شَكَّلتِ المسيرة الخضراء مُنعطفاً حاسماً في تاريخ المغرب الحديث، لِما راكمَتهُ من أهمية تاريخية تتمثلُ في استرجاع الأقاليم الصحراوية واستكمال الوحدة الترابية للمملكة؛ فلا يُمكن لأي باحث في تاريخ المغرب المعاصر أن يدرسَ أحداث فترة ما بعد الاستقلال دون أن يقفَ مَليّاً عند مَلحمة المسيرة الخضراء المظفَّرة، ويُبرزَ مدى التلاحم الوثيق بين العرش العلوي والشعب المغربي، إما للدفاع عن حوزة الوطن أو استكمال استقلاله الترابي . وفي هذا الإطار، يتجلى تميُّزُ وانفرادُ المسيرة الخضراء بعدة خصائصَ ومُحدداتٍ جعلت منها مسيرةً استثنائية بشهادة العالَم بأسره، ويُمكن إجمالُ هذه المميزات فيما يلي : - أولاً: أنها كانت مسيرة سِلمية بكل المقاييس؛ ولعل هذا ما يُمثّلُ سِرّ قوتها ونجاحها في تحقيق أهدافها وبلوغ مقاصدها، حيث لم تنهَج أسلوب العنف والقوة، بل كان سلاح المغاربة الوحيد في المسيرة الخضراء مجرد حمل القرآن الكريم ورفع رايات المغرب وصُوَر المَلك.. - ثانياً: أنها تَبَلْوَرَت عبر فكرة عبقرية من مَلكٍ مُبدع وقائدٍ شُجاع؛ حيث لعبت عبقرية وذكاءُ الملك الراحل الحسن الثاني -رحمه الله- دوراً حاسماً وهاماًّ في استكمال الاستقلال، من خلال إطلاقه ورعايته لمبادرة المسيرة الخضراء الخالدة والتي تُوِّجَت بعودة الأقاليم الصحراوية إلى حظيرة المملكة المغربية.. - ثالثاً: أنها ضَربت للعالم أجمع أروعَ بُطولاتِ التضحية والنضال السلمي ضد الاستعمار الغاشم؛ إذ ستبقى ذكرى المسيرة الخضراء خالدةً وراسخةً في أذهان شعوب العالم كافة، ولا سِيَما تلك التي ما زالت تُكافحُ من أجل الاستقلال وبناء الدولة الموحَّدة.. إلى جانب الخصائص والمميزات السابقة، يمكن للمتأمل في موقعة المسيرة الخضراء أن يستشفَّ نوعاً من نُبْل الوسيلة المنتهجة في الوصول إلى الغاية الأسمى والهدف الأساس من تنظيم هذه المسيرة؛ ألا وهو استرجاع أقاليم الصحراء المغربية، وبالتالي استكمال الوحدة الترابية للمملكة. فأما نُبْلُ الوسيلة، فيكمنُ -في نظري- في سِلمية المسيرة ومُستواها الحضاري الراقي، ناهيك عن أعداد المشاركين فيها من مختلف الفئات والجهات، وقبل هذا وذاك، في عبقرية الفكرة بحدِّ ذاتها وأخذِ زمام المبادرة من طرف الملك الراحل الحسن الثاني. أما غاية المسيرة الخضراء، فتكتسي سُمُوَّها من جسامة المسؤولية المُلقاة على عاتق المغاربة في استرداد صحرائهم والدفاع عن وحدة وطنهم بكل ما أُوتوا من عزيمة وإصرار، وشجاعة واستبصار.. ختاماً، لا يَسَعُنا إلا التأكيد على الدور الهام للمسيرة الخضراء في استكمال المغرب لوحدته الوطنية، بالإضافة إلى مركزيتها كعُنصرِ تحفيزٍ ومصدرِ إلهامٍ مُتجددٍ لكل المغاربة للمُضِيِّ قُدُماً في مسيرة التنمية والازدهار، واستكمال تشييد صَرح دولة الحق والقانون، باعتبار المسيرة الخضراء مصدرَ فخرٍ واعتزازٍ للمغاربة بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم.. * طالب صحفي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.