يظهر أن حظ الوزير الأول كان سيئا، فنقاش التصريح الحكومي الذي انطلق يوم أمس وأريد له خلق تدشين حملة دعائية لانجازات الحكومة، قد غطى عليه حدث آخر، في نظر عدد من وسائل الإعلام، وهو حدث التحقيقات الجنائية حول ما يسمى بجماعة "التكفير والهجرة" بالدار البيضاء، واتهامها بالتورط في جرائم قتل، ثم بدرجة أقل أطوار المتابعة القضائية لما تسميه بعض الصحف قسرا "حركة السلفية الجهادية بفاس" والأحكام الصادرة في حق عدد المرتبطين بها. هذه الافتتاحية، تبدأ بالحدث الثاني، لنقف على حجم المفارقة الكبيرة، في تغطيات إعلامية لا تكتفي فقط بتضخيم وقائع القضية أو تصيد تصريحات، بل انطلق بعضها، لغاية في نفس يعقوب، إلى جعل الأمر بمثابة مؤامرة على أمن المغرب، وبث حالة من الرعب في صفوف المجتمع، وتمرير تساؤلات من قبيل التساؤل عما إذا كانت حركة طالبان قد اجتاحت مدينة فاس، المفارقة التي بررت هي عند النطق بالأحكام >المخففة< والتي تراوحت بين أربعة وستة أشهر، ذلك أن هذه "الأحكام" المخففة في نظر أصحاب هذه التغطيات الإعلامية، لا تنسجم مع حجم التهويل الإعلامي والتضخيم الصحفي، الذي ظن معه الناس أن الأحكام لن تبرح المؤبد والإعدام. وإن كنا نعتقد أن هذه الأحكام، مادامت سالبة للحرية، هي ثقيلة وليست مخففة، فإننا نحمد الله على أن القضاء والحكم ليس بأيديهم، وإلا لعشنا أجواء الإبادة الستالينية التي أرسلت حوالي 03 مليون مسلم إلى القبور. أما الحدث الأول، فهو غير بعيد عن الحدث الأول، ذلك أن ملف ما يدعى أحيانا بجماعة "التكفير والهجرة" مازال في أطوار التحقيق ولم يقل القضاء كلمته بعد، وكل ما في الأمر هو تضخيم لتصريحات لم تتأكد صحة نسبتها للمتهمين، من أجل تحقيق نفس الغرض، وهو بث حالة من الرعب إزاء كل ما هو "إسلامي" بما يخدم استراتيجية انتخابوية مقيتة لا تتورع عن المتاجرة بالأمن الاجتماعي للبلاد لصالح "مكاسب" انتخابوية صرفة، أو بغية تصفية حسابات ذاتية وضيعة والحاصل أن وقائع الإجرام بشتى أنواعه، تتناسل يوميا في مختلف مدن المغرب، الذي بدأ يعرف عصر الجريمة المنظمة، وميزانية الأمن الوطني هي من أضخم الميزانيات في هذا الوطن، تقديرا لأهمية الجهود المبذولة لصيانة الأمن الاجتماعي ومكافحة كافة أشكال الجريمة بهذا الوطن. أخيرا، لا نعتقد أنه من النزاهة والموضوعية العبث بكلمات ومفردات ذات دلالات معينة، من قبيل "العدالة" و"التنمية" في معرض تغطية هذه الأحداث بل إن ذلك يكشف عن رغبة دفينة نتمنى إيجاد أي خيط رابط بين هذه التطورات و"حزب العدالة والتنمية"، رغم أن المتوهمين أول من يعلم استحالة حصول هذا الربط.