على بعد أقل من ثلاثة أشهر من موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي من المقرر أن تجرى في الأسبوع الأخير من شهر شتنبر 2002 أو الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من نفس السنة تتسارع وتيرة عمل اللجن التقنية المشكلة من أطر وزارة الداخلية وممثلي الأحزاب لإنجاز المهام المنوطة بها ولمزيد من التوضيح لبعض القضايا المرتبطة بالانتخابات والتي تستأثر باهتمام الرأي العام اتصلنا بالمهندس السيد الحسين كرومي (نائب برلماني في فريق العدالة والتنمية) وأجرينا معه الحوار التالي: السيد كرومي كيف تنظرون إلى الإصلاح الانتخابي الذي قامت به الحكومة؟ بسم الله الرحمن الرحيم، إنه فعلا إصلاح لكنه لم يكن بالشكل المنتظر وكنا نتمناه في حزب العدالة والتنمية الذي سبق وأن تقدم بمذكرة شاملة في الموضوع تحت عنوان "من أجل انتخابات نزيهة وشفافة" قدمها للوزير الأول مشاركة منه في في هذه العملية، وذلك بطرحه عددا من الإصلاحات التي يراها ضرورية للوصول إلى مؤسسات ذات مصداقية لا تكون فيها طعون سياسية، حيث أيدنا تغيير نمط الاقتراع اللائحي النسبي وطالبنا باعتماد ورقة التصويت الفريدة واستعمال الرموز، وغير ذلك. غير أن الطريقة التي تم بها إقرار نمط الاقتراع باللائحة أرادت أن ترضي جميع الأطراف السياسية وليس الوصول فعلا إلى مؤسسات حقيقية، لكن للأسف على مستوى اللوائح الانتخابية كنا قد طالبنا بإلغاء هذه اللوائح الانتخابية الحالية (القديمة) لما يعتيرها من خروقات وعيوب، إلا أ الحكومة في الأخير اكتفت بمراجعة استثنائية فقط لهذه اللوائح. ولماذا اختارت الحكومة مراجعة اللوائح الانتخابية بإعادتها من جديد؟ صحيح أن الحكومة قدمت للأحزاب مشروع مرسوم يقضي بإلغاء اللوائح القديمة واعتماد شروط جديدة في عملية التقييد، وذلك بتعديل المواد الأولى في الجزء من مدونة الانتخابات، إلا أنه فوجئنا فيما بعد بتقديم الحكومة بمشروع قانون يقضي فقط بمراجعة استثنائية للوائح الانتخابية القديمة. وقد وضعنا سؤالا في الموضوع فأجابنا وزير الداخلية بأنه قد يكون هناك عزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية ولهذا تبين أنه من الأصلح الإبقاء على اللوائح القديمة مع مراجعتها وإبداء الأحزاب السياسية ملاحظاتها عليها. لكن الذي حصل في عملية التقييد التي فتحت لمن بلغ السن القانوني للانتخاب والذين غيروا السكن وغير ذلك أن الناس لم يعزفوا عن التقييد بل كان هناك إقبال بدليل أن عدد التسجيلات كان رقما قياسيا. وتبين أن مخاوف الحكومة لم تكن في محلها. وضيعت بذلك فرصة تاريخية لإعادة هذه اللوائح الانتخابية لأن اللوائح الحالية غير سليمة ووضعت بعقلية قديمة وبهواجس التحكم. ومع ذلك سنخوض هذه الانتخابات وقمنا بواجبنا فيما يخص إيداع الشكاوى والطعون في عدد من الأقاليم، وأعتقد أن الحزب الوحيد الذي تعامل مع هذه اللوائح بجدية هو حزب العدالة والتنمية حيث اشتغلت جميع المكاتب الإقليمية في تمحيص هذه اللوائح والتنبيه للخروقات. وقمنا بإشراك المواطنين وتحميسهم للتسجيل على اعتبار أنه واجب وطني. وفي إطار الإصلاح الانتخابي دائما وكما قلت سابقا كان الحزب قد اقترح الورقة الفريدة للتصويت ونعتبر إقرارها أمرا في غاية الأهمية لأنه سيحد من استعمال المال الحرام وشراء الضمائر، وكما تعلمون كانت الضمانة الوحيدة لكثير من مستعملي المال أن المرشح يطالب المصوت الذي باع ضميره أن يأتي له بأوراق الخصوم أو المنافسين لكي يتأكد أنه فعلا صوت لصالحه، أما مع الورقة الفريدة فلا ضمانة له، وبالتالي ستعمل شيئا ما على التقليص من استعمال المال لشراء الأصوات، ولو أن المفسدين لن ييأسوا. ماذا عن اللجان الإقليمية لتتبع العملية الانتخابية؟ هذه من الإصلاحات التي طالبنا بها ونتمنى أن تجد الحكومة الحل فيما يخص هذه اللجان الإقليمية. صحيح أنها في السابق لم تقم بالدور الذي أناطه لها الشارع بحيث لم تكن لها آليات للعمل حتى ولو كان على رأسها قاضي. وبناء عليه نطالب بلجان إقليمية فاعلة ولها دور حقيقي وتقدم تقارير تصبح بمثابة وثيقة إثبات أساسية فيما يخص الطعون. لكن بعض أحزاب الأغلبية رفضت هذه اللجان واعتبرتها تجربة فاشلة؟ أنا أفهم لماذا اتخذت أحزاب الحكومة هذا الموقف إذ تعتبر أن الانتخابات ملف من بين الملفات التي هي من صلاحيات الحكومة ومن مسؤولية الحكومة ولكنني وبكل صراحة تعلمت منذ صغري أن الذئب لا يرعى الغنم بمعنى أنني لا أثق في هذه الحكومة صراحة ولأقول أنها ستزور الانتخابات ولكن لأنها لم تبين أنها مسؤولة على أرض الواقع وقد ظهر ذلك من خلال عدة ملفات على رأسها ملف الإصلاح الانتخابي حيث كان الوزير الأول قد صرح عقب تنصيبه أمام البرلمان أنه سيعمل على إعداد مدونة انتخابات جديدة وحكومة منبثقة من صناديق الاقتراع تكون شفافة ونزيهة. لكنه لم يفعل ولذلك أطالب بضرورة تأسيس هيئة مستقلة يكون على رأسها القضاء وخفيفة التشكيلة ولا تمثل فيها الأحزاب بالضرورة حتى يسهل عليها اتخاذ القرارات وتعمل على مراقبة سير الانتخابات. تمت المصادقة على التقطيع أو التقسيم الانتخابي المقترح هل تراه معقولا؟ هذا الموضوع هو الآخر عالجته مذكرة الحزب المذكورة حيث طالب بأن يعرض التقطيع على البرلمان وأن يرقى إلى مستوى قانون لأنه جزء أساسي في العملية الانتخابية ويجب أن يناقش. وهنا أود أن أقول كلمة إنصاف فقد لمست في السيد إدريس جطو وزير الداخلية رغبة في إشراك جميع الهيئات السياسية في هذا الموضوع من خلال اللجنة المكلفة بالتقطيع. وشاركنا فيها وناقشنا التقسيم الانتخابي وتبين أنه في العموم مبني على معايير موضوعية (معيار عدد السكان واحترام لطبيعته الجغرافية والخصوصيات القبلية و..) وللإشارة فقد قدمت أحزاب كثيرة تعديلاتها على المشروع لكن حزب العدالة والتنمية وبعد مدارسة التقطيع المقترح في كل جهات وأقاليم المملكة وتوصلنا منها ببعض الاقتراحات. لكن تبين فيما بعد أن كل حزب سيقدم مشروع تقطيع وبالتالي سنقتصر على عقلية التحكم والضبط من خلال التقطيع الشيء الذي نرفضه. وبما أن التقطيع المقترح في شموليته موضوعي رغم وجود ملاحظات في بعض الدوائر إلا أنه يبقي مقبولا. وقد تمت المصادقة عليه بالإجماع كما اقترحته وزارة الداخلية. ألا ترون بأن التمويل البعدي للحملة الانتخابية سيفتح بعض المنافذ غير المشروعة عند بعض الأحزاب؟ أعتقد أن المشرع حدد سقف المصاريف لكل مرشح ولائحة في حوالي 052 ألف درهم. وهو ما لن يكفي، الأمر الذي يطرح السؤال من أين ستأتي الأحزاب بالباقي. في هذه الحالة هناك اجتهادات ذاتية لكل حزب. ومهما يكن فأنا مع التمويل البعدي لأن هناك أحزابا تستغل التمويل القبلي بحيث تستفيد من الغلاف المالي كل خمس سنوات ولا تفعل شيئا يذكر. بخصوص اللامنتمين ألا ترى أنهم سيبلقنون الخريطة السياسية لمجلس النواب المقبل؟ ترشح اللامنتمين حق دستوري لا يناقشه أحد، لكنه من جهة أخرى سيربك فعلا الخريطة السياسية المقبلة لذلك أنا مع الشروط على أساس أن تكون معقولة وغير تعجيزية، لأنه قد يوجد مرشح لا يجد نفسه فكريا وسياسيا مع حزب سياسي، خاصة إذا علمنا أن عدد المنخرطين في الأحزاب المغربية لا يجاوز 7% لكن هل يقدر اللامنتمي أن يأتي ببرنامج بمعنى الكلمة؟ الانتماء السياسي نفسه لا يعني بالضرورة برنامج، لأن برامج جميع الأحزاب متشابهة نوعا ما، وهامش التميز ضيق جدا. وأعتبر أن الشروط الحالية الموضوعة على اللامنتمين تجعل من المستحيل أن يغامر ويتقدم اللامنتمي للانتخابات، وخاصة الحصول على 02% من التوقيعات لمنتخبين ونعرف ما جرى أثناء الانتخابات الجزئية وتجديد ثلث مجلس المستشارين من توزيع للأموال وشراء للأصوات اعترفت به وزارة الداخلية ساعتها. إذا ربما يطعن مرة أخرى المجلس الدستوري في هذه الشروط لأنها تعجيزية كما قلتم؟ لا أظن لأن مسألة الشروط ضرورية فالأحزاب نفسها لها شروطا طبقا لمقتضيات ظهير 8591. فكذلك اللامنتمين لابد من وضع شروط لترشحهم: نعم يمكن مناقشتها لكنها ضرورية. السيد كرومي أنتم الآن رئيس لجماعة حضرية وفي نفس الوقت برلماني كيف تجمعون بين المسؤوليتين؟ تسيير الشأن العام يوميا والمساهمة في التشريع ومراقبة العمل الحكومي؟ أنا أعتبر الأمرين متكاملين ولا تناقض بينهما، لكني مع ذلك أنصح في المستقبل بعدم الجمع بين هذين المسؤوليتين نظرا للمهام المنوطة برئيس الجماعة الحضرية أو القروية واختصاصاته وواجب تواجده قريبا من المواطنين خاصة مع التغيير الذي سيلحق بالميثاق الجماعي والذي وسع من اختصاصات الرئيس يصعب بل يستحيل معها الجمع بين المهمتين. لكن من جهة أخرى تبقى فرصة لرئيس الجماعة أنه يوظف كونه برلمانيا لرفع مشاكل وقضايا الجماعة إلى المستويات العالية في السلطة ويناقشها مع المعنيين مباشرة وهذا فعلا ساعدني كثيرا مع بعض الوزراء في حل العديد من المشاكل والملفات الكبيرة على رأسها مشكل دوار الكورة بجماعة يعقوب المنصور أكبر جماعة حضرية في المغرب سكانا ومشاكلا. ورغم هذا كله تبقى نصيحتي أن لا يجمع الواحد بين رئاسة الجماعة والتمثيلية النيابية. ما هو الجديد الذي جاء به مشروع الميثاق الجماعي المطروح الآن على أنظار مجلس المستشارين؟ بعد 42 سنة من العمل بميثاق جماعي تبين أنه تسبب في عدة مشاكل والدليل حال المدن الآن كيف هو ولهذا جاء هذا المشروع ليتجاوز تلك السلبيات سواء في الجهاز التنفيذي (الرئيس والمكتب) أو الجهاز التداولي (باقي مستشاري الجماعة). فيما يخص الجهاز التنفيذي هناك المادة 7 في الميثاق الحالي أعتبرها أخطر مادة في ظهير 6791 التي تقول إنه بعد مضي سنتين من رئاسة المجلس يمكن إقالة الرئيس بجمع توقيع ثلثي أعضاء المجلس فيعيش بعدها المجلس في إرهاب يومي وأيام الدورات من خلال الابتزازات أو المساومات التي يخضع لها الرئيس. ويضعف من قوته، المشروع الحالي ألغى هذه المادة بحيث تصبح للرئيس ثلاث سنوات تسمح له بالعمل بهدوء واستقرار. المسألة الثانية الحساب الإداري بحيث تعرض كل سنة المصاريف والمداخيل والمهام التي أنجزت وتناقش لكن في الواقع لا تناقش فهناك من يصوت لأنه قريب من الرئيس أو أخذ حصته من.... وهناك من يصوت تصويت سياسي بالرفض ولو كان الحساب الإداري سليما وبالتالي تخلق مشاكل وتتعطل مصالح الجماعة. المشروع الجديد حل هذا المشكلة لأنه يطلب من المصوت ب"لا" تبرير تصويته بحجج واضحة وإلا لم يعتبر صوته. وهاتين النقطتين الحساب الإداري وإقالة الرئيس هما الأخطر ما جاء في ظهير 6791 يجعل غالب رؤساء الجماعات يعتمدون على المال لضمان استقرارهم وتمرير مشاريعهم ورغباتهم وهذا غير معقول. ماهي مخاوفكم في ما يخص المجالس التي قد يترأسها أعضاء من حزب العدالة والتنمية مستقبلا؟ أنا أستبعد أن يحصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المريحة فيها وبالتالي تنزيل برنامجه وتجسيده الأمر الذي سيدفع مناضليه إلى تحالفات قد تدخلهم في محاذير تربوية ومبدئية. وإذ أتوقع أن الحزب قد يحصل على رئاسة 002 جماعة من أصل 7451 جماعة محلية في المغرب فإن أدعوه إلى أن يتسلح لها بفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد لأنه أكيد لن يجد أناس نظيفي الذمة مائة بالمائة ويضطر إلى تنازلات صغيرة من أجل قضايا كبيرة. فهل سيقدر على ربح هذا الرهان هذا هو السؤال الذي علينا إيجاد جواب له من قبل أن يفاجئه واقع الجماعات المتعفن على العموم بمظاهر من الفساد والانحراف. وللإشارة فعمل الحزب داخل الجماعات وتسييره للشأن العام أهم بكثير ويمكنه من التغيير على أرض الواقع اليومي أكثر من البرلمان، ويبقى لكل مؤسسة مكانتها. حاوره محمد عيادي