تحت لواء الحرية تشن الولاياتالمتحدة حربها على شبح "الإرهاب" المتنقل من بلد إلى بلد، ومن جماعة إلى جماعة ومن فرد إلى فرد، ومن أجل "عالم حر"، تسفك الدماء وتفسد الأرض حرثا ونسلا، فتقصف وتنسف بأحدث أنواع الأسلحة، ثم تعيد البناء بأحدث الأجهزة، علما بأن الشركات القاصفة الناسفة هي نفسها "البانية المعمرة". وهذه الخسائر في الأنفس والأموال لا قيمة لها في ميزان الحرية الأمريكي الغربي، لأن الذين سقطوا أبعد ما يكونون عن الإنسانية الجديدة. إن هم إلا متوحشون. الحرية المقصودة انكشف أمرها منذ ظهور الجحافل الأولى للاستعمار السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي في العقود الأولى للقرن العشرين، وازداد أمرها انكشافا في الحرب الأمريكية المتواصلة من أجل استكمال بناء الإمبراطورية التي لا تغرب عنها شمس ولا قمر. حرية الكبراء الأقوياء الأغنياء في أن يفعلوا ما شاؤوا في العالم دون حسيب ولا رقيب من الأرض أو من السماء. أما الأرض فلا توجد هيأة أممية تستطيع أن تحاكم الأقوى وتنفذ فيه الأحكام الصادرة. أما في السماء، فإن الأقوياء الكبراء موقنون أن المسيح عليه السلام يتحمل الأوزار والأخطاء البشرية برحمته و"ألوهيته" و"قدسيته"، وسوف "يخلص" الناس من ذلك عندما ينزل من السماء في عودته الأخيرة. ألا ساء ما يظنون، إن هم إلا مفترون. هذه هي الحرية الأمريكيةالغربية ذات الغطاء المسيحي المزيف، وهي حرية خاصة بنادي الأغنياء الكبار فقط، أما الفقراء الضعفاء فليسوا سوى بضائع وأشياء تدور في طاحونة السوق الرأسمالي المتوحش. وبهذا تتكرر القصة الإنسانية كما رواها القرآن محكمة ومفصلة، إذ عندما ينحرف الناس عن توحيد الله وإفراده بالعبودية والتمجيد والخوف والحب والرجاء والتوجه والدعاء، ينفرد الكبراء بالقوة زاعمين أنهم أرباب من دون الله وأن لا حكم إلا حكمهم، وأن الله فضلهم بالغنى والقوة على من سواهم. إن يقولون إلا كذبا وزورا. بألوهيات مزيفة، وعبوديات بشرية، يريد المستكبرون استرقاق العالم عن طريق قوة المال والسلاح والإعلام، وإرهاب كل المخالفين، وعلى رأسهم الموحدون المتحررون. رأس الحرية والتحرر يبدأ عند توحيد الله وتنزيهه وإعلاء كلمته فوق الكائنات، فكلمته هي الرحمة المطلقة والعدالة الدائمة والمساواة التامة والأخوة العالية، وهي الحق والخير والجمال لجميع الناس دون تمييز بينهم . من أجل ذلك، التزم المسلمون منذ فجر التاريخ على تحرير البشرية من جميع أنواع الاستعباد والاستكبار بالكلمة الطيبة الثابتة (اعبدوا الله مالكم من إله غيره). ومن أجل ذلك ما تزال الجماعات والهيئات والجمعيات الإسلامية ملتزمة بتحرير الناس من عبادة العباد وردهم إلى رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ولو كلفها ذلك ثمنا باهظا. تلك هي حقيقة المعركة ورأس الحرية، وغير ذلك أوهام ومراوغات.