كانت الساعة تشير إلى حوالي 00.61 بعد الزوال يوم السبت 02 70 2002 فيما بدأت تدب حركة مكثفة فوق جزيرة تورة المغربية، هذه الحركة جسدتها تنقلات أكثر من إحدى عشر مروحية ما بين مدينة سبتةالمحتلة وبين الجزيرة المذكورة. لم يفهم السكان ما يجري قبل أن يتأكد لهم بالملموس أن قوات الاحتلال الإسباني تنسحب من هذه الجزيرة وهي تجر أذيال الخيبة وراءها. وقد أكدت الأنباء أن هذا الانسحاب جاء ثمرة لمجهودات أمريكية مكثفة، بحيث اتصل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أكثر من خمسة عشر اتصالا هاتفيا من كل من الرباط ومدريد. وأضافت هذه الأنباء أن هذه الاتصالات ركزت في مجملها على إعادة الوضع على ماهو عليه قبل الحادي عشر من يوليوز الجاري. أي بمعنى آخر، يتعهد كل من المغرب وإسبانيا بعدم التدخل عسكريا في الجزيرة المذكورة بعد انسحاب إسبانيا منها، وبدء المفاوضات الثنائية بعدها. السيد ريتشار باتتشر أكد في تصريح للصحافة يوم الجمعة الماضي قائلا: >إننا لا نحب أن نرى أصدقاءنا في مواجهة وإذا كان بإمكاننا تقديم المساعدة فإننا سنفعل مهما يكن موضوع المواجهة<. وكان يشير بذلك إلى بعض الانتقادات الموجهة للدبلوماسية الأمريكية التي خصصت جهدا كبيرا للنزاع حول جزيرة تورة، وهو ما من شأنه أن تكون له انعكاسات على الساحة الدولية حسب الصحافة الأمريكية التي ذهب بعضها إلى السخرية من الصراع إلى درجة تسميته ب"نزاع المعدونس"، غير أن مصادر دبلوماسية أمريكية أكدت على أن اهتمام الولاياتالمتحدة بالموضوع راجع إلى اهتمامها بالعلاقات بين البلدين، اعتبارا لدورهما في ما يسمى بالحملة على الإرهاب، وإلى دورهما في قضية فلسطين. فإسبانيا تقوم من خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي بدور نشيط والمغرب يرأس لجنة القدس لحماية التراث الثقافي في المدينة المقدسة. وأشار المصدر ذاته إلى أن كولن باول كان قد بدأ جولته الأخيرة في الشرق الأوسط بزيارة كل من المغرب وإسبانيا حيث أجرى محادثات مع قيادتي البلدين، وأكد المصدر ذاته أننا لا نريد أن نعطي للموضوع أكثر مما يستحق، لكن الاتفاق مهم وبذلنا في سبيل تحقيقه جهدا كبيرا، ولكن ينبغي أن نرد الفضل في ما تحقق إلى الطرفين. وقد أثار الانسحاب الإسباني ردود فعل متسارعة، بحيث أشارت العديد من التحاليل إلى أن هذا الانسحاب يخفي في طياته عدة أمور تبعث على القلق. فتركيز الوساطة الأمريكية على إعادة الوضع على ما كان عليه قبل دخول عناصر من الجيش المغربي جزيرة "تورة" يعني أنه قدم تعهدا بعدم الدخول إليها مرة أخرى، طبقا لما صرح به وزير الخارجية والتعاون المغربي السيد محمد بن عيسى لصحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم السبت 02 يوليوز الجاري. فقد أوضح المسؤول المغربي أن الإذاعة الإسبانية حرفت معاني كلامه حين تحدث عن تعهد المغرب بعدم العودة إلى الجزيرة موضوع النزاع في حالة ما إذا انسحبت القوات الإسبانية منها. وأكد أن ذلك كان خلال محادثاته المباشرة مع وزيرة الخارجية الإسبانية >أنا بلاسيو< قبل الاحتلال الإسباني للجزيرة. وتؤكد تلك التحاليل أن المغرب في حالة ما إذا كان قد قدم ضمانات للوسيط الأمريكي بعدم دخول جزيرة تورة في حالة الانسحاب الإسباني منها، فسيكون أقدم على عمل سيؤثر عليه سلبا من الناحية القانونية بشكل خاص على موقفه تجاه الجزيرة وكذلك باقي الجيوب المحتلة. إلا أن مصادر أخرى أوضحت أنه حتى في حالة ما إذا كان المغرب قد قدم فعلا تنازلات في هذا الاتجاه فهذا لا يعني أبدا أنه قد تنازل مبدئيا عن حقه في المطالبة بالجزيرة المذكورة، على اعتبار أن هذه الخطوة تعد خطوة تكتيكية الهدف منها مسايرة الضغوط الدولية، بحيث تبدأ المفاوضات بعد الانسحاب الإسباني، والتي ستكون (أي المفاوضات) المحك الحقيقي لرغبات البلدين. وقد ذكرت بعض المصادر أن الرباط، ستحتضن في هذا الاتجاه، مع مطلع هذا الأسبوع، محادثات مكثفة تجمع بين مسؤولي الخارجية في كل من الرباط ومدريد، بالإضافة إلى الوسيط الأمريكي الذي سيكون ممثلا بوزير الخارجية كولن باول. وأوضحت هذه المصادر، أن المفاوضات ستركز على هذا التوتر الأخير الخطير الذي ميز العلاقات بين المغرب وإسبانيا والذي تمثل في الاحتلال الإسباني للجزيرة وطرد الجنود المغاربة منها. ذلك أن مثل هذه الإجراءات تعتبر خرقا سافرا لبنود القانون الدولي، وكذلك لبنود الاتفاقية الثنائية التي تربط بين البلدين، والتي وقعا عليها، منذ عام 1991. الموقف الأوروبي، بدا أكثر حرجا وارتباكا، في هذا الاتجاه أوضحت بعض التحاليل بأن تعبير أوروبا عن سعادتها بالتوصل إلى حل بين المغرب وإسبانيا، يخفي داخله سخطا واضحا على حليفها الإسباني، الذي يبدو أنه أوقعه في ورطة هو في غنى عنها، فبعد أن كانت علاقتها بالمغرب وبالأطراف العربية الأخرى جيدة ومتميزة، أثار موقفها الأخير من النزاع بين البلدين غضب المجتمع المغربي والعربي بمؤسساته السياسية. وأعربت العديد من المصادر المغربية والعربية عن امتعاضها من الموقف الأوروبي الذي بدا متحيزا للوجه الإسباني العنصري الاستعماري البغيض. بالإضافة إلى هذا تجدر الإشارة إلى أن الموقف الأوروبي ذاته عرف بعض النزاعات الثنائية، بحيث عبرت فرنسا مؤخرا عن احتجاجها الشديد على الموقف الأوروبي الأخير تجاه النزاع بين المغرب وإسبانيا، واتهمته بالضبابية وبعدم الوضوح وباللاموضوعية. هذه التصريحات أثارت غضب السلطات الاستعمارية الإسبانية التي اعتبرته خروجا عن الإجماع الأوروبي. تجدر الإشارة أيضا إلى أن العديد من التساؤلات أثيرت بعد الانسحاب الإسباني الأخير من الأراضي التي تقع تحت السيادة المغربية. وقد ركزت هذه التساؤلات على مصير العلاقات الإسبانية المغربية بعد هذا التصعيد الخطير، وكذلك حول مصير قضية الجيوب المغربية المحتلة. والشيء الأكيد، هو أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات فيما يخص هذا الملف، خاصة بعد الإعلان عن بدء مفاوضات مكثفة بداية الأسبوع الجاري بين المغرب وإسبانيا طرفي النزاع، بالإضافة إلى الوسيط الأمريكي الذي أخذ بحظه المعهود في هذا الملف، كما هي عادته دائما على الصعيد العالمي (!!؟) أحمد الوجدي