كشفت الحرب العدوانية على العراق عن أطماع تجار النفط والسلاح، وكان ذلك شيئا مفهوما ولا غرابة فيه، بعد أن صدق ما كان يتردد من قبل حين جربت أحدث الأسلحة وأفتكها في حق العراقيين، وحين سارعت قوات الغزاة إلى احتلال آبار النفط ووزارته وأنابيبه وحمايتها في الوقت الذي كان فيه زعماء ميليشيات النهب والسرقة يغيرون على الممتلكات والمتاحف. كل ذلك انكشف وعرف. لكن ما لم ينكشف وما لم يعرف بعد بالقدر اللازم، أن تكون وراء الحرب الظالمة عصابات أخرى ومافيات أخرى، تجارتها المفضلة هي الأمراض والأوبئة. فقد كشف الدكتور الألماني ماتياس راث طبيب أمراض القلب والسرطان أن بوش وتوني بلير على رأس مصدري المنتجات الدوائية، وأن رونالد رامسفيلد وزير الحرب الأمريكي كان كبير المسؤولين التنفيذيين وعضو مجلس الإدارة في عدد من شركات الأدوية المتعددة الجنسية (سيرل وجايلد، وغيرهما). وكانت تلك الشركات الصانعة للأدوية أول الداعمين المساندين لبوش في حملته الانتخابية، ولرد الجميل لهم اعترافا بخدماتهم يقوم الرئيس الأمريكي بمحاربة شركات الدواء الطبيعي، كما يضغط في كل الاتجاهات لتنفرد تلك الشركات بسوق الأدوية، أي سوق الأمراض والأوبئة، ولتمديد الآجال القانونية للاستثمار في الرخص الخاصة بالبيع والتسويق. وأكثر من ذلك، فإن الشركات الأمريكية تضغط على حكومتها لتحاصر هي الأخرى كل محاولة لصنع أدوية محلية أقل كلفة وثمنا لمكافحة داء فقدان المناعة المكتسب (السيدا) أو التهاب السحايا، كما وقع لكل من التايلاند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها. ذلك لأن تلك الشركات، لا تنظر إلى المرضى المتألمين المتوجعين الذين يموتون بالآلاف المؤلفة كل يوم، وتحصدهم الأوبئة بالملايين كل عام، لا تنظر إليهم نظرة الطبيب الحكيم الرحيم، ولكن تنظر إليهم نظر الرأسمالي الجشع الذي لا يهمه سوى كسب مزيد من الأموال وتكديسها في البنوك. ففي الولاياتالمتحدة توجد أرفع وأفخم مدرسة طبية (ميديكال سكول) برحاب جامعة "يال" أنفق في بنائها 176 مليون دولار، وهي أموال جاءت من أرباح الشركة نفسها بعد اكتشافها للدواء الثلاثي المقاوم للسيدا (ستافودين) الذي جمعت من وراء تسويقه بأثمان لا يتناولها إلا أغنياء العالم الغربي 261 مليون دولار. وفيما بين 1998 و2000 باعت منه لأوروبا 3,2 مليار دولار. في كل ثانيتين يموت إنسان على وجه الكرة الأرضية بسبب السل، و80 مليون شخص من المصابين بالسرطان لا يستطيعون الحصول على دواء، ويموتون تباعا. في في جزر سيشيل يصيب ارتفاع الضغط الدموي 22% من سكانها، وفي كوبا يصيب 30% من السكان، ويقتل الربو 000. 180 إنسان كل عام من الفقراء، وأكثر من 30 مليون مصابا بالسيدا ينتظرون أجلهم المحتوم... كل هذه الأرقام المليونية من المرض والموتى لا تحرك ساكنا عند الشركات الأمريكية ونظيراتها الكندية والأوروبية اليابانية، لكنها تتطاحن يوميا في المحاكم بشأن براءات الاختراع والإجازات وحصص السوق، فمرض تصلب الأنسجة وحده تساوي سوقه 4,1 مليار دولار. السلوك السياسي الظالم المتعجرف للإدارة الأمريكية تسنده شركات لا تقل ظلما وقسوة عنه، تنظر إلى الآخرين على أنهم أراذل أقل من الحشرات، فهولاكو لا يتربع على عرش القرار السياسي، ولكنه أيضا في القرار الاقتصادي والصحي. أصبح العالم كله خرابا يبابا بإغارتهم وغزوهم ومتاجرتهم في صحة بني آدم ومرضهم، وذاك ما يوجب على الغيورين الشرفاء في العالم كله توحيد جهودهم لإنقاذ العالم من جزاريه.