تستكمل حركة التوحيد والإصلاح خلال هذا الشهر استحقاقاتها الانتخابية لاختيار الهيئات المسيرة الجديدة، وتتزامن هذه الاستحقاقات مع مرور ثمان سنوات على اعتماد مبدأ غاية في الأهمية في ما يخص الممارسة العملية للديمقراطية الداخلية والتداول على المسؤولية، والمتمثل في تحديد مدة رئاسة الهيئات في ولايتين كاملتين متتاليتين، وهو الأمر الذي يترتب عنه إعفاء كل من استوفى الولايتين من رئيس الحركة و مجموعة من رؤساء الهيئات المسيرة. وما دام القانون يمنح الرئيس حق اقتراح أعضاء الهيئات المسيرة فإن ذلك يترتب عنه أيضا إعفاء بعض الأعضاء. لينتقلوا لوضعية جديدة قد يتولوا أحيانا مهام جديدة في مواقع مختلفة… . هذه الوضعية الجديدة التي ينتقل إليها البعض تحتاج لتواصل وتناصح ورعاية ومصاحبة ليستمر العطاء بعد الإعفاء. وبالمناسبة فهذه الوضعية هي نتيجة طبيعية لمحدد "المسؤولية بالانتخاب" التي كان أحد الأسس التي قامت عليها الحركة، و كذا شرط تحديد الولايتين. فأقول وبالله التوفيق لهؤلاء جميعا وأنا واحد منهم، وهو قول يشمل كل من سبقنا لهذه الوضعية: إذا كانت مغادرة الرئاسة أو العضوية في الهيئات المسيرة قد تشكل أحيانا منعطفا من الناحية الموضوعية بحكم أن وتيرة العمل في الوضعية الجديدة قد تكون أقل، والامكانيات البشرية والمالية التي تكون رهن اشارة المسؤول لم تعد متوفرة، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مبررا للفتور أوالتراجع، ولا للتراخي الذي قد ينتهي بالانسحاب والابتعاد. لذا فإن الأمر يحتاج لحشد الهمم وتجميع المحفزات لتفادي الاستسلام لهذه الأسباب التي تبدو موضوعية. وهذا المعنى يرشد إليه الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع" (صحيح البخاري) فهذا الحديث بقدر ما يثير انتباه المؤمنين إلى مسألة النية والقصد ودورهما المفصلي في قبول الأعمال الصالحة، بقدر ما يرشدنا إلى خصائص العاملين من أجل الآخرة ومنها: أن العبد الصالح يبقى على أهبة الاستعداد للعطاء دائماً وأبداً، كيفما كان التكليف، وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم "آخذ بعِنان فرسه في سبيل الله" ولئن كان الحديث يشير إلى الجهاد فإن معناه يتسع لكل معاني التضحية والبذل والعطاء. كما أن ذات العبد لا يبالي بنوع العمل الذي يؤديه سواء كان شاقًّا أو يسيرا، وسواء أكان فيه ظهور أمام الناس أو لم يكن، وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة" يعني أنه يعمل حيثُ وُجِد، لا يتبرّم ولا يتكرّه لأنه يعمل في سبيل الله. وإذا تأملنا في مسار الحركة فإننا نلاحظ تباينا وسط من انتقلوا إلى هذه الوضعية التي نتحدث عنها، وجب أن نذكر بعضا منها حتى نقتدي بأحسنها ونتجنب أسوأها، والحديث هو عن تجربة بشرية مفتوحة على كل الاحتمالات: - فنجد في إخواننا من غادر المكتب التنفيذي الوطني والتحق بالمكتب التنفيذي الجهوي أو مكتب المنطقة مثلا، واستمر بذله وعطاؤه بنفس الحماس والجاهزية. - ونجد في إخواننا من غادر الهيئات المسيرة للحركة وتحول إلى مسؤولية في الهيئات الشريكة أو الموازية لكنه استمر في ارتباطه بالمجالس التربوية، وفي حرصه على المساهمة الفعالة في الجموع العامة. - كما نجد من انتقل من رئاسة هيئة إلى مستشار بها، وشكل من موقعه الجديد سندا ودعما للقيادة الجديدة حضورا وانضباطا وإتقانا في تنفيذ المهام التي يكلف بها، وحماسا في إبداء الرأي من أجل التطوير والتجديد. وبالمقابل يجب أن نقر بأن هناك من تراجع وانسحب في هدوء، وقاطع كل هيئات الحركة بمبررات ومسوغات عدة. وأسوأ من ذلك من تحول إلى النقد الجارح بما يوهم أنه بغيابه اختل الوضع. و هذا ما يجب أن نجعله احتمالا واردا وندفعه دفعا. لقد أعطينا في حركة التوحيد والاصلاح المثال في التطبيق العملي لمبادئ الشورى، والديمقراطية الداخلية، والتداول على المسؤولية، واحترام هيئاتنا وقراراتنا، وهي في الحقيقة دروس كبيرة لنا قبل أن تكون لغيرنا، وإننا بقدر ما نفخر ونعتز بالنضج والرشد الذي عبر عنه إخواننا في مختلف المحطات، و آخرها الجمع العام الوطني الخامس، بقدر ما نود تجديد العهد على المضي قدما كل من موقعه، ذلك أن كل واحد منا على ثغر من الثغور، فليحذر كل منا أن يؤتى من ثغره. وهذا ما عبر عنه قديما بقولهم:" مقامك حيث أقامك". ولنعلم جميعا أننا في هذا المسار ننال من التسديد والتوفيق على قدر ما نبذل من أسبابه مصداقا لقوله تعالى :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " سورة العنكبوت 69. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل