نشر موقع مجلة العصر الإليكترونية رسالة عاجلة إلى دعاة المواجهة المسلحة : حتى لا تتحول بلاد الجزيرة إلى جزائر أخرى وجهها محرر الموقع المختص في الشؤون الجزائرية ذ. خالد حسن بتاريخ 12/05/2003، وقد قدم للرسالة ب"مع بلوغ الوضع الأمني في بلاد الجزيرة حالة من التأزم تنذر بمخاطر لا يمكن التنبؤ بها، قد تزج بالبلد إلى متاهات لا قبل للغيورين بها، كان لزاما أن نعتبر بمن سبق في خوض مغامرة المواجهة المسلحة، ونخص بالذكر التجربة الدموية الجزائرية، وأضع بين يدي إخواني خلاصة هذه التجربة، مع تبيان ما قد تتعرض له أي مغامرة مسلحة من توظيف دعائي واختراق أمني ونزوع نحو الغلو والتطرف." وبعد تقديم جرد مفصل لمسار التجربة الجزائرية ، خلص إلى مجموعة من الدروس والعبر ننشرها كاملة. إن العمل المسلح هناك على اختلاف واجهاته وتعدد خياراته يعوزه العمق والدراية والأهلية في بعده التأصيلي والاحتكام لمنهج الاستدلال والاستنباط، ولا زالت المسيرة الإسلامية تفتقر إلى قيادات شرعية ذات تأهيل ونبوغ، إذ إن أحد سمات مسيرة الحراك السابقة هو تضخيم جانب التوغل والاقتحام على عامل التأصيل والنظر واعتبار المآل والموازنة بين المصالح والمفاسد.. وآن الأوان أن تصرف الجهود لإعادة بعث المشروع الإسلامي بسعته وعمقه، بعدما اختزل في ممارسة سياسية تفتقد النضج والعمق، ومغامرة صدام مسلح مجهول العواقب . إن ما يمكن أن نستخلصه من هذا العرض، وهو ما يمكن أن يقع فيه دعاة المواجهة المسلحة في الجزيرة مايلي: أولا : إن من الصعب، بل يتعذر أصلا التحكم في مسار العمل المسلح إذا اندلعت شرارته، وقد يركب موجة الصدام، أناس لا خلاق لهم، فيشوهون غيرهم، ومهما بلغ الحرص، فإن الأوضاع ستنفلت من أيدي مؤسسيه، وسيظهر جيل منقطع الصلة عن المحاضن العلمية وعديم التواصل مع المشايخ، مما يتعذر ضبط نزاته وكبح جماحه. ثانيا : التوظيف الدعائي : ما فتئت أبواق وجهات إعلامية تهويلية تضخم أي أخبار المواجهات المسلحة خاصة في بلدان العالم الإسلامي وتضفي عليه هالة دعائية تحريضية، وتصور الوضع على خلاف حقيقته، كما فعل الإعلام الفرنسي مع جماعات العمل المسلح في الجزائر، فأصبح أي خبر يتعلق به يتصدر الصفحات الأولى بالبنط العريض، لتختزل البلاد في موجات عنف، وكأنه لا شيئ غير المواجهة المسلحة، وهذا قد يستدرج عناصر المواجهة المسلحة إلى القيام بعمليات استعراضية لاستقطاب الأنظار وصناعة الحدث وتتحول إلى حديث الساعة. رابعا : الإختراق الأمني : إن الأداة الفعالة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية لتطويق العناصر المسلحة، هو اختراق الصفوف وعلى أعلى المستويات، وما يترتب عنه من إيقاع بين الشباب المسلح، وأكثر من هذا، القيام بعمليات عنف استعراضية وإلصاقها بالشباب المسلح، بغية عزلهم عن شرائح المجتمع وتشويه صورتهم في الداخل والخارج، وهذا أحد المفاسد الراجحة التي يصعب تفاديها. خامسا : النزوع نحو الغلو والتطرف، وانتشار ظاهرة الاتهام للصف الإسلامي وتضعيف الدعاة والمصلحين، وهذا يطابق رغبة لدى بعض دوائر في الحكم، لنزع الثقة من المشهود لهم بالعلم والإصلاح، وما يتضمن هذا من افتئات على علماء الأمة ومصلحيها. سادسا : إن نظرية من يلغي المقدمات ويأخذ الأمور من خواتمها، ما هي بنظرية ولا لها مع قواعد التخطيط حظ ونصيب، إنما هي آهة مكبوت مظلوم انطلقت بعنفوان، فاضطربت الساحة. إنه لا غنى عن العمل الدعوي والفكري الملتزم بخطة بعيدة المدى، بعيدة النظر، وإن دوائر الاستخبارات العالمية والمحلية تحاول بجد أن تستديم أجواء القلق والعنفوان، لما لمسته من فوائد هذا التعكير على العمل الشمولي، كما أن استمرار هذه الظاهرة يتيح لها الاستمرار في سياسة الكبت والقبضة القوية، بعد ما تعرت سياساتها الأمنية أمام فعالية النشاط الإسلامي الهادئ، وهذا واضح في الجزائر وغيرها، حيث اختلطت أوراق العنف بأوراق مزورة على العنف، وصار تزوير العنف أحدث صيحة أمنية.