يسود سيل التحليلات الغربية حول داعش تشابه كبير، بحيث قلّما تظفر بطرح فيه جدة. على أن ما أدلى به الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع البريطانية جوناثان شو قد كان لافتا بخروجه على السائد، فضلا عن تبيانه لحقائق مزعجة أو محرجة، ولكن بكل لباقة واتزان. يرى جوناثان شو أن أوباما قد صدق عندما قال بادىء الأمر إنه ليس لدى أمريكا خطة لمواجهة داعش (قبل أن يعلن الخطة الخميس الماضي)، وأن نأيه بنفسه عن استخدام عبارات التهويل والويل والثبور التي اعتمدتها وزارة الدفاع الأمريكية إنما يدل على حرصه على عدم تكرار الأخطاء المرتكبة منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001 والمتمثلة في الإفراط في »عسكرة» الحل رغم أن أساس الخطر سياسي ايديولوجي. ويعتقد شو أن داعش فضحت تهافت تفاهمين أساسيين من تفاهمات النظام العالمي الحالي. يتعلق الأول بالتناقض القائم في صلب النظام السعودي، ويتعلق الثاني بسياسة الغرب نحو الدول العربية وباعتماده على نفط الشرق الأوسط اعتمادا يبلغ حد التبعية. ويقول إن التأويل الوهابي للإسلام لا يزال هو الدين الرسمي في السعودية. ولكن مفاهمة (أو تسوية قائمة على حل وسط) قد برزت في قلب النظام عندما قرر في العشرينيات أن يستفيد، بشراكة مع أمريكا وبريطانيا، من ثروات البلاد النفطية وأن ينتهج الحداثة وينعم بالثراء. وهذا في رأي شو تناقض انفصامي مخلّ بتماسك النظرية التأسيسية للدولة، حيث أن الوهابية لا تقبل الحلول الوسط وتعدّ كل تجديد منذ وفاة النبي بدعة توجب التكفير والقتل. وقد قبلت السياسة الغربية بهذه المفاهمة، أو الحل الوسط، عندما أوثقت نفسها بوثاق الاعتماد الكلي على النفط السعودي، وعندما اتكلت على السعودية أولا في مجال إدارة هذا التناقض وتصريفه وتكييفه، وثانيا في مجال إرشاد الغرب إلى كيفية التعامل مع المنطقة، بحيث أن السعودية أصبحت هي المنظار الذي تنظر السياسة الغربية من خلاله إلى معظم شؤون المنطقة. وليست داعش في رأي شو سوى أحدث تجلّ من تجليات الثورة على هذا التناقض القائم في صلب النظام السعودي. حيث يذكّر بأنه سبق ل»الإخوان» (السلفيين وليس الإخوان المسلمين) الذين ناصروا عبد العزيز أول الأمر أن ثاروا عليه عام 1929 بسبب سياساته التحديثية فاضطر لقتالهم. كما قام جهيمان العتيبي زعيم «الجماعة السلفية المحتسبة»، القريبة من «الإخوان»، عام 1979 باحتلال الحرم المكي. إلا أن ثورة داعش على آل سعود خارجة على المعهود من وجهين. أولا، أنها ظهرت خارج السعودية. ثانيا، أن خطابها مقتبس مباشرة من تعاليم محمد بن عبد الوهاب. وهذا يمنحها مصداقية دينية داخل السعودية، حيث بيّن استطلاع للرأي نشرت نتائجه جريدة «الحياة» السعودية أن 92 بالمائة من المستجوبين يشاطرون الرأي القائل إن داعش «ملتزمة بقيم الإسلام والشريعة». فلا عجب إذن – في رأي شو – أن يكون تمويل داعش آتيا من داخل السعودية. يتساءل شو: كيف ينبغي أن يكون الرد الغربي؟ وما هي السوابق التاريخية؟ ثم يذكر أنه تمت معالجة تمرد عام 1979 داخليا، بينما تمت مواجهة تمرد عام 1929 بمساعدة التكنولوجيا الغربية. كما أن الحركة الناجمة عن أول تحالف بين آل سعود وبن عبد الوهاب قد سحقتها عام 1818 قوة عسكرية مصرية مولتها السلطنة العثمانية، ولكن ليس قبل أن تذبح هذه الحركة أكثر من خمسة آلاف من الشيعة في كربلاء. وينبه شو إلى أن أهم ما في هذه الردود أو المعالجات هو أنه قد قادها ونفذها مسلمون. ويرى أن الدرس الآن هو أن الفكرة الوهابية (في صيغتها الداعشية) لن تقتل برصاص الغربيين المسيحيين. ذلك أن المعركة الحالية هي في الأصل معركة داخلية في ديار الإسلام (أي حرب أهلية إسلامية) في سبيل التفرد بتحديد جوهر الإسلام وروحه. ولهذا فإن نقطة البداية هي أن الرد الغربي لا بد أن يأتي في إطار خطة إسلامية، بحيث يكون مجرد داعم لها. ويعتقد شو أن الساسة الغربيين قد استخلصوا العبرة من حملتي العراقوأفغانستان، مثلما تبيّن من رفض مجلس العموم البريطاني طلب ديفيد كاميرون قبل عام تخويل التدخل العسكري في سوريا. ويؤكد شو أن أساليب المفاوضات والصفقات المعتادة في الدبلوماسية الغربية لا جدوى لها ولا معنى لأن داعش لا تعرف الحلول الوسط. ولهذا فلا بد أن تعتبر بقية الأمة الإسلامية أن داعش «خطر على القبيلة وأنه لا بد من القضاء عليها كما يقتضيه العرف القبلي العربي». ولا يمكن أن تقوم بهذا إلا الأمة الاسلامية، أي «الأغلبية الإسلامية غير الوهابية» (وهي الأغلبية الصامتة الآن)، مستخدمة كلا السلاحين: الديني والعسكري.