ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محامي المتهمين في ما يسمى قضية "السلفية الجهادية" للتجديد: لا أعرف تنظيما بالمغرب اسمه السلفية الجهادية، وجهات توظف جرائم عادية لحسابات انتخابية
نشر في التجديد يوم 10 - 08 - 2002

لماذا ظهرت بالمغرب هذه الأيام، فجأة خطورة "التنظيمات السلفية" أو "تنظيم الهجرة والتكفير"؟ لماذا تحول المغرب، البلد الذي نقول إنه بلد الأمن والاستقرار، في شهور قلائل، إلى معاقل للخلايا النائمة للقاعدة، وأصبح تحت رحمة "أمراء الدم"، كما يحلو لبعض الجرائد أن تسميهم؟ ولماذا انخرطت بعض وسائل الإعلام في حملة دعائية وتضخمية لأحداث وجرائم عادية ارتكبها أشخاص عاديون، فجعلت منها أحداثا خطيرة تهدد الأمن الداخلي للبلاد؟
و لماذا تريد جهات أمنية إلصاق صفة "السلفية الجهادية" بهؤلاء المتهمين؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على المحامي توفيق مساعف، الذي كلف بالدفاع عن المتهمين، نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، اللذين قيل إنهما من تنظيم جهادي يتزعمه المسمى "يوسف فكري"، وجاءت أجوبة المحامي لتكشف الستار عن حقيقة هذا "الزعيم" الذي هو في حقيقة أمره، شخص عادي، غير متدين، لا بسلفي ولا بأمير، ارتكب مجموعة من الجرائم تدخل في إطار الجرائم الماسة بالحق العام.
فهل ما يحدث هذه الأيام من أحداث متسارعة لها علاقة ما بالانتخابات التشريعية المقبلة، وأيضا لها ارتباطات بما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من محاربة "للإرهاب" حسب زعمها، ومطاردة للتنظيمات السلفية العالمية؟
تم توكيلكم للدفاع عن متهمين بالانتماء لما أصبح يعرف الآن باسم "السلفية الجهادية" وهما: نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، ضمن تسعة آخرين قدموا يوم 13 يوليوز الماضي أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. فما علاقة موكليكم بهذه القضية؟
عندما تم اختطاف المتهمين نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي من منزليهما يوم 17 يوليوز 2002، انتدبتني عائلاتهما من أجل معرفة مآل هذا الاختطاف، ومكان تواجدهما، وما إذا كانا قد تعرضا لأي انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان. وحينها قمت بمراسلة كافة الجهات الإدارية المعينة، منها وزارة العدل ووزارة حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، ثم تقدمت بشكاية من أجل الاختطاف إلى الوكيل العام للملك، وإلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا، فأصدر بذلك الوكيل العام للملك قرارا إلى الشرطة القضائية من أجل إجراء بحث في الموضوع مع إخباره بنتيجة هذا البحث داخل مدة أسبوع، إلا أني تفاجأت بأنه تم تقديمهما يوم 13 يوليوز2002 أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
أستطيع أن أؤكد لك بأن موكلي لا علاقة لهما بأي تنظيم يحمل اسم "السلفية الجهادية"، كما أني لا أعرف أي تنظيم بالمغرب يحمل هذا الإسم، كما أنه ليست هناك أي منظمة تحمل اسم الهجرة والتكفير، كل ما في الأمر، أن هذه القضية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام، حقيقتها أن مجموعة من الأشخاص، وهم حوالي أربعة، ارتكبوا جرائم عادية يعاقب عليها القانون الجنائي، فهم بالتالي مجرمو الحق العام، قاموا بدافع الفقر والعوز بارتكاب مجموعة من الجرائم من أجل السطو على الأموال.
فلماذا إذن تم اختطاف الغرباوي والشاذلي، وماهي التهم المنسوبة إليهما؟
كما أكدت لكم، فالغرباوي والشاذلي لا علاقة لهما بهؤلاء الأشخاص المتهمين بالقتل وبجرائم أخرى، ولا علاقة لهما أيضا بالمدعو "يوسف فكري"، إنما، ونظرا لأنهما كانا يقطنان بحي واد الذهب بسلا، التي كان يقطن بها في وقت من الأوقات المسمى "فكري"، فقد التقيا به مرتين لقاء عاديا بالمسجد، فموكلي الشاذلي قام في اللقاء الأول بإقراض المدعو "فكري"، مبلغا قدره 1500درهم، أما في اللقاء الثاني فقد زار فكري موكلي وطلب منه أن يحتفظ بوديعة عنده عبارة عن حقيبة (صاك) من البلاستيك يحتوي على بذلة للدرك الملكي وأصفاد، مدعيا بأنها مملوكة لأحد أقاربه يوجد في حالة سفر، فاحتفظ الشاذلي بهذه البذلة على أساس أنها وديعة عادية، وخصوصا أنها من أحد الجيران، إلى أن تفاجأ بحضور رجال أمن قاموا بتفتيش المنزل وحجزوا البذلة والأصفاد، فاعتبرتها بعد ذلك الشرطة دليلا على انتماء الغرباوي إلى هذا "التنظيم" ومشاركته في الأنشطة الإجرامية التي كان يقوم بها. أما بالنسبة لموكلي الغرباوي فهو يحترف مهنة تاجر متجول، وسبق له أن التقى المدعو "يوسف فكري"، فعرض عليه هذا الأخير أن يبيعه هاتفين نقالين وساعتين يدويتين، فاشترى الغرباوي هذه الأشياء من
"فكري"، وبما أنه تاجر، أعاد بيعها. هذه العملية التي تمت بينهما اعتبرتها الشرطة دليلا على أن الغرباوي يقوم بدور بيع الأشياء المسروقة من طرف فكري وعصابته.
تحدثتم عن المسمى "يوسف فكري"، هذا الشخص الذي تروج وسائل الإعلام أنه زعيم لتنظيم اسمه "السلفية الجهادية"، ومرة أخرى بأنه أمير من أمراء جماعة "الهجرة والتكفير"، فهل لديكم معلومات تنورون بها الرأي العام المغربي عن هذا الشخص؟
لا توجد لدي معرفة دقيقة بهذا الشخص، ولكن من خلال مخابرتي مع موكلي، تبين لي من تصريحاتهما أن المسمى "يوسف فكري" إنسان عادي جدا، غير متدين، وعكس ما تروجه بعض الجرائد، فهو ليس من أعلام السلفية، ولم تثبت له أي دراية بالعلوم الشرعية، ولا يتوفر على أي شهادة علمية تؤهله للبحث العلمي أو للفتوى، وليس له أي تنظيم أو إطار قانوني ينشط فيه، وإنما هو رجل عادي، كان يختبئ في مجموعة من الأماكن في ربوع التراب الوطني، ونظرا لفقره وحاجته إلى المال، قيل إنه قام بارتكاب الجرائم التي نسبت إليه وتكوين عصابة إجرامية والقيام بالسرقة الموصوفة، بما في ذلك قتله لمجموعة من المواطنين.
تقول بعض الجرائد إن المدعو "يوسف فكري" قد اعترف بارتكابه لهذه الجرائم؟
ليست لدي أي معلومات في هذا الشأن، باعتبار أن الملف مازال في طور التحقيق، كما أن مبدأ سرية التحقيق يمنع على أي شخص له علاقة بهذا الملف، أن يدلي بتصربحات تفيد أنه اعترف أم لا، ولكن يبدو أن بعض الصحف اطلعت على محضر الشرطة بواسطة وسائلها الخاصة، وأشاعت أنه ارتكب مجموعة من جرائم القتل والاعتداء والسطو على أموال المواطنين وحيازة الأسلحة، وأنه كان مبحوثا عنه مدة سنوات عديدة، ويعد هذا أمرا غريبا، فكيف استطاع من يختبئ من الشرطة طوال هذه الفترة، وهو ينتقل عبر المملكة، وارتكب عدة جرائم ومن دون أن يضبط من طرف مصالح الشرطة؟ ففجأة يتم القبض عليه، ويصبح في واجهة مجموعة من الصحف، مما يثير استغرابنا، ويجعل مصداقية الشرطة القضائية، وكذا بعض وسائل الإعلام محل شك وريبة.
هذه القضية مازالت في طور التحقيق، والأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم هم أشخاص عاديون ارتكبوا جرائم عادية، لكن الحملة الإعلامية التي تتزعمها بعض الصحف "الوطنية" لم تكن عادية، فلماذا ظهر ملف "السلفية الجهادية" فجأة، بعدما ظهر ملف "الخلية النائمة" ؟ ألا يمكن القول بأن هذه الحملة مفتعلة للتأثير على الانتخابات التشريعية المقبلة، والتأثير بالتالي على الإسلاميين المشاركين فيها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد أن نشرح للناس مفهوم "السلفية"، حتى لا تختلط لديهم الأشياء، فالسلفية هي قراءة خاصة للنصوص الدينية بصفة عامة، واجتهاد فقهي يتبناه مجموعة من العلماء على مستوى العالم الإسلامي، ولهم وجهة نظر في عدة مسائل تهم الحياة الاجتماعية. وبالنسبة للمغرب، فالسلفية لا تشكل تنظيما حركيا له إطار قانوني، بل هو فقط فكر رائج بين مجموعة من أبناء الصحوة الإسلامية بشكل عام. وهو في جزء منه يتميز بالعلمية والدراية بالشريعة العامة وأمور العقيدة، له مجموعة من العلماء يدافعون عن أطروحاته الفكرية.
والسلفية لا تؤمن بتغيير المنكر عن طريق العنف، بل ترى أن إرجاع الناس إلى دينهم يتم عبر التربية والتعليم، ولم يسبق أن أفتى عالم من علمائهم بارتكاب جريمة ما من أجل تغيير منكر ما.
والملف الذي بين أيدينا ألصقت به كلمة "السلفية الجهادية" خطأ وظلما وبدون أي سند علمي أو واقعي يعضده، بالإضافة إلى أن مجموعة من رواد السلفية بالمغرب أنكروا الأفعال الإجرامية التي قام بها المتهمون في هذا الملف، وأدانوا هذه الأفعال في مجموعة من الجرائد الوطنية. ونسبة كلمة "السلفية الجهادية" لهذه العصابة المتهمة، هي محاولة تحاملية من أجل دعاية انتخابية مسبقة ضد أحد فصائل الحركة الإسلامية، التي ستشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك بغرض التدليس على الرأي العام الوطني، وكذا استعداء الناس ضدهم والتشويش عليهم حتى لا يتم التصويت لفائدتهم، بل هي أيضا محاولة للطعن في سلمية الحركة الإسلامية بالمغرب، ومبادئ الاعتدال التي تؤمن بها، وكذا من أجل خلق اصطدام بينها وبين النظام السياسي القائم، بغية الحصول على مكاسب انتخابية محضة.
هل معنى ذلك أن بعض الأحزاب التي انخرطت في هذه الحملة المغرضة، فعلت ذلك لتخفي فشلها الذريع في تأطير المواطنين بواسطة برامجها الاقتصادية والاجتماعية، والتجأت إلى الأساليب التي ذكرتموها؟
بلا شك، إذا قام أي باحث بتقييم تجربة حكومة التناوب ودراسة حصيلة عملها، سيلاحظ أنها لم تستجب لحاجيات وتطلعات المغاربة، بالنظر إلى الأزمة الحالية التي تمتد إلى جميع مجالات الحياة، سواء في مجال الحريات العامة أو المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، فأصبحت سمعة هذه الحكومة سمعة غير مرضية. ونظرا لضعف حصيلتها وقرب الانتخابات التشريعية، وكذا تصاعد تعاطف مجموعة من الشرائح الاجتماعية للحركة الإسلامية، ومن بينها حزب العدالة والتنمية، الذي سيشارك في الانتخابات، تحاول بعض الجهات القيام باستثمار واستغلال وقوع جرائم عادية من طرف أشخاص عاديين، وتوظيفها من أجل المس بمصداقية هذه الحركات وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، وتوجيه الرأي العام الوطني ضده، وكذا استعداء بلدان أجنبية للضغط على النظام الداخلي للحيلولة دون اتساع ذلك المد التعاطفي، وخاصة، أمام فشل الأحزاب الحاكمة الآن، تطرح الحركات الإسلامية وحزب العدالة والتنمية بدائل واختيارات جديدة من أجل إنقاذ المغرب مما يعيشه الآن من تدهور متسارع.
سواء من خلال ملف "الخلية النائمة" أو من خلال ملف "السلفية الجهادية"، يلاحظ أن مجموعة من الجرائد الوطنية انخرطت في حملة قذرة للتشويش على المواطنين وخلط الأوراق، وهذا بطبيعة الحال يضرب المصداقية الإعلامية لمثل هذه المنابر، ما تعليقكم على ذلك؟
لا أنكر أن بعض وسائل الإعلام سواء الدولية أو الوطنية، دافعت عن الحقيقة والعدل والإنصاف سواء في ملف ما يسمى بالخلية النائمة، أو ما أصبح يسمى الآن بملف السلفية الجهادية، وساعدتني شخصيا في دحض مجموعة من الأطروحات المضلة، إلا أننا في بعض الأحيان نفاجأ بأن بعضا من تلك الجرائد التي ترغب، إما في الربح المحرم أو في الدعاية الانتخابية المسبقة، تلجأ إلى تلفيق الأخبار والتدليس على القارئ، وتمرير تأويلات مغرضة، وهذا سلوك غير أخلاقي، يجب أن يتنزه عنه كل صحافي أو رجل إعلام جاد ومسؤول، وله غيرة على الدفاع على دولة الحق والقانون.
هل يمكن القول إن ما يحدث بالمغرب هذه الأيام يدخل في سياق انخراط بلدنا مع الولايات المتحدة في محاربة ما تسميه "بالإرهاب العالمي"؟
بالنسبة للملف الذي بين أيدينا، يصعب إيجاد خيط رفيع يربطه بمساعي الولايات المتحدة بمحاربة "الإرهاب"، إلا أنني يمكن أن أثير ملاحظة في هذا الموضوع، وهي أن التنظيمات التي تحاربها أمريكا عالميا، ينتمي أغلبها إلى الفكر السلفي بصفة خاصة، وإلى مجال الصحوة الإسلامية بصفة عامة.، وهذا يكشف أن الجهات المحاربة لها علاقة بالحركات التغييرية ذات المنحى الإسلامي، لذلك فالولايات المتحدة لها اهتمام خاص بهذه الحركات المرتبطة أيضا بالصراع في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم الانخراط التلقائي للسلطات المغربية في التضييق على الحركة الإسلامية بصفة عامة، ومحاولة التعرف بصفة خاصة، في هذه المرحلة، على حجم التيار السلفي بالمغرب، الذي يبقى تيارا لا يؤمن بالعمل الجماعي المنظم، وليس له إطار قانوني ينشط من خلاله، وليست له قيادات موحدة أو أدبيات حول العمل السياسي والثقافي، وبالتالي فالسلطة، بدعوى إشاعة الأمن داخل المملكة، تقوم بحملة تمشيط لهذا التيار وتجفيف منابعه، وخاصة أنه تيار لا يعمل في العلن، كما أن طبيعته تجعل عمله غير واضح بالنسبة للسلطة، الشيء الذي دفعها إلى شن مجموعة من الاختطافات للمنتمين لهذا
التيار وتعريض المختطفين للتعذيب والإهانة، ومحاولة الحصول على معلومات مستفيضة حول طبيعة الأطر التي يتوفر عليها، والقيادات التي يرجعون إليها في الفتوى، وكذا علاقة سلفية المغرب بالتيارات السلفية العالمية. وفي نفس الوقت يمكن القول إن ما تقوم به السلطة المغربية الآن يخدم المخابرات الأجنبية وخاصة الأمريكية.
عودا إلى ملف "السلفية الجهادية" يبدو أن السلطات المغربية ارتكبت مجموعة من الخروقات والتجاوزات القانونية، على شاكلة ما حدث للمعتقلين في ملف الخلية النائمة..
الشرطة القضائية ارتكبت نفس الخروقات القانونية في مجموعة من الملفات التي أريد أن يكون لها صدى معين، ويمكن تلخيص تلك الخروقات المرتكبة أيضا في هذا الملف، فيما أقدمت عليه مصالح الأمن، يوم 17 يوليوز 2002، باختطاف كل من نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، واقتيادهما إلى معتقل سري بمدينة تمارة، حيث تم احتجازهما لمدة 01 أيام، تعرضا خلالها للتعذيب، كما تم تفتيش منزليهما دون الحصول على أمر من النيابة العامة، واختلاس مجموعة من الكتب والأشرطة التي لم تتضمن في محضر للحجز، كما قامت الشرطة بفبركة محضر يتكون من حوالي 041 صفحة، تضمن عدة تصريحات لما واجهت بها موكلي، أنكراها ونفيا بأن يكونا قد قاما بتكوين عصابة إجرامية أو المشاركة في الجرائم المنسوبة للمدعو "يوسف فكري"، ومن جهة أخرى عمدت الشرطة إلى إكراه موكلي على التوقيع على ذلك المحضر دون أن يطلعا عليه أو يتلى عليهما، وتم تقديمها لقاضي التحقيق دون مؤازرة من الدفاع، أو إشعارهما بحقوقهما، وهذا مما فوت على موكلي حقهما في الدفاع عن أنفسهما والتمتع بالضمانات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، وكل هذه الخروقات السافرة، تجعل محاضر الشرطة
القضائية قابلة للبطلان، بل إن محضر الاستنطاق الابتدائي لم يتم أيضا الاطلاع عليه من طرف موكلي، وكل ذلك للإيهام بأن هذا الملف هو ملف شائك ويدخل في إطار ما يسمى بمحاربة "الجماعات الإرهابية".
هذا يطرح سؤالا عريضا حول مصداقية ما يسمى بالعهد الجديد، إذ كان من المنتظر أن يعرف المغرب مزيدا من الحقوق والامتيازات، فإذا بنا نلاحظ في الشهور الأخيرة انتكاسة خطيرة تذكرنا بالعهود البائدة.
أنا أشاطرك الرأي على أن هناك انتكاسة، فمن يستقرئ وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، وخاصة بعد تنصيب ما يسمى بحكومة التناوب على رأس السلطة التنفيذية، يلاحظ تراجعا كبيرا في مجال الحريات العامة، ويلاحظ ما قامت به السلطة من اعتداءات على الطلبة المعطلين ونشطاء جمعيات حقوق الإنسان، وكذلك منع بعض وسائل الإعلام المكتوبة، ومنع بعض الأنشطة الإشعاعية لمجموعة من جمعيات المجتمع المدني، ومنع المسيرات المساندة لقضايا أمتنا العربية والإسلامية. وباطلاعنا على ملفات كثيرة معروضة على محاكم المملكة، نسجل أن الشرطة القضائية مازالت تنتهك الضمانات القانونية المخولة للمواطنين. وهذا كله يؤكد أننا مازلنا على مسافة بعيدة من إقامة دولة الحق والقانون. وللأسف فالذين يوجدون على رأس حكومة التناوب، كانوا في وقت سابق ضحايا لهاته الانتهاكات، وكان الأجدر أن يكونوا أول من يدافع عن حقوق الإنسان بالمغرب.
هل هناك أمل بالنسبة للمستقبل؟
أملنا وأمل جميع الغيورين على هذا البلد، أن نعيش في مجتمع حر وكريم، يتمتع أفراده بكل الحريات والحقوق، وهذا تحد يواجهه الجميع ويتطلب تظافر جهود كافة القوى الحية والحرة، من أجل الضرب على أيدي الجهات التي مازالت تحن إلى عهود الظلم والإرهاب التي عرفها مغرب الستينات والسبعينات، وينبغي ألا نترك المغرب، هذا البلد الجميل والآمن، مرتعا للمفسدين ولا محل عبث من أي دولة أجنبية كيفما كانت للدفع به إلى متاهات وانزلاقات قد تلحق أضرارا كبيرة بمصالحه.
أجرى الحوار عمر العمرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.