فهو يؤكد هذا التخبط، خاصة وأن هذا الحزب يعرف انحسارا قويا في المجتمع المغربي سواء بسبب فشله في تدبير الشأن الحكومي (خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفقر والرشوة والزبونية، وتحقيق شعار تخليق الحياة العامة وإيجاد فرص للشغل) أو بسبب الانشقاق الكبير الذي عرفه بعد مؤتمره السادس. أحمد حموش