يوفر مشروع قانون المالية المعروض للمناقشة في المؤسسة التشريعية المناسبة السانحة لتعميق النقاش حول قضية الثروة في المغرب وأزمة توزيعها، فالخطاب الملكي كان صريحا في لفت الانتباه إلى الفجوة الكبيرة الموجودة بين نسب النمو المحققة وبين الجهات المستفيدة من عائداتها، والمفترض من هذا المشروع الذي يعكس رقميا وإجرائيا رؤية الحكومة واستراتيجيتها، أن يقدم جوابه عن سؤال العدالة في الاستفادة من الثروة الموجودة في المغرب ومن عائدات النمو. عمليا، الجواب عن هذا السؤال ينبغي أن يلتمس في الشق الاجتماعي، بحكم أن المتضرر الأكبر من هذه الفجوة الموجودة هي الشرائح الاجتماعية الفقيرة والفئات الهشة، فتقييم السياسات التي اعتمدتها الحكومة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ومواصلة البرامج الاجتماعية القطاعية وإنعاش الشغل، هو الذي يقدم لنا أرضية لاختبار هذا الجواب ومدى قدرته على سد هذه الفجوة أو التقليص من حدتها. لكن هذا التقييم لا يكون له أي مصداقية من غير استحضار الشروط التي كانت عليها وضعية الاقتصاد المغربي، والسياق المتقلب الذي طبع الاقتصاد العالمي، وبالتحديد اقتصاديات اليورو التي يرتهن إليها جزء كبير من معطيات الاقتصاد الوطني، إذ لا يمكن لأي بلد في ظل ظروف صعبة محكومة باختلالات عميقة في التوازنات الماكرو اقتصادية أن يقدم على انتهاج سياسات اجتماعية مكلفة. اليوم تغيرت الظرفية، فبعد أن نجح المغرب في استعادة الجزء الأكبر من هذه التوازنات، صار هذا السؤال راهنا وملحا، وصار السؤال الأكثر إلحاحا ضمن هذا الشق الاجتماعي هو الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة لإنعاش الشغل. المعطيات الرقمية تؤكد بأن نسبة البطالة ارتفعت ما بين 2011 و2014 من 8.9 إلى ما يزيد على 10 في المائة، هذا في الوقت الذي سجلت فيه المؤشرات المالية تناميا ملحوظا لنشاط القطاع الصناعي وللاستثمارات الأجنبية، مما يعني أن التحدي الذي ينبغي يجيب عنه مشروع قانون المالي الجديد ليس هو فقط استعادة التوازنات الماركرو اقتصادية ومواصلة إصلاح أعطاب النموذج التنموي، وإنما هو أيضا أن تسهم تفعيل استراتيجية الحكومة لإنعاش الشغل في جعل أي تقدم للمؤشرات الاقتصادية ينعكس على سوق الشغل وانخفاض نسبة البطالة. وفي انتظار تفعيل الاستراتيجية الوطنية للشتغيل، ثمة على الأقل ثلاث إجراءات واعدة تضمنها مشروع قانون المالية، وسيكون لها اثرها البين في خفض نسبة بالبطالة وإنعاش التشغيل: 1- الأول وهو الأهم: وهو تفعيل المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية، وإحداث صندوق لدعم القطاع الصناعي بغلاف مالي قدره 3 مليار درهم، وهو ما سيمكن من خلق 500 ألف منصب شغل موزعة ما بين الاستثمارات المباشرة وبين النسيج الصناعي المتجدد. 2- والثاني: يتمثل في التحفيزات التي منحت للمقاولات من أجل تشجيع التشغيل، فإعفاء هذه المقاولات من أداء مستحقات صندوق الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية لمدة سنتين أو ثلاثة في حدود خمسة عمال، سيكون له تأثيره البين لاسيما إن تمت إحاطة هذه العملية بالضوابط القانونية التي تضمن الإدماج الفعلي لهؤلاء. 3- والثالث: وهو سد الثغرات الخطيرة لوكالات إنعاش الشغل التي كانت توظفها كثير من المقاولات لسد حاجتها من الموارد البشرية والاستفادة من دعم الدولة من غير تحقيق اي عائد على مستوى الإدماج، فيالوم، وبمقتضى إجراءات مشروع قانون المالية صارت الاستفادة من هذا الدعم رهينة بتحقيق 60 في المائة من الإدماج في المرحلة السابقة، وهو ما يعني بأن دعم الدولة صار لعملية الإدماج لا للمقاولات. التقدير أن هذه الإجراءات جد مهمة، لكنها لا تشكل بديلا عن الثمرات المنتظرة للاستراتيجية الوطنية للتشغيل، ولا عن تفعيل نظام المقاول الذاتي، أوبرامج التشغيل الأخرى التي كانت معتمدة في السابق. نعم، لا يمكن تحقيق طفرة في التشغيل من غير دعم للمقاولة المغربية، لكن في المقابل، ينبغي الحذر من الاستمرار في منطق الدعم الذي لا يضمن تحقيق النتائج المرجوة من ورائه.