أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي    ابتداء من غد الثلاثاء.. أطباء القطاع العام يضربون ل3 أيام    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    ذكر وأنثى فقط.. ترامب يتعهد بوقف جنون التحول الجنسي    الإيليزي يستعد للإعلان عن الحكومة الجديدة    الكرملين ينفي صحة تقارير إعلامية تركية عن حياة الأسد وزوجته بموسكو    الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي        شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه "إستقامتنا على طريق الحكمة"..! فأين إستقامتكم طريق الزحف والقومة؟
نشر في هسبريس يوم 05 - 11 - 2012


بسم الله الرحمان الرحيم
من امحمد الهلالي إلى فضيلة الأستاذ عبد الله الشيباني السلام عليكم ورحمة الله وبركات وبعد؛
فقد اطلعت على رسالتكم المفتوحة الموجهة إلى الأستاذ عبد الإله بن كيران وإخوانه والتي زعمتم أنها رسالة تذكير ونصيحة غير أنكم عجزتم عن النصح وتنكبتم عن آدابه وسقطتم في مماحكة سياسية وتعال وتجاسر لا يليق بمخاطبة الخصوم بله الإخوان .
أكتب إليكم متفاعلا مع ما جاء في رسالتكم بوصفي واحدا من هؤلاء الإخوان الذي وجهتم إليهم خطابكم ولكوني واحدا ممن تأذوا ليس بلمزكم وغمزكم وحسب، ولكن باتهاماتكم التي تجاوزت الظاهر إلى الباطن وتخطت الأعمال إلى النيات وتجاوزت المواقف والإختيارات إلى المساكن والجلبيات، وروجت لبهتان وكذب صراح لا تلوكه سوى البعض الألسنة في مجالس النميمة السياسة ممن لا شغل ولا مشغلة لهم .
سأخاطبكم بالجمع وأنا اقصد شخصكم وليس الجماعة وأناديكم بالأستاذ والأخ الكريم امتثالا لقول ربنا عز وجل "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا" الإسراء 53 وجريا على ما تلقينا في تربيتنا المتواضعة في التعامل مع المؤمنين وليس بما خاطبت به رجالا نعدهم فيمن صدقوا ما عاهدوا الله عليه بصرف النظر عن رأيكم فيهم ولا بما نعت به إخوانا شاركتهم البداية وفرقت بينكم الإجتهادات ليس إلا. قال تعالى "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" الأحزاب23
اعترف في البداية أن لا أعرفكم حق المعرفة كما اعرف بعضا من قيادات الجماعة من صفها الأول والثاني وحتى من الثالث ولم يكتب لي الشرف أن أطلع على كسبكم التربوي ولا على حصيلة أداءكم التنظيمي أو الزحفي ولم أعرف عنكم سوى كونكم صهرا للأستاذ عبد السلام ياسين وزوجا للمناضلة الأستاذة نادية كريمة الشيخ أطال الله عمره وبارك في جهده وتقبل الله منكم ومنا صالح الأعمال وأبركها آمين.
سيدي ما أجمل أن يشيع خلق النصح وفضيلة التناصح بين المؤمنين، والأروع منه والأنفع هو أن التخلق بآداب النصح وأخلاق التناصح وأن يطهروا أعمالهم من محبطاتها وان يصونوا حسناتهم من الإفلاس، قال الله تعالى "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ" الأنعام (160)" وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم " فيما رواه أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون من المفلس " ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال : " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، وكان قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته، قال : فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار وعنه أيضا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فجعلت عليه "
أخي العزيز رفقا بنفسه ورفقا بحسناته فإني أراكم جاوزتم وتجوزتم على أخيكم وعموم إخوانكم فقد اتهمتهم بلا حجة وسفهت أحلامهم بلا حق، فبم ستلقى مولاك عندما يقف من ستلقونهم "بألسنة حداد أشحة على الخير" خصوما لكم أمام الديان . كيف تجرأ على اتهام إخوانكم بتدبير شؤون مقاولاهم في مكاتب دواوينهم ومتى كان المقياس في الشرع ما ذا يسكن فلان وما يلبس علان .
وهل من مقتضيات "الأخ" و"الإخوان" و"الأخوة" أن تنعت الأستاذ بن كيران بما نعته من نعوت "سلاطة اللسان" وأنه مجرد "مناضل بشعار الإسلام" و"عدم التورع في تصدر شباب صادق" و"سوقهم إلى خدمة المخزن" و"أذى اللسان وإسفاف الحطاب؟".
أم ترى أنه من صميم النصيحة رمي اجتهاد غيركم بما جاء في رسالتكم من قبيح الصفات من مثل "الإستقامة على طريق الدعوة بالحكمة" فرارا من الابتلاء وركونا للذين ظلموا أو "تقديم آيات الولاء بالبلاغ ثم الانصياع بالبيان وتأكيد ذلك بالسلوك المتعقل" تحت مراقبة ومتابعة وتوجيهات الخلطي وعلابوش مستدلا بما ينشر في الجرائد وخاصة لرجل انتهت به العاقبة إلى ما انتهت إليه وفي توقيت مخدوم، وهل نصدق نحن أيضا ما ينشر في الجرائد في حق الجماعة وفي حق بعض قياداتها ورجالها ونساءها أم يرضيك أن نحيل على بعض الملفات والأعداد المنشورة .
لقد تعلما في مجالس التربية أن العبرة فيما إذا كان الملبس حلالا والمأكل حلالا والمسكن حلالا، بل والمكسب من حلال والمنفق في حلال أما إذا تحول الشرع عنكم هو ثمن جلابة فلان وكسوة علان فعلى الدعوة السلام .
ثم نتساءل معكم حول من تعنون بتلك الأراجيف ممن استطابوا سكن الفيلات وتسابقوا على اقتناء الجلابيات 3000 درهم وكسوة 7000 درهم عمن تتحدثون يا رجل ؟. هل تعرفون معادن من تتحدثون عنهم بهذه الكلام فما يصلنا نحن هو عكس مزاعمكم إذ يعيبون على الوزراء هندامهم المتواضع وتنقلهم في القطارات وسيارات الكونكو وسكنهم في الأحياء الشعبية وأكلهم الطعام مشيهم في الأسواق مع الناس وأرجو أن لا تحول تهمك الثقيلة هاته إلى غيرهم من وزراء التحالف لأن ثقافة جديدة بدأت بالمغرب ولا تستثني أحدا في العمق مما لا يتراء لأمثالكم.
إذا كنتم لا تعرفونه الوزراء فقد عرفهم الشعب برفض غالبيتهم الساحقة "إلا من اضطر غير باغ" تغيير بيوتهم وجيرانهم وعلاقاتهم وحتى محلات اقتناء أغراضهم الشخصية، بل وأزيدكم أن بعضهم لم يكتفي برفض تغيير مسكنه بل رفض أن يتسلم جزء من راتبه المخصص للسكن تورعا وهو جزء لا يتجزأ من التعويض عن المهام التي يفرض عليه أن يتفرغ لها، وأن بعضهم الأخر لم يكتفي بترك أشغاله الخاصة التي كانت تدر عليه أضعاف ما هو تعويضه الوزاري، بل وصل الأمر ببعضهم الأخر أن يكف عن كتابة المقالات العلمية في المعرفة الشرعية وغيرها مخافة أن يحاسب على الوقت الذي يتطلبه مثل هذا المقال ومخافة أن يكون ذلك على حساب الأمانة التي طوقت عنقه ولا أريد أن استرسل في أعطائكم مئات الأمثلة في هذا الاتجاه حتى لا اكسر بها ظهور القوم من جهة ولو فعلت لظن كثير من أمثالكم أنما أتحدث عن ملائكة وليس بشرا من هذا الزمان.
فقولوا لي بربكم هل سبق أن سمعتم عن مثل هذه القيم والأخلاق، وعن هذا الحرص على الآخرة بهذا المستوى في وقتنا الراهن أو في حركة من الحركات ؟ ألا يذكركم هذا فقط بما درسناه في مجالس التربية من إشراقات في سير الصحابة والصالحين؟ ألا ترى في ذلكم إحياء لما شاع عن الخليفة الخامس عمر ابن عبد العزيز رحمه الله الذي تحبون التذكير به ونرجو الله أن يوفقكم للتخلق ببعض أخلاقه.
لقد وضعتم أنفسكم في مقام الناصحين والواعظين ورسالتكم هاته أحوج ما تكون إليه، وأحلتم على التربية ثلاثا غير أن خطابكم في هذه "النصيحة" أكثر فقرا إلى التربية الحقة أو أن هذا النموذج من التربية الذي أنتج مثل هذا الخطاب هو الذي يفتقر إلى معين وفقه التربية ومقاصد التزكية.
لقد صادرتم عن إخوانكم نعمة العقل وملكة الفهم وخلتهم قطيعا ينساقون وراء أي كان، ولاسيما إذا كان رجل أوتي كما وصفتم من فتوة الشباب وقوة العزيمة ووضوح الرؤية ولن أبوأ بتكرار ما كلته له من سباب وما نسبته إليه من قدح، لإيماني أنه لا يضر عبدا كائنا من كان أذا شهد له من يعرفه ومن يتعامل معه وملايين من شعبه ممن يتابع أداءه في حمل الأمانة أن يأتيه تقديح ممن له معه حساب قديم أو جديد يسعى إلى تصفيته منتحلا صفة النصح ومتقمصا لدور الوعظ . لسبب بسيط هو "أن الله يدافع عن الذين آمنوا" الحج 38.
أخي الكريم لقد صادرتم عن آلاف الرجال والنساء حق الاختيار واعتبرتهم جماعة من منزوعي الإرادة خائري العزائم مقيلين مستقيلين ومعطلين لما حباهم الله من عقل وما انعم عليهم من بصيرة وتصورتهم مريدين "لا يملكون إلا ما يملكه الميت أمان غساله" إذ يمكن أن يكونوا رهن إشارة هذا الزعيم أو ذاك الشيخ بل ورهن إشارة المخزن. وتحول الآلاف من الناس بما فيهم من علماء وخبراء عندكم إلى مجرد كائنات قابلة "للحشر في الحزب- القالب الذي سيمنحه الشكل المطلوب لأداء الغرض المقصود" ما لكم كيف تحكمون؟
ورددتم ما يلوكوه بعض الخصوم والحساد من مقولات مشروخة وروجتم دون انتباه لإدعاءات روجها عن جهل وظلم بعض الإخوان قبل ثلاثين سنة قبل أن يعفو الله عنه منها، وها انتم تكررون ما اعتبرتموه تمخزنا وركونا وهلم جر من قاموسكم الشتائمي، والمشكل هو أنكم تعتبرون ذلك من مقتضيات "التربية ثم التربية ثم التربية" أي تربية هذه التي تسمح لأمثالكم بنهش لحوم إخوانه والتعريض بهم وبنايتهم والافتراء على بعضهم إننا لا نملك أمام هذه الظلم إلا أن نقول لكم ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قلنا : كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد ؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها نزلت فينا.
إننا في الحركة - وهنا لا أتكلم باسمها - تعلمنا في مجلس التربية ومحاضن التزكية الإيمانية خلق إحسان الظن بالمؤمنين وإقالة عثرة الصالحين ليس فقط فيما يخطونه بوعي من اجتهادات وما يتوصلون إليه من قناعات بل حتى في ما يرميهم به خصومهم وحسادهم من تهم وما يحاولون إلصاقه بهم وبأعراضهم من مشائن.
وهنا أحب أن أذكركم ببعض المواقف التي وقفناها بمقتضى هذه التربية وندع لكم إمكانية المقارنة مع ما جاء في رسالتكم من تربية.
فعندما تعرضت بعض أخواتنا وأخواتنا في جماعة العدل والإحسان في أعراضهم وذممهم وسمعة أسرهم منعتنا تربيتنا المتواضعة مجرد الشك والتصديق لما ترويجه بإحكام وعلى نطاق واسع في الجرائد والمنابر والمواقع، وهو موقف لا نمن به ولا نلتمس مقابلا له على احد، وإنما نذكر بما قادتنا إليه التربية على إعمال مبدأ حسن الظن بإخواننا وأخواتنا ومقتضى الحكم بالظاهر وترك الباطن لمن لا تخفى عليه خافية ويعلم ما تخفي الصدور.
كما علمتنا التربية التي نعتبرها مسؤولية ذاتية وخلاصا فرديا لا وصاية لأحد عليها ولا فضل فيه سوى للحوافز الإيمانية وهو جوهر الخلاف بين تربية وتربية وعنصر من عناصر التمايز بين شرعة وأخرى .
إن عقودا من الاجتهاد وسنين من الجد والكد بحثا عن الصواب في وحي الله المسطور وكتابه المنظور، وأن مسيرة طويلة من التنقيب في سير الأولين وعبر الصالحين في التربية وفقهها والدعوة وسبلها والسياسية ومقاصدها، إذا كان كل ذلك بالنسبة إليكم ليس سوى تمخزنا أو ركونا أو جبنا، فليس لنا إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله . وحسبنا الهي ونعم الوكيل في تحليل يختزل اجتهادا ربانيا وفعلا تاريخيا في عامل خارجي يرجع إلى حنكة المخزن وإلى "عين المخزن التي تراقب ثمار دهائها وهي الداهية في التشتيت والتفريق والاحتواء" أو راجعا إلى عامل داخلي لما عبرتم عنه لمزا بالجبن وإيثار السلامة الشخصية والركون إلى الذين ظلموا بزعمكم وما رمزتم إليه "بالاستقامة على طريق الدعوة بالحكمة" فرارا من تصفية مجالية بالنفي أو نصفية جسدية بالسجن يا عجبا !
أخي الكريم نصبتم أنفسكم خبيرا في التحليل النفسي وأرجعت النتيجة الطبيعة لاجتهاد بدأ مذ نهاية السبعبنات والمتمثل في البحث الواعي عن سبيل للولوج إلى العمل السياسي على انه نتيجة لصدمة الأب الأول وتعويضه بأب ثاني يكون مفتاح لولوج العمل السياسي المرغوب فيه، وتناسيتم أن ما تعرضت له الحركة من ابتلاء مبكر دفعها إلى المراجعة الأهم التي أخرجتها من تسلط الزعامات الشخصية إلى رحاب المؤسسية وعوضت بها مشروعيات "السابقة التاريخية" أو "مشروعية الابتلاء" أو "مشروعية الكارزما" أو حتى "مشروعية الأسرار الروحية" بمشروعية واحدة هي "المشروعية الانتخابية على منهج النبوية" والقطع مع ثقافة الملك الجبري أو الملك العاض في التنظيم الداخلي وفي بين الأعضاء والمسؤولين قبل الانتقال إلى معالجتها بالتي هي أحسن في المحيط الخارجي في الثقافة كما في السياسة.
يؤسفني سيدي الكريم أن تضرب صفحا عن كل الرؤى والتصورات التي نظرت لها الحركة في أدبياتها قبل أن تسعى إلى تنزيلها منذ مطلع التسعينات، وتصور نجاح الحركة في تحقيق ما خططت له في سيناريوهاته المختلفة على أنه مسار موحي به وخدمة للمخزن قاد الإستاد بن كيران الشباب الطاهر إليه، لو قالها غيرك لالتمسنا له العذر عن جهله بهذه الأدبيات وهذا المسار، ولكن أن تصدر هاته التهم عن شخص ظل ملازما للقيادات لكل هذه السنين وقريبا من مصدر القرار والتفكير في الجماعية قبل أن ينتخب أخيرا في الدائرة السياسية فذلك لعمري هو التجني بعينه .
أحي الكريم نصبتم أنفسكم حكما على مسيرة حركة، ومسار اجتهاد، اختار أن يشق طريقه غير متناكف مع احد، وغير مبال بغارات النيران الصديقة، وأصبح كل ذلك في نظركم مجرد مسار موحى به، وتحولت في رأيكم حقوق طبيعة انتزعها إخوانكم بجهدهم وجهادهم وكدهم وصبرهم على أذى الخصوم وإذاية ذوي القربى من الإخوان، تحولت هذه الحقوق إلى منح وشباك من شباك المخزن وأيادي أخطبوطه وليس لنا والحال هاته سوى أن نطلب منكم عن أن ترشدونا إلى الجامعة التي تعلمتم فيها هذا التحليل أو تدلونا على منبع استقائكم لهذا العلم وهذا الفهم .
هل وصل بكم الأمر حد أن تستكثروا علينا حصولنا على بعض ما يتمتع به غيرهم من حقوق؟ ويكبر عنكم حد الاستهجان أن نتمتع بحق إصدار البلاغات وان نعقد اللقاءات وأن ننتزع حقنا الطبيعة في المشاركة في تدبير الشأن العام دعويا كان أو ثقافيا أو سياسيا بعد نضال مرير في سبيل انتزاعها ؟
وهل استكثرت على إخوانكم أن يبرز منهم المحاضرون والخطباء والكتاب والعلماء والأكاديميون والخبراء ؟ وهل أغاظكم أن ينجح هذا الاجتهاد ويؤتي بعضا من ثماره العاجلة في انتظار حصيلته الآجلة ثوابا وقبولا وفوزا بخير الدارين بإذن الله؟، أم عز عليك أن تراهم نجحوا في إنجاز وحدة إسلامية اخفق فيه غيرهم وفي عز دينامية الانشقاق؟.
أخي الكريم دعنا نذهب معكم بعيدا ونفترض أن إخوانكم جبنوا أمام التهديد بالتصفية المجالية واختاروا التصفية المعنوية على التصفية الجسدية وتحولوا من طلاب آخرة إلى مؤثرين لدنيا وبالعبارة المحببة إليكم خداما للمخزن، فلما كل هذه الحرب علينا في المعارضة وفي الحكومة وقبل المشاركة وبعد المشاركة ؟.
ثم كيف تنظر إلى الاتجاه الغالب في الأمة قبل حوالي قرن وفي جهات الدنيا الأربع الذي يسلك نفس النهج ويقف نفس المواقف؟ هل الإخوان المسلمين وفروعهم في العالم الذين عملوا بهذا المنهج في الشدة والرخاء هل هم أيضا خداما للمخزن؟ وهل الحركة الإسلامية التركية طيلة مسيرتها وفي ظل نظاما علمانية معاد للدين ومنكل بالمتدينين أيضا مجرد خداما للمخزن الأتاتوركي؟ وهل والجبهة في الجزائر والإسلاميون في موريتانيا والنهضة في تونس منذ برقيبة وفي ظل بن علي واليوم مجرد خدم للمخزن أن تراه ضعف الحجة وقلة الحيلة مع قواعد باتوا متعطشين للقيام بواجبهم والنهوض بمسؤولياتهم؟ هو دافعكم إلى التهجم على منهج ارتفعت جاذبيته وتخشى مفعوله على ما تروجه من أطروحات لمتعد تقنع أحدا.
دعنا نذهب مع منطقكم إلى أبعد الحدود ونسلم معكم أن خيارنا الإصلاحي هو خدمة للاستبداد وإفشال الثورة، لكن من منعكم عدما جد الجد وعندما نهضت الشعوب وضحت فكان لها ما كان من إسقاط أنظمتها الغاشمة أن تحدوا حدوها بل أن تكونوا في طليعتها؟ فأين زحفكم الذي ناديتم به؟ وما مصير القومة التي بشرتم بها وأين الرؤى المتواترة سنة 2006 ؟ ولم تخلفتم عن الثورة أم تنتظرون ينجزها بدلا عنكم فيدفع الثمن غيركم وتجنون أنتم الثمار.
أن الفرق بيننا وبين غيرنا هو أننا اقتنعنا مذ نهاية السبعينات بمنهج الإصلاح وجد طلبنا فيه وهانحن نتقدم بثبات خطوة خطوة وفقا لما نخطط له جريا على ما هو معمول في سائر أمتنا وغيرنا اكتفى بالتنظير غير الواقعي وحبس شبابه في نظرية جديدة من نظريات الانتظار لمهدي قد يأتي وقد لا يأتي نسال الله أن يفرج غيبته كبرى كانت أم صغرى.
لكل وجهة هو موليها:
زعمت أن الله عرض على بن كيران وعلى من سميتهم بالاسم وعلى شباب الإسلام "مربيا روحيا وقائدا عالما مجددا في الفكر والإيمان والجهاد" وهلم جر من الصفات التي أضفيتموها على مصحوبكم والمقامات التي رفعتم إليها زعيمكم وهذا حقكم، ومع حرصنا على عدم الانجرار إلى أي إساءة لمن احتميتم بهم لتبرير هذا العمل المشين، فإننا مع حفظنا لحقه الأستاذ علينا في التقدير وواجبنا اتجاهه كغيره من الدعاة من التوقير، إلا أننا لا نرى فيه ما رأيتم ونحسبه في مقام واحد من زعمائنا وقادتنا لا يزيد عنهم ولا ينقص، ولو اعتقدنا فيه مثلما تعتقدون ما تركناكم تتفردون به لوحدكم ولو صح عندنا ما تعمون لزاحماكم على مجالسه بالمناكب والأقدام، ولكنه في نظرنا رجل يخطئ ويصيب وعمله بين الأجر والأجرين وكتاباته عند المتخصصين مجرد فكر إسلامي يصعب تصنيفه في أي من العلوم الشرعية المتخصصة بله في علوم الاجتهاد والتجديد لكننا لا نصادر قناعاتكم في شيخكم ولا نتطاول على ما أضفيتم عليه من مقام.
إن الحقيقة التي أخفتها كلماتكم غير الموفقة في توصيف مآل محاولة الوحدة التي سعى إليها الشيخ في بداية مشواره، هي الاختلاف في التصور والرؤية وفي الاستجابة لشروط الحركة التي لم تزد على أن تكون المرجعية وحدها للكتاب والسنة حيث لا قداسة لرأي خارجهما والقرار بالشورى الملزمة المسؤولية بالانتخاب وليس لشيء غيرهما مما ابتليت به كثير من الحركات قديما وحديثا.
لهذا لم تنجح المحاولة ولا صلة لإعراض هذا أو قبول ذاك ولا دخل لعقيدة فلان أو صوفية علان لأن الحركة الإسلامية إنما قامت لإنهاء حالة التحزب والتمذهب التي مزقت الأمة وحاولت الجمع والتوليف لا للتفريق والتمزيق، وعلى كل حال فقد عرفنا مصير بعض ممن قبلوا ولم يعرضوا عندما جد الجد بخصوص توحيد المرجعية وحسم الوجهة.
إن الرأي الشرعي الذي رأته الحركة وما زالت يمنعها من أن تعتقد في كون أحد بعد رسول الله عرض أو يعرض من قبل الله علينا أو على غيرنا، فالنبوة ختمت بمحمد ابن عبد الله والولاية كما يقول بها بعض القوم في منظور عقيدة أهل السنة والجماعية وفقه الجمهور حتى وأن نعتهم بالوهابية يا عجبا ! ليست سوى بدعة وكل بدعة ضلالة كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال في خطبة الجمعة : (خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة). خرجه مسلم في الصحيح. وزاد النسائي بإسنادٍ حسن: (وكل ضلالةٍ في النار). وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة).
هذا وإن الخلاف في قضايا العقيدة وبعض فروع الدين أو أصوله بين اتجاهين في الأمة ما زال قائما، لكن ذلك لم يدفع الحركة إلى جعل هذا الخلاف قضية للتبديع أو التكفير أو التفسيق أو الإخراج من الملة أو تجعل منه حتى مادة للتنافس الدعوي أو مادة للمز والغمز في مخالفيها أو موضوعا للتنازع الفكري والسياسي، كما حاولتم هداكم الله أن تخرجنا من ملة السياسة ومن محراب الشجاعة وتحشرنا في خدمة المخزن وفي طلب الدنيا وإتباع الأهواء .
أخي الكريم لقد جعلتم تجربتكم وفهمكم والطريق التي اخترتموها معيارا للحكم على تجارب الآخرين وحاكمتم اجتهاداتهم إلى مقاييسكم الخاصة ونسيتم قوله تعالى في سورة البقرة الآية 148 " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير." وغفلتم عن معاني ودلالات الآية 48 من سورة المائدة " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".
وإذا تحول اجتهاد ترجحه الأغلبية الغالبة من مدارس العمل الإسلامي ويعتنقه جمهرة علماء الأمة وقادتها في تاريخ الأمة وحاضرهم إلى مجرد خدمة للاستبداد ومجرد ركون للظالمين، فإننا لا نقابل سوء فهمكم ونقص إدراككم بمثله، ولكن رأينا فيما أنتم عليه ما زال يعتبر أن فهمكم يعد اجتهادا له وجاهته ورأيا له حجيته، غير أننا نعتبره مرجوحا وخاطئا، ومع ذلك لا ننظر إلى أهله وأصحابه إلا بما يليق بهم من التقدير وبما هم أهله من الاحترام، ولا ننتظر منهم حتى أن يردوا التحية بمثلها أو بأحسن منها، لان ذلك لا يأتي إلا ممن نهلوا من معين التربية حقا لا تشدقا وممن تزكوا في مجالس الذكر وترقوا في مدارج السالكين صدقا لا ادعاء وهم كثير والحمد لله داخل جماعية العدل والإحسان وخارجها.
أخي الكريم أيا كان قصدكم من هذه الرسالة التي وجدتها مرافعة رفيعة في الشتم والتقديح والمماحكة السياسية وأبعد ما تكون عن خطاب الدعوة والسياسة ولا عن كلام التربية والكياسة، وهي تبعا لذلك بعيدة كل البعد عن أن تكون نصيحة ولا تذكرة .
لكن الحركة اختارت منذ تسعينات القرن الماضي أن لا ترد على أي تهجم عليها، وتحول ذلك إلى معلم بارز في منهجها، عندما رفضت أن تبني القناعة باختيارها على هدم قناعات الآخرين باختياراتهم، ولا أن تعرف بمنهجها من خلال نقض مناهج الآخرين، وهو ما دأب أمثالكم على انتهاجه حتى كاد يتحول إلى منهج لكنه منهج الضعفاء .
إن الفرق بيننا وبين غيرنا هو أننا نعتبر كل خطوة يخطوها من انتدب نفسه لخمة دين الله وخدمت خلقه بمثابة نجاح لنا أيضا وللمشروع الأخروي الذي نشترك فيه، وغيرنا يتغيظ من أي نجاح يجريه المولى على أيدي غيره حتى وإن كان خدمة للدعوة صدقا لا تهكما.
والفرق بيننا وبين غيرنا أيضا - ونعوذ بالله من "نا"- هو أننا حرما على أنفسنا الانشغال بعيوب غيرنا عن عيوبنا وتتبع عورات الآخرين، ولأننا نعتبر كل العاملين في الحقل الإسلامي مهما اختلفت أفهامهم وتباينت شرعاتهم جزء من كل وحلقة في مشروع بدأه الأنبياء وورثة العلماء والصادقون ويستمر عليه العاملون الصادقون إلى ما شاء الله.
أخي الكرم هل نسيتم أو تناسيتم أن كل ما قلته عن الحركة في موضوع الجمعيات والمنابر والمجلات هو عينه بالتمام والكمال ما قيل في حق الاجتهاد الذي سلكه الشيخ المحترم الأستاذ عبد السلام ياسين يوم منحت له رخصة أسرة الجماعة ورخصة المجلات في زمن رفع غيره شعار "يا خيل الله اركبي"، لكن الفرق هو أن بعض هذا الغير أدرك فساد هذا الرأي ورجع عنه وتاب إلى ربه منه قبل 30 عاما ويزيد وأنتم مع الأسف تدشنون تحملكم للمسؤولية بإحياء هذه السنة السيئة والأدبيات المتروكة وهذه القناعات المشروخة.
أخي الكريم سبق للجماعة أن بعثت برسالة إلى الحركة ضمنتها بعضا مما ورد في رسالتكم هاته، لكن بكثير من أدب الحديث ولياقة التخاطب، واكتفت الحركة بشكر الجماعة على نصيحتها وأصغت إلى ما ورد فيها مما تختلف معه في الجملة والتفصيل وفي المقدمة والنتيجة، ورفضت حسب قراءتي لسلوك الحركة مع تلكم الرسالة - ولا أتحدث هنا باسم الحركة- أن تنساق وراء أي محاولة لتصدير ضغط القواعد وأسئلتهم المقلقة ولا أن توفر ملاذا للهروب عن المواقف المتخذة وإشكالية "دخل لم يدخل وخرج لم يخرج" المتخذ من حركة 20 فبراير، وكل ذلك ليس رفضا للنقاش العمومي في قضايا تشغل بال الرأي العام، ولكن في تقديري الشخصي، لمصلحة قد تكون الحركة قدرت أن اكبر خدمة تقدمها إلى الجماعة هي في تركها تواجه قلق السؤال المحرك للاجتهاد والمفضي إلى مساءلة الإجابات الجاهزة، في عز الامتحان,
ولم يمض غير وقت يسير حتى خرج إلى العلن رأي طالما ظل مكتوما وكامنا، عبر عنه احد أبرز القيادات، وحسن فعلت الحركة مرة أخرى عندما نأت بنفسها عن هذا التفاعل الحي والواعد والصحي، وبدأنا نلمس قراءات جديدة للأدبيات الشرعية والسياسية، ولو كانت الحركة على نحو ما تصفون اختياراتها وتقدحون يه رجالاتها لهللت لذلك وأقامت الدنيا وأقعدتها بحجة "شهد شاهد من أهلها". لكن الحركة أثبتت ومرة أخرى، ودائما في رأيي الشخصي، أنها حركة تريد أن ترتقي إلى مقام الشهادة على أمتها ورفضت حتى مجرد نشر هذا النقاش في منابرها تجنبا للتشويش الخارجي على دينامية فكرية داخلية قد تنقذ الجماعة وترسم منفذ لآلاف الطاقات المعطلة، وما أظن الحركة إلا أنها سوف تتعاطى مع هذه الغارة الثانية التي يشنها شخصكم الكريم في محاولة منكم لشق طريق "البروز" ليس في المدرجات والمنابر والمجلات أسوة بإخوانه ولكن من خلال مثل هذه الرسائل وبمثل هذا الخطاب .
أخي الكريم عندما رفعتم "مصحوبكم" إلى مقامات علية وإلى درجات سامية وهذا حقكم ورأيكم في شيخ تعتقدون فيه ما يتراء لكم صوابا، فمن أعطاكم الحق تحت ذريعة النصيحة أن تنسبوا كل نقيصة إلى زعيم وقائد يعتقد فيه أنصاره نفس ما تعتقدونه في زعيمكم، ولم صادرتم عنهم مشاعرهم وقناعاتهم، فهل يرضيكم أن يتحدث الناس عن شيخكم بنصف ما تحدثتم به عن غيركم .
أخي الكريم لقد تجاوزت وتعديت على رجل نعده في الصالحين الصادقين الورعين الزاهدين كذلك نحسبه والله حسيبه ولا نزكيه على الله. رجل كابد في سبيل الله ما لم يكابده غيره، من إخوانه ومن أعدائه ومن أبناء الصحوة وانتم أعرف بما لاقاه من بعض إخوانكم وما زال، وكان ديدنه مع هؤلاء وغيرهم الكف والصبر والتطير مع إخوانه بما جاء في سورة النساء الآية 77 "أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ" وكل ذلك لأن الله تكفل بالدفاع عن اللذين أمنوا، وما على الإنسان سوى أن يجتهد لكي يكون منهم حتى يستحق دفاع الله عنه، لكن مشكلته ومصدر تعبه هي أنه لا يحابي في الله ولا تأخذه في الله لائمة، ويجهر بما يراه حقا اتفق معه من اتفق واختلف معه من اختلف، وهذا لعمري مزية له وليست منقصة. وبسبب صدعه بالحق وعدم الخشية لا على زعامة أن تضيع عنه ولا على سمعة أن يلطخها المتنطعون تحمل ما لم يتحمله غيره.
لقد أخطأتم في تقديم الرجل وانتم من حضر معه بعض البدايات، قبل أن تغيروا، لكن الأستاذ عبد الإله اختار المنهج الذي يقول من خلاله رأيه بكل حرية وبكل شجاعة ولم يكن ذلك الرئيس الذي حشر إخوانه ولا ساقهم كما تجنيتم عليه وعلى إخوانه غفر الله لكم، وبسبب ذلكم تحمل المسؤولية باختيار حر وشفاف من إخوانه في شورى ملزمة بقواعدها الشرعية وضوابطها العملية، وباستحقاق قدره أهل الشورى في الحركة في السابق وفي الحزب اليوم، وليس عن تشوف منه ولا عن سر ادعاه، ولا عن جبر ملك به رقاب إخوانه، فقد تولى المسؤولية في الحركة كما في الحزب على منهج النبوة مدفوعا إليها لا طالبا لها ولا فار منها، بعد أن حملها من إخوانه عكس ما أدعيتم وخلاف ما زعمتم عن خطأ وظلم بين. بل أن سيرة الرجل تشهد بورعه وزهده فيما نسبتم إليه، فيكفيكم أن تعرفوا - إذا كانت المعرفة هي مبتغاكم- أن الفضل في إرساء التربية على عدم التشوف إلى المسؤوليات ورفض توليتها لمن طلبها أسوة بالحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، كان لهذا الرجل ولبقية إخوانه من القيادات والرموز ولا نبخس أحدا منهم حقه، وأن ذلك لم يكن مجرد مواعظ ترق لها القلوب ولا دروس تذرف لها العيون، بل صارت قواعد شرعية وضوابط تنظيمية محكم في تولية المسؤولية وإنهائها، وأصبحت تبعا لذلك قدوة حسنة يتخلق بها المسؤول بعد المسؤول وتعطى بها أبلغ الدروس سواء أثناء الانصياع لما تقرره المؤتمرات الشورية فترى المبتلى بالأمانة باكيا خاشعا مستحضرا لهولها ولعظمتها أمام الله، حيث كانت ومازالت مجالس اختيار المسؤولين في الحركة أقرب إلى المآتم منها إلى غيرها مما ادعيتم في رسالتكم وما ذلك إلا استشعار لقيمة المسؤولية أمام الله "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" الشعراء:88-89.
وخلافا لمزاعمكم فالأستاذ عبد الإله بن كيران من أوائل القادة الإسلاميين الذين حملوا لقب الرئيس السابق ولم يؤخره ذاك على المعهود منه ولم يؤد به موقعه الجديد عندما اختار إخوانه غيره بعد ولايتين حافلتين إلى انشقاق ولا إلى تقاعد مبكر، بل ظل في عطائه وعمله لأنه ببساطة تربى وساهم في تربية إخوانه على القيم التي جاء بها خير المرسلين في مثل قوله فيما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا، : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ، طُوبَى لَهُ، ثُمَّ طُوبَى لَهُ " .
وها هو يعود مرة أخرى إلى قيادة أقوى حزب سياسي ومن بين أفضل النماذج الإصلاحية التي تشهدها بلاد الربيع العربي والذي سمي "بالإصلاح في ظل الاستقرار" والفرق بينه وبين غيره هو انه اقتنع بالصواب فنهجه وجهر به غير آبه بمن لا يشاطره ونحج في التمكين لقناعاته التي توفر له فرصة الإسهام في قيامه بواجبه اتجاه دينه وفي خدمة وطنه ضمن ثوابت البلاد التي اقتنع مبكرا بحكمة المغاربة في تبنيها والدفاع عنها ومن يرى غير ذلك فليرينا شطارته في الواقع لا عبر الأحبال الصوتية.
أما طلب الاستقالة ممن يزيد تأيده يوما بعد يوم، فهي مجر مزايدة لا حاجة للتعليق عليها، والإدعاء بأنه يواجه بكلمة ارحل فما هي سوى لعبة دفع إليها شباب أغرار فضحت السحنة وإن شئتم قلنا السمت انتماءهم فهتفوا خلافا للجموع والتقطته كامرات مخدومة.
وفي الختام، اعترف بأنني لم استطع الالتزام بما قررته الحركة في شأن التعامل مع مثل النيران الصديقة وحسبي في ذلك أنها مبادرة فردية أتفاعل معها بشكل فردي واحرص على عدم السقوط فيما سقطت فيه من سباب وشتم واتهام بالباطل واعتذر إن وصل شيء من ذلك إلى أي كان من الجماعة ومؤسساتها بغير قصد مني وحسبنا الله ونعم الوكيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.