أخنوش: التكامل المغربي الإسباني يحوّل مونديال 2030 إلى رافعة اقتصادية وفرصة استثمارية غير مسبوقة    أخنوش يستعرض بمدريد رؤية طموحة للربط بين إفريقيا وأوروبا عبر بوابة المغرب وإسبانيا    طنجة تكبر في الصور... وتتراجع في الواقع: عمدة يطارد الأضواء ومدينة تبحث عمّن يدبّرها    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    أخنوش يثمن متانة العلاقات مع إسبانيا    لقجع يعرض مستجدات تحضيرات "كان 2025" أمام السفراء الأفارقة بالرباط    أمن مراكش يعتقل شخصين تورطا في سرقة سائحة أجنبية    ريال مدريد يمطر شباك بلباو في الدوري الإسباني    فرنسا تطالب الجزائر بالإفراج عن صحافي    صراع الأندية والمنتخبات يعود.. بنعطية يوضح موقف مارسيليا من "كان 2025"    طلبة ENSIAS يدخلون في إضراب مفتوح    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797        العراق يفتتح مشواره في كأس العرب بفوز مهم على البحرين    أوجار: الوزراء يواجهون بيروقراطية الدولة العميقة الموروثة عن البصري والمنتخبون تحت رحمة الداخلية    ميداوي: الجميع يتطلع إلى "حلب الدولة".. والترقية ترتبط بالبحث العلمي    كأس العرب .. أسود الأطلس يستعرضون قوتهم بثلاثية في شباك جزر القمر    محكمة الجديدة تدين المتورطين في اغتصاب طفل بموسم مولاي عبد الله    ذوو الإعاقة يطالبون بحقوق دستورية    تعزيز التعاون السياحي محور مباحثات بين عمّور والسفيرة الصينية بالمغرب    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    كأس العالم 2026… أبرز تفاصيل نظام القرعة        "الكونفدرالية" تنتقد غياب الإرادة السياسية الحقيقية للدولة للبناء الديمقراطي ومباشرة الإصلاحات الكبرى    سجن العرجات: محمد زيان يشتري مواد غذائية بانتظام ولا يعاني أي تدهور صحي    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    مراكش : العرض العالمي الأول لفيلم الست لمروان حامد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    انحراف قطار بضائع بين طنجة والدالية يتسبب في اضطراب مؤقت لحركة السير السككي    قراءة سياسية وإستشرافية للزيارة الملكية لدولتي الإمارات ومصر و هندسة جيوسياسية عربية جديدة    الدمناتي تدعو من منتدى دولي بمصر لتنسيق أعمق بين المؤسسات التشريعية لتقوية مسارات التعاون المتوسطي    الادعاء العام الأوروبي يوجه تهم الاحتيال والفساد لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة    "تبّان كقناع".. ظهور غريب لعمر لطفي في مراكش يثير جدلا واسعا    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول    إسرائيل تعلن أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" لخروج سكان غزة إلى مصر        أسعار اللحوم الحمراء تواصل الارتفاع ومهنيون يوضحون..    يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    استمرار ارتفاع أسعار المحروقات رغم التراجع الدولي يُعرض الحكومة للمساءلة البرلمانية    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    مسؤولون يدعون إلى تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة تجديد الوحدات السياحية في سوس ماسة    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الدعوة إلى الخير في مواجهة الإرهاب الفكري
نشر في التجديد يوم 24 - 05 - 2005

جعل الحق سبحانه وتعالى الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر شروطا لازمة للصلاح والفوز الدنيوي والأخروي للمسلمين أفرادا أو جماعات، كما نقرأ ذلك في سورة العصر. وأمر بأن يكون من بين الأمة الاسلامية، أمة أو فئة أو مجموعة من الناس يتولون وظيفة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) وقال تعالى: (فلولا كان من القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد إلا قليلا ممن انجينا واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين...).
ودعا القرآن الكريم إلى تنفر طائفة من المسلمين إلى التخصص في العلوم الشرعية ومعرفة أحكام الدين حتى تبقى قائمة بالحجة على مجتمعاتنا منبهة لها على ما يمكن أن تقع فيه من مخالفات وانحرافات فقال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
وقد تخصص بعض الصحابة في رصد بعض مظاهر الخلل في المجتمع الإسلامي الأول رغم أن هذا المجتمع كان قريب عهد بالنبوة وكان أكثر ارتباطا بينابيع الوحي في مشاعره وتفكيره وسلوكه. فهذا حذيفة بن اليمان كان يقول: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني". ولم يفهم المسلمون في يوم من الأيام أن من ينصحهم أو ينبههم على بعض مداخل الانحراف والفساد هو داعية إلى تكفيرهم أو إخراجهم من الملة بل كانوا يرفعون دائما شعارا لهم:رحم الله عبدا أهدى إلي عيوبي
ويذكر القرآن الكريم أن تتابع رسالات الرسل إنما كان من أجل تجديد حقائق الدين ومعاينة في النفوس وكان جوهر رسالات الأنبياء هو الدعوة إلى تقوى الله كما في قوله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
والعلماء والدعاة هم ورثة الأنبياء، بل إن كل مسلم مهما علا شأنه أو صغر، مأمور أن يبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: "بلغوا عني ولو آية" ولعموم أمره لجميع المسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، فجعل لكل مسلم حظا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدنى ذلك التغيير بالقلب والذي يملكه كل مسلم ونفس الشيء باللسان. ولم يقل أحد من الأمة أن اضطلاع بعض المسلمين داخل المجتمع الإسلامي بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وصاية على الدين واتهام للمجتمع بالفساد وتحريض على العنف والإرهاب.
واليوم تتخذ عملية الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدة أشكال معاصرة تنتظمها قوانين ومؤسسات وسلط متعددة، منها السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، ومنها أيضا ما أصبح يسمى بالسلطة الرابعة. ويفترض أن تمارس هذه السلط اليوم في إطار ما أصبح يعرف بدولة الحق والقانون وفي إطار الفصل بين هذه السلط وعدم تجاوز كل واحدة منها لحدود صلاحياتها، والتزامها بالضوابط الدستورية والقانونية المنظمة لعلم كل واحدة منها.
على أنه لا ينبغي النظر إلى تلك الضوابط باعتبارها مقيدة منظمة فقط لذلك الحق بل وضامنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير بل ينبغي النظر إليها قبل كل شيء باعتبارها ضامنة لحرية التعبير ولممارسة الحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
غير أنه وجب التأكيد أن الحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ابتداء حق مقرر بالكتاب والسنة باعتبارهما الدستور الأسمى والقانون الأعلى الذي يفترض أن تنطلق من أحكامه ومقاصده كل التشريعات والقوانين. وينبغي أن يقتصر مجال عمل تلك التشريعات والقوانين على التنظيم والتقنين حتى لا يتحول الأمر بالمعروف إلى منكر وحتى لا يتحول النهي عن المنكر إلى منكر. ولا يجوز لأي قانون أن يصادر ذلك الحق الأصلي المكتسب للانسان المسلم باعتباره مسلما يحيا داخل مجتمع مسلم مرجعيته الأسمى هي القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
وفي بلادنا، فإن حق التفكير وحق التعبير والحق في التنظيم من أجل الإسهام في إصلاح المجتمع مكفول. مكفول ابتداء، لأننا مجتمع مسلم ما فتئ يمارس هذا الحق دولة ونخبة ومجتمعا، ومكفول بقوة الدستور والقانون، وبقوة دولة الحق والقانون.
لكننا نلاحظ في الآونة الأخيرة بروز بعض الأصوات النشاز الداعية إلى تجريم الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن لا نذهب إلى ما يذهب إليه بعض المتنطعين ممن يحملون فكر الغلو، ويريدون أن يقوموا مقام الدولة في تطبيق أحكام القانون بالدعوة إلى إقامة الحدود والتعازير. وللفقه الإسلامي موقف واضح من هذا المسلك، ويسمى عند الفقهاء بالافتيات على صلاحية الحاكم أو الأمير وصاحبه واجب التأديب والتعزير، ولكننا نذهب إلى الدفاع عن الحق في التفكير والحق في التعبير والحق في التنظيم والحق في ممارسة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه ليست حقوقا فحسب، بل إنها وجبات في منظور الشرع، ولا يمكن لأي جهة استئصالية تمارس الإرهاب الفكري أن تمنعنا من أن نمارس هذا الحق وهذا الواجب الدعوي.
بعض الاستئصاليين يسعون إلى ممارسة الإرهاب الفكري ضدنا، ويستكثرون علينا أن نقوم بما يمليه علينا واجبنا الديني، ويضمنه لنا حقنا الدستوري. يحسبون كل صيحة عليهم إذا نبهنا بألسنتنا على انحراف، أو انتقدنا سلوكا يتعارض مع قيم مجتمعنا.
انتقدت هيئات فنية ومهنية وصحف وطنية مهرجانات الرداءة التي يحلو للبعض أن يسميها فنا فلم تحركوا ساكنا، وولولوا وصرخوا بأعلى حناجرهم المبحوحة أن الأصوليين خطر على الفن والثقافة. وأكدت جمعيات حقوقية ودولية ووطنية، بل أكد جلالة الملك وقوع تجاوزات في التعامل مع مخلفات أحداث 61 ماي الأليمة فلم يتحرك لهم ساكن، فلما أعلنا مبادرة متوازنة وحكيمة ووجهنا دعوة إلى الرشد، رفعوا عقيرتهم يطالبون بمحاكمتنا... وقائمة الأمثلة طويلة على هذا السلوك الشاذ والغريب القائم على الإرهاب الفكري والدعوة إلى نصب المشانق الفكرية.
وحتى يرتاح دهاقنة محاكم التفتيش الجدد، نؤكد لهم أننا لن نتخلى عن دورنا ولن نتزحزح عن القيام بواجبنا وممارسة حريتنا، وإذا كانوا يتخيلون أقلامنا سيوفا، وكلماتنا قنابل، وبين سطورنا توجيهات مشفرة تتحمل المسؤولية المعنوية عما وقع أو يمكن أن يقع لا قدر الله من بعض المتنطعين أو المتسللين، فلنؤكد لهم أن تلك حيلة مكشوفة تقوم على ممارسة الإرهاب الفكري من خلال استغلال الآلام والجراحات، واستغلال بعض السلوكات والممارسة التي نحن أول من يدينها، كما أدنا الأحداث الإرهابية ليوم الحادي عشر من شتنبر بالولايات المتحدة، وأحداث 61 ماي الأليمة، لمصادرة الحريات والحق في التفكير والتعبير والحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، وهي قبل أن تكون بالنسبة لنا حقا، فهي واجبات لن نتخلى عنها مهما كان سعي الاستئصاليين إلى تهديدنا وتخويفنا وتكميم أفواهنا.
محمد يتيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.