لم يعد أمر النتخابات شأنا خاصا بوازرة الداخلية والأحزاب السياسية بل إنه أمر يتعلق بالمواطن المغربي بالأساس وبحقه في اختيار ممثلين عنه يعتقد أنهم أهل لتحقيق آماله وتجسيد طموحاته من خلال مؤسسات ذات مصداقية تعيد ثقته وتصالحه مع المجالس المنتخبة لتشكل سندا قويا للأجهزة التنفيذية ورافقه فعالة للتنمية الشاملة كما أشار إلى ذلك جلالة الملك في خطاب العرش أول أمس حيث قال: "إن التأهيل السياسي للمغرب يقتضي التعامل النبيل مع الانتخابات باعتبارها استثمارا سياسيا كفيلا بما يضيفه من مصداقية وفعالية على المؤسسات". فإلى أي حد ستلتزم الجهات المشرفة على الانتخابات المقبلة بتنفيذ التعهدات والالتزامات بالنزاهة والشفافية والقطع مع عهد صنع الخريطة السياسية؟ وهل ستكفي الآليات القانونية على ما فيها من ثغرات لحماية إرادة الناخب من التزوير؟ أم أن الأمر يحتاج إلى هيئة مستقلة تشرف وتراقب الانتخابات المقبلة؟ وأي دور مرتقب للمجتمع المدني في هذا الشأن؟ خصوصية الانتخابات المقبلة تتميز الاستحقاقات المقبلة التي من المنتظر أن تجرى في الأسبوع الأول من أكتوبر 2002 بعدة خصوصيات تميزها عما سبق نلخصها في ما يلي: أول انتخابات في عهد جلالة الملك محمد السادس الذي أعطى أكثر من إشارة إلى ضرورة نزاهتها وشفافيتها، وأن تكون فرصة لمصالحة المواطنين مع مجالسهم المنتخبة واستعادتهم الثقة فيها وعلى رأس هذه الإشارات تحديده لموعدها في أول سابقة بالمغرب، وذلك في الخطاب الافتتاحي للدورة الخريفية لمجلس النواب يوم 21 أكتوبر 2002 في وقت يشاع كلام داعي حول احتمال تأجيل موعد الانتخابات. أول انتخابات لم يسبقها تعديل دستوري ولا تقدمت أحزاب المعارضة سابقا (الكتلة) بمطالب دستورية على عدتها ابتداءً من سنة 9891 عبر مذكرات ترمي غي الجوهر إلى جعل الانتخابات آلية للمشاركة في الحكم والتداول على السلطة بدل الاكتفاء بدور المساعد. باستثناء الدعوات التي انطلقت من بعض الأطراف اليسار الاشتراكي الم،حد بالأساس تطالب بأسيقية التعديل الدستوري على الإصلاح الانتخابي وخاصة السيد بنسعيد آيت إيدر لأنه في غياب الأول حسب اعتقاده لا يمكن أن تحقق أي حكومة كانت أي إنجاز حقيقي. أول انتخابات "تسهر" عليها المعارضة السابقة التي لطالما اكتوت بلهيب التزوير للانتخابات السالفة ولطالما نددت به واعتبرت كل المؤسسات الناتجة عنها مؤسسات مزيفة وفاقدة للمصداقية. أول انتخابات تجري بنمط اقتراع جديد ويتعلق الأمر بالاقتراع بواسطة اللائحة مع التمثيل النسبي بأكبر بقية قيل عنه إنه نمط مرقع لا هو بالأحادي ولا هو باللائحي. انتخابات تجري في غياب المتهم الأساسي في تزوير نتائج أغلب الانتخابات السابقة والمفصل المشهور للخريطة السياسية لأغلب البرلمانات السابقة. من سيشرف على الانتخابات المقبلة؟ نظرا للتجارب الماضية القاسية ولعدم احترام الإدارة لكل التعهدات بالنزاهة والشفافية وصعوبة تخلصها من هاجس التحكم في الخريطة السياسية للمؤسسات المنتخبة كما قال بذلك محمد ضريف في تصريح سابق له لجريدة الأيام عدد 04: "فإن إعلان السلطات العامة عن حيادها الإيجابي والتزام القانون وضمان النزاهة لا يعني أنها تتخلى عن ثابت الحفاظ على التوازنات السياسية العامة". ونظرا للثغرات الموجودة في القانون الانتخابي الجديد وعدم استقلال القضاء فإن مسألة الإشراف ومراقبة الانتخابات المقبلة تطرح نفسها بإلحاح خاصة وأن الحكومة أظهرت، بعدم وفائها بتقديم مدونة انتخابات جديدة وإعادة اللوائح الانتخابية من جديد واكتفائها ببعض الإصلاحات، أنها لا تتوفر على الإرادة السياسية الحقيقية لانتخابات نزيهة. وتكفي الإشارة هنا فقط إلى ما حصل من تلاسن بين الاتحاديين والاستقلاليين وخاصة بين عبد الرزاق أفيلال ومحمد اليازغي على صفحات الجرائد الوطنية، وكذا عدم اطمئنان أحزاب المعارضة الحالية وخاصة الوفاق على إشراف الحكومة على الانتخابات ومطالبة بعضهم بحكومة انتقالية تشرف على الاستحقاقات المقبلة، معتبرين أن فاقد الشيء لا يعطيه قاصدين بذلك العمود الفقري للحكومة أي حزب الاتحاد الاشتراكي. وبعد أخذ ورد تدخلت وزارة الداخلية في لقاء 61 أبريل الشهير لتخلق توافقا عاما خفت معه نداءات المطالبة بحكومة مستقلة، إلا أنه وداخل اللجنة التقنية المكلفة بالتقطيع والورقة الفريدة وغيرها أعيد النقاش وبقوة حول مسألة الإشراف على الانتخابات عبر اللجن الإقليمية لتتبع الانتخابات، بعدما تم إقبار اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات المعينة بظهير. في حين طرحت أطراف جمعوية داخل ما يسمى بالمجتمع المدني مبادرة أخرى بديلة تتمثل في تأسيس المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات، بل إن النقيب عبد الرحيم الجامعي ذهب إلى حد طلب المراقبة الدولية على الانتخابات المغربية المقبلة فإلى أي حد ستقبل الدولة بهذه المبادرة؟ مراقبة الانتخابات بين المؤسسات الرسمية والمبادرات الجمعوية تبقى قضية الإشراف على الانتخابات من أهم القضايا المحيطة بالعملية الانتخابية حيث تبقى نزاهتها رهينة بوجود هيئة مستقلة تتولى الإشراف على مختلف مراحل العملية من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى مرحلة إعلان النتائج وتقديم الطعون والحسم القضائي فيها. فإلى أي حد استطاعت اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات سنة 7991 أن تقوم بهذه المهمة وهل بإمكان النسيج الجمعوي أو ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني أن تشكل البديل على هذا المستوى؟ أ تجربة اللجنة الوطنية أو اللجان الإقليمية أو المحلية لتتبع الانتخابات يكاد يجمع كل الأطراف السياسية والمدنية على أن تجربة اللجنة الوطنية وفروعها المذكورة لسنة 7991 كانت فاشلة وذلك، راجع بالأساس لطبيعة تكوينها وتركيبتها وهاجس التوافق السياسي الذي سيطر على أشغالها. الأمر الذي حال دون قيامها بالمهام المنوطة بها وظلت فعاليتها محدودة في مجال الانتهاكات إذ ووجهت أغلب الملفات المحالة عليها إما بالحفظ أو عدم القبول أو الرفض أو عدم الاختصاص وفي حالة متقدمة توجيه إنذارات وتنبيهات، أما محاضرها ووثائقها فبقيت سرية ------------------------------------------------------------------------ . وأمام هذا الواقع انقسمت الآراء تجاهها في الظرف الحالي إلى رأيين: الأول: يقول بإعادة تشكيلها وإعطائها الاستقلالية الكاملة تجاه السلطة التنفيذية والقضائية وإبقائها خاضعة لمراقبة القضاء وبالسماح للمواطنين بالطعن في قراراتها وكذا مدها بالإمكانات البشرية الضرورية للإشراف والمتابعة وبالتدخل عند الاقتضاء وإبعادها عن أي نقاش سياسي يغرقها في مهاترات لا طائل من ورائها. ويدفع في هذا الرأي أحزاب من المعارضة، على رأسها حزب العدالة والتنمية. الرأي الثاني: يقول بأنه لا داعي لتكرار تلك التجربة الفاشلة التي أبانت محدوديتها وشكليتها بل عجزها، وبالتالي إسقاطها من الاعتبار وإسناد الأمر للولاة والعمال حسب الفصل 201 وتوسيع صلاحياتهم ما دام هناك التزام جماعي بنزاهة الانتخابات المقبلة، وإعلان صريح من الجهاز الإداري بالحياد، كما ظهر ذلك من خلال آخر لقاء للجنة التقنية المكلفة بالتقطيع وورقة التصويت، وغير ذلك بمقر وزارة الداخلية. المجتمع المدني والحل الثالث بعد فشل أو تعثر الصيغة الرسمية إذا جاز التعبير لمراقبة الانتخابات وصيانة قدسيتها من عبث التزوير والتحريف طرح العمل الجمعوي نفسه بقوة من خلال اقتراح ثالث بعدما خلص إلى أن اللجنة المذكورة لم تكن إلا لجنة شكلية خاضعة لنفوذ الداخلية يجب التخلص منها وعدم التفكير فيها، وأن تحل محلها مؤسسات المجتمع المدني من خلال تأسيس مرصد أو هيئة تشرف على الانتخابات ونزاهتها، على اعتبار أنه لم يعد يقبل بأن يلعب المجتمع "المدني" دور المتفرج فقط على ما يجري حوله، بل لا بد أن يكون فاعلا أساسيا ومساهما فاعلا في تحقيق طموح المغاربة إلى انتخابات نظيفة ومؤسسات منتخبة ذات مصداقية ومشروعية انتخابية. وفي هذا السياق طرحت عدة اقتراحات، حيث سبق لمكونات اليسار الاشتراكي الموحد أن دعت إلى إسناد الإشراف على العملية الانتخابية وتتبعها ومراقبتها إلى هيئة محايدة ومستقلة عن الجهاز الإداري وتيسير مهامها واعتماد ونشر تقاريرها وتمكين مكونات المجتمع المدني من الضمانات والتسهيلات اللازمة لتتبع ومراقبة الانتخابات. من جهتها، كانت شبيبة العدالة والتنمية هي الأخرى، قد دعت من سنة مضت إلى إقامة مرصد شبابي لنزاهة الانتخابات لتحفيز الشباب المغربي على المشاركة في الحياة السياسية وإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي ومتابعة ورصد التطورات التي سيعرفها المسلسل الانتخابي في مغرب الغد بما يمنح تحقيق محاربة كافة أشكال الفساد أو التزوير التي طالت إرادة المواطن وأن يشكل المرصد نفسه أداة ديمقراطية جديدة التي تضغط من خلالها التنظيمات الشبابية على الأحزاب ذاتها لاختيار مرشحين نزيهين وتبنّي حملة انتخابية نزيهة. وبعيدا عن المطالبة، فقد بادر عدد من الفاعلين الجمعويين المنخرطين في إطار النسيج الجمعوي لمحاربة الرشوة إلى تأسيس مرصد وطني لمراقبة نزاهة الانتخابات تنبثق عنه مراصد محلية مثل الذي حصل في المحمدية كواجهة شعبية للرقابة على الأحزاب والمواطنين وتوعية الجميع بالآثار السلبية للغش والتزوير والسمسرة على الوطن وتقدمه وتهدف المبادرة المذكورة إلى الحصول على تعهد من المرشحين بعدم اللجوء إلى استعمال المال الحرام من أجل تزوير النتائج ونشر الميزانية التي وظفتها الأحزاب خلال الحملة الانتخابية، فضلا عن تقديمهم لتصريح بممتلكاتهم قبل تحملهم لأية مسؤولية جماعية أو جهوية أو برلمانية. وتأتي هذه المبادرة استفادة من التجارب الدولية التي نجحت في هذه المهمة. ما هي حدود نجاح المجتمع المدني في هذه المهمة؟ يبقى نجاح مؤسسات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات المقبلة أمرا غير سهل لأنها تهدد معاقل الفساد والشبكات المتفرعة عنه، والتي ألفت منطق الاعقاب، لكن رغم ذلك تبقى؛ حسب النقيب عبد الرحيم الجامعي؛ خطوة بالغة الأهمية وذات دلالات سياسية وأبعاد قانونية. فمن الناحية السياسية، لم يعد المجتمع يكتفي بدور المتفرج على ما يجري، بل أصبح يبادر ويبدع أساليب ويقترح آليات لضمان نزاهة الانتخابات وبالشرط الديمقراطي لذلك. وبالتالي، فالسلطة مطالبة يتقبل فكرة المرصد الوطني لمتابعة ومراقبة الانتخابات وحماية وإرادة المواطن وصوته من التزوير والتحريف. ومن الناحية القانونية، فإن المرصد الوطني المذكور ستكون سلطة أقوى من غيره واستقلالية أكبر، ذلك لأن أغلب المشتغلين في مؤسسات المجتمع المدني غير متورطين في صراعات سياسية أو انتخابية، ومنفتحين على الجميع، الأمر الذي يعطي لأعمالهم نوع من المصداقية. المراقبة الدولية والانتخابات المقبلة يعتبر العديد من السياسيين المغاربة أن استدعاء المراقبة الدولية على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أمر يمس بالسيادة الوطنية وفيه نوع من التدخل الأجنبي في الشأن المغربي الداخلي، إلا أن النقيب عبد الرحيم الجامعي صاحب الفكرة في الانتخابات السابقة لا يراها كذلك، ويعتبر أن السيادة الوطنية أو الداخلية لم تعد حاجزا أمام تعميم المبادى الكونية لحقوق الإنسان، ويقول في حوار له سابق مع جريدة "العمل الدديمقراطي" : >أعتبر الرقابة الدولية على الانتخابات جزءًا من الرقابة الدولية لحقوق الإنسان، فهي جزئ من الانتهاكات لجزء أساسي من حقوق الإنسان قد تصل إلي حد الجريمة التي يجب نتابعتها قضائيا والانتخابات حق من حقوق الإنسان والتي تعني حق المواطن في اختيار النمط التشريعي والمؤسسات التي يريدها ويثق فيها، وبالتالي فتزوير النتائج والتدخل في العمليات الانتخابية واستعمال المال والرشوة كلها أوجه من المساس بهذا الحق والذي لا يقل عن المساس بأي حق من حقوق الإنسان في أي مجال...<. خلاصة ثمة تجارب في بلدان شبيهة بحالة المغرب عملت فيها مؤسسات المجتمع المدني على رصد ومراقبة الانتخابات، بل ساهمت في إصلاح القانون الإنتخابي نفسه وضغطت على الحكومة من أجل شفافية ونزاهة أكثر لنتائج الصناديق، لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على ما يسمى بالمؤسسات المجتمع المدني التي ترغب في مراقبة الاستحقاقات المقبلة هو: إلى أي حد تتوفر هذه الأخيرة على استقلالية، خاصة إذا علمنا أن كل أحزاب اليسار تقريبا لها مؤسسات وجمعيات تدعي أنها (مدنية). والحقيقة أنها فروع لحشد الأصوات، فكيف ستراقب الانتخابات وتدعو الجميع إلى احترام نزاهتها وعدم تحريف إرادة المواطن؟ وليس هذا طعنا في المبادرة ولا تعميما للحكم على كل الفاعلين (المدنيين) بل تنبيه فقط، ذلك أن تزكي هذا الاتجاه أصبح ضرورة ملحة ينبغي أن يكون عليها إجماع وطني من أجل إنجاح الاستحقاقات المقبلة وإنقاذ الشعب المغربي من شر الانتظارية وهاوية اليأس وفتح باب الأمل والتجند تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من أجل البناء والإصلاحات الكبرى. فهل تتوفر الحكومة والجهاز الإداري المسؤولين على الانتخابات على الإرادة السياسية الحقيقية لربح هذا التحدي؟ ذلك ما سيجيبنا عنه الأسبوع الأول من أكتوبر 2002.. محمد عيادي