لم يستطع الاحتلال الصهيوني أن يحقق أيا من أهدافه السياسية أو الأمنية أو العسكرية في قطاع غزة، وأرغم على التوقيع على هدنة طويلة الأمد مع حركات المقاومة الفلسطينية، التي تمكنت من انتزاع كل مطالبها التي وضعتها أهدافا للمعركة التي اختار الاحتلال توقيت وطريقة بدايتها، بينما قررت هي طيفية إنهائها ونتائجها. اللغة التي يتحدث بها الفلسطينيون اليوم غير مسبوقة، والثقة التي تظهر على المقاومين وقيادتهم السياسية تعني أن المعادلات الجيوسياسية في المنطقة تتحرك نحو تغير قد يكون حاسما خلال السنوات القليلة المقبلة، ويكفي لفهم هذا الخطاب قراءة إعلان كتائب القسام السماح لسكان مستوطنات ما يعرف بغلاف غزة بالعودة إلى مساكنهم، بأمر من محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام. المقاومة الفلسطينية استطاعت التنصيص على مختلف مطالب الشعب الفلسطيني في اتفاق التهدئة، وقررت أيضا المضي في تنفيذ باقي المطالب، التي تعد حقوقا أساسية مشروعة للشعب الفلسطيني، دون الحاجة إلى الرجوع إلى الطرف الصهيوني، وهو ما جعل محمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس، يعلن أمام عشرات الآلاف الذين احتشدوا في شوارع غزة مباشرة بعد دخول التهدئة حيز التنفيذ، أن غزة ستبني ميناءها ومطارها وأن أي اعتداء عليهما سيقابل بالمثل. مئات الآلاف الذين امتلأت بهم شوارع غزة لم يفرحوا بوقف القتل فقط، ولم يرددوا شعرات الاستعطاف، بل خرجوا يوزعون الحلويات ويهتفون للمقاومة، ويرفعون مقاتلي القسام والسرايا وغيرهم على الأكتاف ويقبلون رؤوسهم ويهتفون بحياتهم، فالروح التي تسكن غزة اليوم هي روح الانتصار والعزة والكرامة، وهي تمهيد للنصر الشامل الذي يراه الفلسطينيون اليوم آتيا عن قريب. باختصار، على من ذرفوا دموع التماسيح طيلة 50 يوما على شهداء العدوان أن يتعلموا اليوم دروس العزة والكرامة من شعب قرر أن لا ينحني مجددا، وأن يرفع رأسه شامخا، ويدوس بأقدام مقاوميه محتلا أوهن من بيت العنكبوت.