هم كائنات عاقلة جميلة كريمة، لا يعرف الوهن والتعب إليهم طريقا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون. هم الملائكة الأبرار الأطهار، من نور خلقوا، ولرسائل النور يحملون، وحول كلمات النور يجتمعون ويتحلقون.. من أجلنا خلقوا، ولأجل سعادتنا وخلودنا يعملون، يحملون كلمات ربانية لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وعندما تخالط قلب نبي من الأنبياء يتصبب جبينه عرقا في الليلة الظلماء، الشديدة البرودة، ومن شدة الوطأة والثقل تبرك ناقة النبي أرضا فلا تستطيع السير قدما، وتنسحق ركبة الصحابي إذا كانت تحت ركبة النبي عليه الصلاة والسلام. يحملون الرياح مرسلات وعاصفات ومبشرات.. والشمس والقمر والنجوم سابحات ومضيئات.. والجبال والأنهار والبحار والأشجار وكل المخلوقات.. يرافقون الإنسان، ذكرا كان أو أنثى، عند الميلاد، وبعده وعند الموت وبعده، ويوم الدين كله. أمروا بالسجود لأبيه آدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه. ينفخون الروح في النطفة إذا تمنى، ويكتبون تفاصيل حياته ومماته ومصيره. لا يملون من التسبيح ولا يتوقفون، قالوا عن أنفسهم: (وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون) يحملون عرش الرحمان ويدخلون على أهل الجنة من كل باب قائلين: (سلام عليكم بما صبرتم) أما أهل النار فليس لهم منهم إلا مزيد من العذاب في دار (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). هؤلاء الملائكة الأصفياء الأتقياء في خدمتنا ومعنا وإلى جانبنا، لكننا لحماقتنا وغفلتنا وغبائنا لا نهتم بهم، ولا نوليهم العناية اللازمة، ولا نعزز صفنا الضعيف بقواهم وبخدماتهم. فالذين (يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويومنون به، ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم). يحضرون معنا في صلواتنا، فيشاركون، ويجتمعون في صلوات الفجر والعصر ويتعاقبون (ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون، تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون). وتعجبهم الأصوات الصادحة بالقرآن الكريم، والمجالس التي يذكر فيها الله تعالى فيحضرون ويجتمعون للإنصات والمشاركة والمساندة، ويكتبون أعمالنا بدقة وإتقان لا يتناهيان ويقبضون أرواحنا في الموعد المحدد لها، فيبشرون من يستحق التبشير، وينذرون من يستحق الإنذار. وإذا قامت معركة حامية ضارية بين أهل الإيمان وأهل الفسق والعصيان انحازوا بسرعة خاطفة إلى المؤمنين وشاركوا في المعركة إلى جانبهم ونصروهم. ألا يستحق هؤلاء الأتقياء الأخفياء أن نومن بهم حق الإيمان، وأن نهتم بهم كل الاهتمام، وأن نكرمهم كل الإكرام، وأن تكثر من المناسبات التي تحضر معنا فيها. غريب أمر هذا الإنسان، كائنات عجيبة في خدمته وهو لا يهتم بها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم".