تعقد حركة التوحيد والإصلاح بعد غد الأحد جمعا عاما استثنائيا من أجل اختيار رئيس للحركة عملا بمقتضيات قانونها الداخلي الذي يقضي بأنه في حالة استقالة رئيسها يتولى نائبه تسيير شؤون الحركة إلى غاية عقد جمع عام استثنائي في أجل 3 شهور. ووجه وقوفنا عند هذا الحدث ليس هو الجانب القانوني أو التنظيمي الداخلي من القضية ويكشف هذا الجانب عن تجذر الممارسة الشورية داخل الحركة، وهي الممارسة التي تؤطرها اللوائح الداخلية للحركة وفلسفتها التنظيمية، وللإشارة فإن هذه اللوائح تمنع التجديد لرئيس لأكثر من ولايتين متتابعتين، كما تفرض حدا أدنى من التجدد في قيادة الحركة. ولكننا نريد أن نقف عند وجه آخر من هذه الممارسة الشورية ويتعلق الأمر بمجموعة من الأخلاق التي بدونها ستفرغ النصوص المذكورة من محتواها ومنها وضع المصلحة العليا سواء للحركة أو للوطن فوق كل اعتبار، والبحث لكل مرحلة عن رجالها، وذلك وفق تقدير جماعي قد ينخرط فيه الأفراد المعنيون بالمسؤولية إذ يتحولون في كثير من الحالات إلى مدافعين عن صلاحية غيرهم لموقع المسؤولية أخذا بعين الاعتبار متطلبات المرحلة ومقتضياتها. ومن نفس المنطلق فإن درجة التقدير والمحبة من الأعضاء لبعضهم الآخر لا تمنعهم من أن يدلوا برأيهم بكل حرية مؤكدين وأمام المرشحين للمسؤولية أنهم لم يعودوا رجال المرحلة ولم يعودوا متوفرين على شروطها. هذه المعاني وجدت تطبيقها الواضح عند تقديم الدكتور أحمد الريسوني استقالته من رئاسة الحركة نظرا للحيثيات المعروفة، إذ لم يجد أقرب محبيه وإخوانه ممن يقدرونه وممن دافعوا عن أحقيته برئاسة الحركة خلال الجمع العام الثاني العادي للحركة حتى وإن انتخابه كاد أن يصل إلى حد الاجماع، نقول لم يجدوا غضاضة أن يعبروا عن رأيهم وأقروه على قرار استقالته حينما طلب مشورتهم. والأعظم من ذلك ما ورد في رسالة الدكتور أحمد الريسوني الموجهة آنذاك إلى أعضاء الحركة والتي أكد فيها أن تلك الاستقالة لم يملها علي سوى إيماني بوجوب إيثار المصلحة العليا والمصلحة العامة على المصلحة الدنيا والمصلحة الخاصة. كما اعتبر أن استقالة أي رئيس أو مسؤول حينما تتم لأسباب معقولة وبعد تشاور وتقدير إنما تعبر عن مقدار ما تتسم به الحركة من حيوية ومرونة وقدرة على التصرف المناسب في الوقت المناسب، كما تعكس ثقتنا في أن نكون فعلا حركة مبادئ ومؤسسات لا حركة أشخاص وزعامات مؤكدا استمرار عمله والتزامه التام ضمن الحركة ومؤسساتها العاملة ودعمه التام للرئيس الجديد. لذلك نقول إن الحركة الإسلامية لن تستحق هذه الصفة إلا إذا رسخت مثل هذه المعاني، وهي معاني لطالما اطلعنا عليها في نصوص القرآن والسنة والسيرة النبوية، ونذكر بالمناسبة ببعضها. وهكذا فحينما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة الجراح من أقوى المرشحين لخلافته فأتاه بعض المسلمين ومنهم عمر بن الخطاب ليبايعونه على الخلافة إلا أنه أبى وقال: أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة: يعني أبا بكر الصديق؟ ولما قاد أبو عبيدة الفتوحات وعقد معهم الصلح خاطبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قائلا: "أما بعد فإني قد وليت خالد بن الوليد قتال الروم في الشام فلا تخالفه واسمع له وأطع أمره، فإني وليته عليك وأنا أعلم أنك خير منه، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك أراد الله بنا وبك سبيل الرشاد" فما كان من أبي عبيدة إلا أن سلم القيادة لخالد بن الوليد بسماحة رحبة وتواضع عظيم. كان الصحابة رضي الله عنهم يفصلون بين ذواتهم وقضيتهم ولا يربطون القضية بالأشخاص فلم يكونوا يجدون غضاضة في أن يكونوا جنودا عاديين حينما تقتضي المرحلة ذلك ممثلين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه والذي قال فيه: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة. إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع".