كشفت أحداث الحادي عشر من شتنبر عن عمق الأزمة التي تعيشها النخبة المثقفة على طول بلاد العروبة والإسلام، تجلى ذلك في كتابات المثقفين وتعليقات الصحفيين وكيفية تناولهم لقضايا مثل: الإرهاب كما تروج له الولاياتالمتحدة، الحرب الأمريكية على شعب أفغانستان، المؤامرات التي تحاك علنا ضد انتفاضة الأقصى، إعلان بوش صراحة عن التخطيط لإسقاط النظام العراقي، التنسيق المكشوف بين جهاز المخابرات الأمريكي المعروف بعملياته القذرة مع دول عربية عديدة، المطالبة الأمريكية بتغيير المناهج التربوية والتعليمية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي... أبرز خلاصة يمكن تسجيلها هي أن الخطاب الثقافي العربي لم يستوعب مسؤوليته ومهمته التاريخية في هذا المنعطف التاريخي الحاسم، صحيح أن المشهد السياسي بلغ درجة من الانحطاط لم يسبق أن بلغها على الإطلاق، لكن الذي نجزم به هو أن المشهد السياسي أي مشهد سياسي يتأثر بطبيعة الخطاب الثقافي الذي يتوجه إلى العقول والنفوس. هنا الآن على قدم وساق برامج توضع ومخططات تطرح وأموال تبذل وجهود تستنفر، كل ذلك من أجل هدف واحد: تهشيم العقل العربي وتجييره لصالح المخططات الصهيونية والامبريالية، وما المحطة الفضائية الناطقة بالعربية، التي أنشأتها واشنطن وتتوجه خصيصا للعرب والمسلمين، إلا دليل واحد من بين آلاف الأدلة على أن الصراع بلغ ذروته وأن المسألة خطيرة جدا يتوقف عليها مستقبل مليار مسلم وأن الأمة كلها على مفترق الطريق: إما أن تكون أو لا تكون. أين خطابنا الثقافي من هذه المعركة الضارية؟ أين مثقفونا الذين طالما حدثونا عن الرأسمالية والصهيونية والامبريالية؟ أين هؤلاء الذين علمونا ذات يوم أن استقلال الأوطان وتحررها لا يقاس بوجود قوات عسكرية أجنبية بها بل بمدى انعتاقها من التبعية الاقتصادية والثقافية للامبريالية العالمية، أي بمدى تحررها من الاستعمار الثقافي والاقتصادي، وهما الجانبان اللذان ترتكز عليهما الامبريالية في عمليات التخريب التي تمارسها ضد شعوب العالم ونحن جزء منها؟ لماذا سكت الجميع إلا ثلة من القابضين على الجمر في لحظة يعتبر فيها السكوت خيانة؟ حتى بعض الذين تكلموا كان كلامهم يصب في خانة أعداء الأمة وضدا على مصالح شعوبنا؟ أين أولئك الذين طالما كتبوا عن ضرورة دعم عن حركات التحرر في العالم؟ لماذا لم يتجندوا لمؤازرة حركة التحرر الفلسطينية في محنتها العصيبة التي تعيشها في الشهور الأخيرة وحرب الاستئصال الوجودي التي تشن عليها؟ أيكون الخوف من السيد الأمريكي هو السبب؟ ومتى كان الخوف واجدا طريقه إلى قلب المثقف؟ أين الكلمة المناضلة التي تقاوم الامبريالية وترفض التبعية؟ أين الأدب المقاوم والمسرح المقاوم والشعر المقاوم والفن المقاوم والغناء المقاوم؟ لقد آن الأوان للمثقف العربي أن ينخرط في المعركة ويتخذ موقعه في الصف الأمامي للتصدي للغزو الثقافي الامبريالي الصهيوني الذي يستهدف الأمة كل الأمة وآن للخطاب الثقافي أن ينحاز إلى المقاومة بل أن يبث روح المقاومة في صفوف الشعب ويزرع فيها الأمل في النصر. إنها مهمة ملحة لا تحتمل أي تأجيل أو تسويف أو تقاعس. وأخيرا نتوجه بهذا السؤال إلى كل مثقف ذي ضمير: هل ثمة مبرر لأي مثقف لكي يقف مكتوف اليدين حيال الهجمة الشرسة الأمريكية التي تتعرضها لها أمته؟ إبراهيم بوغضن