خطباء الأمر بالثورة والنهي عن الرجعية بين شعبوية الخبز الهالكة وشعبوية الرقص الكئيبة..!! رحم الله أياما خوال كان بعض فقهاء الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف اليوم يتامى المجد البروليتاري الأثيل من فقهاء التغيير الانقلابي الأحمر بالأمس، كانوا لا يكلون ولا يملون من الحديث عن الأوضاع القاسية والمأساوية للطبقة الشعبية الكادحة ويتفننون في تصوير بشاعة الفوارق الاجتماعية الخطيرة بين من يملكون كل شيء ومن يملكون لا شيء. كان تجييش الشعور الوطني مطلبا إيديولوجيا لازما لتوفير الشرط الجماهيري الحاسم في المنازلة الجارية لكسر قوة الطبقة البورجوازية الحاكمة المتعفنة المفارقة لهموم الجماهير الشعبية الكادحة و المفاصلة لحقها في العيش الكريم و إرساء دولة العدالة الاجتماعية وحكم البروليتاريا والمجد الاشتراكي الخالد !!!. ساعتئذ كان الخبز مطلبا ثوريا ومحفزا تثويريا وكانت تهمة التخوين واستحقاق النعوت الأشد إيذاء جاهزة في حق كل من ينحرف بالنضال عن هدفه المرسوم أو يتوانى في تسخير كل المواهب والتعبيرات الأدبية والفنية في نصرة المشروع الجماهيري الزاحف على فساد الطبقة الحاكمة و أوضاع البؤس الذي صنعته سياساتها اللاشعبية !!!!وكان الاتهام بالاصطفاف إلى جانب الرجعية الحاكمة جاهزا في حق كل من زغب الله عليه ولم يستثمر شعره وفنونه الشعبية وموسيقاه لخدمة المشروع المحرر والبرنامج الثوري التقدمي الزاحف لتطهير المغرب من ثقافة الخنوع ومظاهر الانحلال المناقضة لروح البناء الثوري والمصادمة للمجهود التعبوي الذي يجب أن يتصاعد بلا هوادة نحو موعد الحسم مع رجعية ماضوية تستخدم الثقافة المخزنية ثقافة كولو العام زين وبرامج الشطيح والرديح استخداما أمبرياليا لكسر إرادة الصمود وتخدير الهمم. كانت إرادة الحياة وانتصار الفرح...!!!، مشدودة إلى أفق ثوري رافض للميوعة الفكرية و الانحلال الخلقي ومراهن بحزم على التعبئة النضالية الدائمة و المستمرة. دار الزمان دورة قصيرة ليست بقرن ولا قرنين.. ولم تبتلع الأرض بعد جيلا من هؤلاء المناضلين ولا جيلين.. فتقهقرت دعوة الخبز وتهالك الخطاب الشعبوي الخبزي فإذا بعض خطباء الأمر بالثورة والنهي عن الرجعية ودعاة التجهم والعبوس الثوريين يتحولون إلى خطباء ممجدين لشعار الرقص للجميع، وإذا حديث باسم الشعب مرة أخرى عن إصرار المغاربة على التمتع بالحياة وإذا نضال متجدد ضد الأصوات النشاز التي تتحدث عن عذاب القبر والجنة والنار!! ودعوة لإفراغ شحنات الضغط في الرقص والضحك والانطلاق!!!! هنيئا لك أيها الشعب بهذه الشعبوية الجديدة، ما دام النضال متعذرا من أجل أن يكون العدل للجميع والعلم للجميع والسكن اللائق للجميع والشغل الكريم للجميع فالوصفة الحداثوية الجديدة تمنحك فرصا نادرة لكي تفرغ شحنات الضغط في الرقص والضحك والانطلاق.. وكل عام مضغوط وأنت بخير.. وسيمنحك حملان وذراري الوداعة اللبرالية المبتذلة / يتامى المجد الاشتراكي الأثيل مزيدا من الرقص والضحك والانطلاق.. أرقص على جراحك واضحك من تفكير / بهلوانية هذا البؤس المدعو نخبتك الحداثوية وانطلق حيث شئت داخل دائرة المشيئة المرسومة لك!! الأحداثيون : فقهاء المقاصد الاستئصالية للفن والتخييم والترفيه إن الاهتمام بمجالات التخييم والترفيه هو جزء من سياسة شاملة لمواجهة المخطط الإسلاموي المتطرف، فهل يتم إدراك أهمية هذا المجال؟ بهذا النبوغ الحداثوي يبدع المدعو جمال هاشم وظيفة جديدة للفن متجاوزا بذلك كل المدارس الإنسانية التي عرفتها البشرية والتي تعب فلاسفتها في بيان وظائف الفن الوجودية والجمالية والاجتماعية ووظيفة المتعة ..إلخ. إن عقيدة الاستئصال الفاشية الفاشلة تفضح خلفية المهرجانات المسماة فنية حين تعلن بلا خجل أنها داخلة في مخطط لمواجهة المخطط الإسلاموي المتطرف إن هذه العقيدة لا ترى في الشباب البريء الذي يساق بالإغراء الرخيص إلى الرقص سوقا، شبابا يستمتع بالحياة ولكنه جيش مقاتل ضد خصم متوهم يسكن في تجاويف نفوس مريضة مدعورة تتمترس خلف شباب بريء لمواجهة خصوم لا قبل لها بمواجهتهم فكريا عبر منازلة الرأي والحجة والعمل الميداني الذي شاخت وخارت قواها عن إتيانه بالفعالية المطلوبة لإقناع هذا الشباب وتنظيمه بما يناسب حاجاته الحقيقية لا حاجات هذه النفوس المريضة المتلاشية تحت ثقل الخرف والشيخوخة السياسيين والعزلة الشعورية عن وجدان غالبية جماهير الشعب. إن هذه الرؤية الكئيبة للفن لا ترى أيضا في المهرجانات مناسبة لتلاقي الإبداع الإنساني بكل تلقائيته وتعدده وغناه من أجل توفير لحظات ابتهاج غير مصطنعة لبلوغ المرامي التي دندن حولها عقلاء البشرية من الذين قالوا في الفن قول الحكمة والعقل والسمو، ولكنها ترى في تلك التجمعات الصاخبة التي تؤجج بالرخيص من الأذواق والسافل من الكلمات والمعاني والألحان، ساحات لمعارك يدمي فيها رديء الفن وعي الشباب ويعطب فيه ملكات الذوق الرفيع والجمال والتسامي.. يقتل نصفه العلوي ليحيا بالنصف الأسفل فقط محصنا ضد المد الإسلاموي الذي يستهدف الفكر ويسيطر على الضمائر والمشاعر!! إن عبقرية هذا النبوغ الحداثوي لا تكمن في القدرة على إبداع مهرجانات الفكر والحوار والمناظرة والجدل والحجاج في الساحات العمومية وأروقة الجامعات حول أهم القضايا التي تستأثر باهتمام الشباب، بما يتيح لفرسانها المغاوير منازلة الخصوم وقهرهم أمام الملأ وإتاحة الفرص للشباب كي يميزوا في غمرة هذا التدبير المتحضر للاختلاف بين رداءة الفكر الاسلاموي وتألق الفكر الحداثوي!!! ولكن المخرج القريب والمسلك الصغير الذي ابتكره الأحداثيون هو السعي المباشر من أجل قتل ملكة الفكرالشبابي واستئصالها وتعطيل أجهزة الاستقبال العقلاني وتدميرها عبر رش فليتوكس من نوع أجا يدير فالثلاثة دالليل وبقية الأنواع واسعة الانتشار.. محدودة الأثر بفضل الله. نموذج واحد من هذه المهرجانات التي تبناها فقيه ومنظر المقاصد الجديدة للفن تكشف توحل هذه المناسبات وانحطاط مناخها كما تؤكد حالة الإشفاق التي يجب أن ينظر بها لمن يكون ضحية لها وكذا التقدير الكبير لوعي المنفضين من حولها: كان اليوم يوم عيد العرش والمكان ناد كبير تابع لوزارة التربية والشباب.. جهزت المنصة للمهرجان..طيلة ثلاثة ساعات لم يعزف نشيد وطني واحد ؟!! لا عن المناسبة ولا عن غيرها..انفض الناس رجالا ونساء للعب الكرة بمختلف أنواعها والمشي في الممرات المخصصة لذلك بعد انطلاق الحفل بحوالي ثلث ساعة، وبقيت جماعة من المتابعين لا تتعدى العشرين شابا يرقصون تحت وابل من الرداءة تمطرهم به صيحات فرقة هاوية في إحياء حفلات الأعراس وفق النمط الكابوسي المزعج الذي يمتد حتى شروق الشمس ضدا على راحة الجيران وألم المرضى!! هذا المشهد تكرر كثيرا في بعض الشواطئ حيث ينصرف الناس إلى ما يحبون من السباحة وملاعبة أطفالهم وتأمل جمال كون الله البديع تاركين خلفهم زعيقا مفتعلا يدعى مهرجانا لحفنة من الشباب البريء.. كما يترك هملا كل دخيل غير مرغوب فيه. إن نجاح المهرجانات والاصطياف نجاح عريق في ثقافة مغربية عريقة ولا يحتاج إلى سطو مافيوزي أو تجيير من أي كان لإسباغ فهم خاص لهذا النجاح، خصوصا عندما يكون المراد هو النجاح المتوهم لتجمعات وظيفية طفيلية مفتعلة ومشوشة للراحة كما ينشدها طلاب الاستجمام والتخييم وهواة الفن النبيل.إن فقهاء المقاصد الاستئصالية للفن والتخييم والترفيه أعجز من أن يحسوا بنشوة الفرح والانطلاق كما عاشتها وتعيشها جل الأسر المغربية وفئات الشباب التي انتشرت في ربوع الوطن، وديانه وجباله وشطآنه وحتى صحاريه ،طلبا للراحة والاستجمام متحملة تكاليف ذلك في وضع اقتصادي صعب، لسبب بسيط ذي صلة بالمفاصلة الشعورية العميقة بين دعاة الفرح الحداثوي المغلق والفاقد للمعنى اللهم إلا ما كان من معاني الفاحشة والعبث والاستئصال والعدوان وبين هذه الأسر التي تعيش لدنياها وآخرتها مجتهدة أن يكون لكل وقت واجبه .. مستمتعة بمباهج الحياة في غير ما نسيان للموت والآخرة وعذاب القبر الذي لايجيء ذكره في القاموس الأحداثي إلا غمزا ولمزا.. علامة على انطماس البصيرة وفساد الطوية وسوء العاقبة.. فمزيدا من التمتع بالحياة..ومزيدا من الحذر من مهرجانات تدمر الأذواق وبولسة الفن..ولتصدح ألحان الحياة بعبق الحياة وأناشيد الكرامة والحرية واحتقار العبث والعابثين.. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون..!!. الموساوي الحبيب