عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له » يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا . قال أي آية ؟ قال « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» قال عمر «قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة». هذا الحديث يدل على أن اليهود وأهل الكتاب عموما يعرفون الحق لكنهم يجحدونه أو يكتمونه بدافع حب الدنيا والرئاسة والتقليد الأعمى والتعصب والحسد. فهم يعرفون أن الإسلام خاتم الأديان السماوية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن القرآن الكريم خاتم الكتب الإلهية المنزلة، بل تبلغ معرفتهم بهذه الحقائق درجة يتمنون لو كانوا معها من هذه الأمة المحمدية الخاتمة حتى يحظوا بهذه النعم الربانية العظيمة، إلا أن الحسد والجمود والجحود وحب العاجلة تحول بينهم وبين الدخول في دين الله الحق. وفي الحديث الذي بين أيدينا ما يدل على ذلك . فهذا اليهودي عندما سمع قول الله عز وجل يتلى «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا «أدرك قدرالفضل الإلهي المنزل في هذه الآيات النورانية ، وتمنى - تمنيا ضمنيا - لو أنزلت هذه الآيات على قومه اليهود إذن لاتخذوا اليوم الذي أنزلت فيه عيدا. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم سادة العلماء، وقادة الحكماء، ولا سيما الخلفاء الراشدين . فلما قال ذلك اليهودي ما قال لسيدنا عمر، قال الفاروق رضي الله عنه » قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة». ومعلوم أن خير أيام السنة يوم عرفة ، وخير أيام الأسبوع يوم الجمعة، الذي هو أفضل يوم طلعت عليه الشمس وفيه ساعة تستجاب فيها الدعوات، وتنال الرغبات . وما كان الله سبحانه ليجعل غير الأمة الإسلامية سباقة إلى هذا الفضل بعد أن جعلها خير الأمم «كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله» [سورة آل عمران، الآية العاشرة بعد المائة]، وبعد أن أكرمها بخير نبي وخيركتاب، وجعلها أمة شاهدة على الأمم الأخرى « لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا» [سورة البقرة الآية الثانية والأربعون بعد المائة]. وحري بالمسلمين اليوم أن يدركوا قدرهذا الفضل العظيم ، ويعملوا عملا جماعيا موحدا ليكونوا في مستوى هذا التشريف الإلهي بأن يطبقوا ما اقترن به في هذه الآية من علامات قبول ، وشروط شهود حضاري، وهي المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطهما الشرعية المحددة، وفي الإيمان بالله، والإيمان هو الركن الركين لكل عمل صالح في الإسلام، وهو الأ ساس المتين لكل فتح من الفتوحات في مختلف المجالات. إن نزول تلك الآيات التي أخذت بلب ذلك اليهودي حتى تمنى لو أنزلت على قومه فا تخذوا يوم نزولها عيدا ، كان في يوم عرفة ، يوم الجمع الأعظم الذي يمثل الأمة الإسلامية بأسرها ، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة الا تحاد والتكافل والتضامن والعمل المشترك والدفاع المشترك والتوزيع المشترك لخيرات الأمة والتنمية المشتركة لقدرات أبنائها ومدخرات أرضها وإبداعات علمائها والتحقيق المشترك لتطلعاتها إلى ما هي له أهل من المجادة والسعادة ، والشرف والريادة. وكان اليوم الذي أنزلت فيه تلك الآيات هو يوم الجمعة ، عيد المؤمنين الأسبوعي، اليوم الأغر الذي تسبقه الليلة الزهراء، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة اجتماع الكلمة أيضا، والا جتهاد في العمل الديني، والعمل الدنيوي - وهما لا ينفصلان - كما أشار إلى ذلك الحق سبحانه في سورة الجمعة إذ قال عز من قائل «ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون»[ الآيتان التاسعة والعاشرة]. لذلك لم يكن العيد بلبس الجديد، والتفاخر بحطام الدنيا الزائل، بل هو بالا جتهاد في العلم النافع والعمل الصالح بما يعود على الأمة بالخير، ويجعلها متمتعة بهذا الفضل المذكور في الآية من معرفة الدين الكامل، والتنعم بالنعمة التامة، والالتزام بالدين الذي رضيه لنا الله سبحانه وتعالى، الإسلام الذي لا صلاح للإنسانية إلا به، ولا فلاح لأبنائها إلا في أحضانه.