تعتبر مدونة الشغل النص القانوني الذي يبين مجموع القواعد المتعلقة بتنظيم العلاقات الاجتماعية داخل المقاولة وفي سوق الشغل. وذهب المشرع المغربي بالعمل بنظام مندوبي الأجراء في جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء دائمين حسب نص المادة 430 من مدونة الشغل، لكن المشرع رغبة منه في تشجيع نظام مندوبي الأجراء، فإنه خول مع ذلك للمؤسسة التي تشغل أقل من عشرة أجراء دائمين إمكانية اتباع نظام مندوبي الأجراء، وذلك بمقتضى اتفاق كتابي فيما بينها وبين أجرائها أو فيما بينها وبين منظماتهم النقابية حسب المادة 431 من مدونة الشغل، والمادة الثالثة من قرار وزير التشغيل رقم 2288.08 بتاريخ 17 دجنبر 2009. وأسندت المدونة لمندوبي الأجراء عدة مهام تتعلق بتنظيم الشغل بالمقاولة، سواء تعلق الأمر عند وضع النظام الداخلي، أو عند تشغيل الأجراء خارج مدة الشغل العادية، أو عند تنظيم الراحة الأسبوعية، أو عند تولي المشغل تحديد توزيع تواريخ العطلة السنوية، أو عند المشاركة في التدبير الاقتصادي والاجتماعي للمقاولة من خلال عضويتهم الإلزامية في لجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة، ومؤازرة الأجراء عند تأديبهم، وأي تجاوز لها من طرف الجهة المشغلة يعتبر خرقا يستوجب التعويض. في قضية اليوم سنتوقف عند نزاع شغل؛ فما هي حيثيات هذا النزاع؟ تقليص ساعات العمل يشتغل محمد لدى شركة بمكناس كعامل منذ 98/1/1 بأجرة شهرية قدرها 3663 درهم، إلا أن مشغلته وبشكل مفاجئ اتخذت قرارات اعتبرها "جائرة" بالتقليص من ساعات العمل العادية دون تبرير، ودون أن تطلع مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة أو مفتشية الشغل بذلك، حسب الرسالة الإخبارية للشركة التي أدلى بها المعني أمام هيئة المحكمة والتي تقضي بالتقليص من ساعات العمل العادية إلى 22 ساعة في الأسبوع بدلا من 44 ساعة. قرار التخفيض الذي قررته الشركة تم الشروع في تطبيقه ابتداء من 03 شتنبر 2012، والقرار الذي اعتبره محمد "تعسفيا" لكونه خرق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 185 من مدونة الشغل، التي تقضي أن التقليص عن مدة الشغل متصلة أو منفصلة لا ينبغي أن تتجاوز ستين يوما في السنة وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة. من جهة أخرى، فإن مدة التقليص غير محددة ولا منتهية، لذلك طالب العارض محمد وباقي العاملات والعمال عبر مكتبهم النقابي المنخرطين في النقابة قبل اللجوء إلى القضاء في الدخول في مفاوضات ونقاشات وحوارات مع المشغل قصد الرجوع الفوري إلى مدة العمل العادية بعد استنفاد المدة القانونية لتقليص ساعات العمل إلى غير ذلك من المطالب المشروعة، وذلك على مستوى المندوبية الإقليمية للتشغيل التابعة لسيدي البرنوصي وعلى مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، لكن بدون جدوى بسبب تصميم الشركة على موقفها، ولاسيما الأجر الذي عرف تدنيا كبيرا إلى دون الحد الأدنى للأجر بسبب تقليص ساعات العمل العادية عن المدة المسموح بها قانونا. وعلى هذا الأساس فإن قرار الشركة بالتخفيض من ساعات العمل العادية وإغلاق الشركة دون الحصول على الإذن من السلطات المحلية يعتبر خرقا للمادة 66 و67 من مدونة الشغل، حسب الدعوى المقدمة أمام المحكمة الإبتدائية الدارالبيضاء، كما يشكل فصلا تعسفيا مقنعا وتسريح جماعي للعمال مما يجعل الطرف المدعي يستحق التعويضات التالية: عن الضرر : 180.000 درهم عن أجل الإخطار : 20000 درهم عن الفصل : 180000 درهم عن الأجرة الشهرية : 70000 درهم عن تقليص ساعات العمل : 30000 درهم وعن الأقساط المقتطعة من الأجرة والغير المؤداة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد إجراء خبرة قضائية، بالإضافة إلى تمكين العارض من شهادة العمل وفق البيانات القانونية تحت طائلة غرامة مالية قدرها 200 درهم عن كل يوم تأخير. جواب الشركة أدلت الشركة المدعى عليها بمذكرة جوابية جاء فيها أنه بخلاف ما جاء بمقال المدعي فإن قرار التخفيض من ساعات العمل عن المدة من 3/9/2012 إلى 31/10/2012 كان مستوفيا كافة الشروط القانونية حيث تم اتخاذه بموافقة مندوبي الأجراء بعد المناقشة الجماعية والاطلاع على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها الشركة، وجسامة المخاطر التي تحف بها كما هو ثابت من خلال محضر الاجتماع المرفق، وتأكيد مشروعية القرار هو تعليقه بسبورة الإعلانات بالشركة وبعد إشعار مفتش الشغل بنسخة منه بتاريخ 26/08/2012 وتنفيذه من طرف المدعي وباقي العمال. وبالتالي فإن هذا القرار لم يكن محل أي طعن من قبلهم، ولا مجال للقول بأن هناك فصل مقنع، خاصة أن الطرف المدعي نفذ فعليا قرار التخفيض من 03/09/2012 إلى غاية 24/10/2012 كما هو ثابت من خلال ورقة التنقيط ثم استأنف العمل ثمان ساعات في اليوم لذلك يبقى الطعن في قرار التخفيض غير ذي موضوع. من جهة أخرى، الطرف المدعي وقف عقد الشغل وذلك بدخوله في اعتصام غير مشروع ومفتوح مع باقي العمال منذ 08/11/2012 رغم صدور أمر استعجالي رقم 1200 الصادر بتاريخ 06/12/2012 و القاضي بفك الاعتصام بالرغم من محاولة تنفيذه ثلاث مرات، فالعارضة لم تغلق الأبواب ولم تطرد العمال بل هم الذين رفضوا الالتحاق بالعمل، وهذا تابت من خلال محاضر المعاينات. وحيث أن العمل القضائي اعتبر أن الإضراب مع احتلال أماكن العمل يعتبر غير مشروع، لذلك ليس هناك أي طرد تعسفي لأن الاستمرار في احتلال أماكن العمل مع ارتكاب أعمال إجرامية خطيرة قبل رفع الدعوى، منها احتجاز مستخدمين غير مضربين وضرب وسب حارس الشركة وإحداث ثقب كبير بالجدران، والعصيان في مواجهة المفوض القضائي ورجال الأمن وارتكاب السرقة الموصوفة بمقر الشركة. وعليه ترى الشركة في مذكرتها الجوابية أن الطرف المدعي هو الذي أنهى عقد الشغل من جانبه دون تعرضه لأي فصل تعسفي مما يتعين معه التصريح برفض الطلب. وفيما يخص طلب العطلة لموسم 2012 فإن الطرف المدعي توصل بها كما هو ثابت من خلال ورقة الأداء، وبالنسبة لأجرة شهر نونبر أجابت العارضة بأن الطرف المدعي يستحق الأجرة عن الأيام التي اشتغلها دون التي كان في عطلة وفي حالة اعتصام لأن الأجر يكون مقابل العمل. من جهة أخرى، أثارت العارضة بأن هناك مجموعة من العمال غير المضربين على استعداد للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة من خلال الأمر بإجراء بحث في النازلة. حيثيات الحكم تعذرت محاولة التصالح بين الشركة ومحمد لتمسك كل طرف بموقفه، فالشركة أكدت على أنها تعرضت لأزمة اقتصادية خلال صيف 2011 نتيجة اعتصام عمالها مما دفعها إلى اتخذ قرار تخفيض ساعات العمل وفق القانون عن المدة من 1 يونيو 2012 إلى متم يوليوز 2012 بعد الموافقة عليه من طرف جميع العمال، وتم تفعيله بعد تعليقه بسبورة الإعلانات ودام مدة ستين يوما، وأنه بعد انتهائها استأنف العمال ومن ضمنهم الطرف المدعي العمل بشكل عادي وخلال الأسبوع الأول من شهر غشت 2012 استفادوا من العطلة السنوية المؤدى عنها، وبعد استمرار الأزمةالاقتصادية اضطرت المشغلة مرة ثانية إلى تخفيض ساعات العمل العادية إلى 22 ساعة بدلا من 44 ساعة عن المدة من 03/09/2012 إلى غاية 31/10/2012 وتم تفعيله بعد إشعار مفتش الشغل بذلك دون أي طعن من قبل الطرف المدعي. ومن جهة فإن المدعي استأنف العمل بتاريخ 05/11/2012 وفق النظام العادي لساعات العمل ثمان ساعات في اليوم الذي استمر إلى غاية 08/11/2012، حيث خاض العمال إضرابا مفاجئا واعتصاما غير مشروع ومفتوح منذ ذلك التاريخ إلى غاية 31/10/2012، حيث تم فك الاعتصام بواسطة القوة العمومية، وهذا يؤكد أن المشغلة لم تغلق أبوابها على الإطلاق ولم تطرد العمال كما تشهد على ذلك محاضر المعاينات المنجزة من طرف المفوضين القضائيين، مما تكون معه واقعة الطرد المقنع منتفية في نازلة الحال، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي بأن الإضراب المباغث والمقرون باحتلال الأماكن مع عرقلة العمل يعتبر غير مشروع مما يتعين معه رد الدعوى لكونها غير مؤسسة قانونا. المحكمة بعد دراستها للملف من مذكرات جوابية وتعقيبية والوثائق المضمنة به تبين لها أنها تتوفر على حجج كتابية للبت في النازلة دون حاجة إلى الأمر بإجراء بحث. ولئن كانت المشغلة قد قررت تخفيض ساعات العمل للوقاية من الأزمة الاقتصادية التي مرت بها و لمدة ستين يوما، فإنها قررت للمرة الثانية تخفيض ساعات العمل إلى 22 ساعة في الأسبوع بدلا من 44 ساعة ابتداء من 3 شتنبر 2012، لكن دون تحديد أجل إنهائه ودون الإشارة إلى اتفاق مندوبي العمال والممثلين النقابيين على هذا التخفيض مادام أن عدد العمال يفوق 245 عامل وعاملة كما هو تابت من خلال أصل الرسالة الإخبارية التي تحمل رقم 12/407 الموجهة من قبل المشغلة للمندوب الإقليمي للشغل. حيث تبين من خلال هذه الرسالة أن الشركة قررت بإرادتها المنفردة تقليص ساعات العمل قبل الوصول إلى اتفاق مع مندوبي العمال والممثلين النقابيين كما هو منصوص عليه في المادة 185 و 186من مدونة الشغل، بدليل أن محضر الاتفاق المؤرخ في 06 غشت 2012 يشير إلى أسماء مناديب للعمال ليسوا باللذين كانوا يحضرون الاجتماعات للتفاوض بخصوص النزاع حول القرار الثاني لتخفيض ساعات العمل كما تبين للمحكمة غياب تام للممثلين النقابيين مما يجعل محضر الاتفاق أعلاه غير مشروع ومخالف للفقرة الرابعة من المادة 185 من مدونة الشغل، والتي نصت بصيغة الوجوب على أنه إذا كان التقليص من مدة العمل العادية تزيد مدته عن الفترة المحددة في الفقرة الأولى منه، وجب الاتفاق بين المشغل ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي سيستغرقها هذا التقليص، وبذلك تكون المادة القانونية صريحة لكي يكون اتفاق التخفيض صحيحا ومنتجا لأثاره القانونية والأخذ به يتعين أن يتم الاتفاق بين المشغل ومناديب العمال والممثلين النقابيين لأن المشرع استعمل "واو" العطف لا مطلق الجمع ولم يستعمل "أو" للتخيير هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن المحكمة بعد اطلاعها على محضر عدم تسوية نزاع شغل جماعي أمام مندوبية الشغل و المحرر بتاريخ 14 نونبر 2012، والذي يستفاد منه أن مطالب العمال بواسطة المكتب النقابي هو الرجوع إلى مدة الشغل العادية بعد استنفاد مدة التقليص إلا أن ممثل المشغلة اشترط لفتح الحوار يتعين إنهاء الاضراب و فك الاعتصام من أجل تلبية مطلبهم المتمثل في الرجوع لساعات العمل العادية. ومن جهة ثالثة ظلت المشغلة متمسكة بقرار التخفيض الى 32 ساعة في الأسبوع ثم إلى 40 ساعة بعد مرور شهر إذا تحسنت الظروف الاقتصادية يتم الاشتغال بالمدة العادية. الثابت لما تم التطرق إليه أعلاه فإن المشغلة قررت تخفيض ساعات العمل دون استشارة مع مندوبي العمال و الممثلين النقابيين الذين رفضوا الاستمرار في التخفيض و المشغلة تقر بوجود أزمة مالية، وأصبحت غير قادرة على مواجهتها لذلك كان عليها أن تحصل على إذن من طرف العامل لتقليص ساعات العمل بعدما فشلت في الوصول الى اتفاق مع العمال بما فيهم الطرف المدعي لذلك يبقى قرارها غير مشروع و مخالف لمقتضيات المادة 67 و 185 و 186 من مدونة الشغل، مما يتعين معه التصريح بأنه فصلا تعسفيا مقنعا و كذا تسريحا جماعيا تماشيا مع ما سار عليه العمل القضائي في العديد من القرارات أهمها القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 18/02/2004 في ملف عدد 301/2003 الذي جاء فيه :(لكن حيث ان الطاعنة لما تعرضت لازمة اقتصادية و عوض ايقاف العمل نهائيا او اغلاق المعمل عمدت إلى التخفيض من ساعات العمل إلى حين تجاوز الازمة و طالت المدة الشيء الذي يشكل طردا مقنعا خاصة ان المشغلة لم تدل بما يستوجب التخفيض مما يشكل تعديلا في بنود العقد الجوهرية و هو الأجر فيكون بالتالي الأجير محقا للتعويض). وتطبيقا لمواد من مدونة الشغل وفصول من قانون المسطرة المدنية، حكمت المحكمة على المدعي عليها (الشركة) بتسليم المعني شهادة العمل تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها مائة درهم عن كل يوم تأخير، وتعويض: عن الإخطار بمبلغ : 7326,00 درهم عن الفصل بمبلغ : 75649,92 درهم عن الضرر بمبلغ: 76923,92 درهم عن أجرة ثمانية أيام من شهر نوفمبر بمبلغ 1127,07 درهم.