اكدت هيئة علماء المسلمين أن ثوابت الموقف السياسي من الاحتلال الغاشم وعمليته السياسية الحالية لا تتغير بتغير الأشكال والحكومات، ولا بالأقوال والأمنيات؛ وإنما تتغير بالأفعال والوقائع، والجهود الصادقة والمخلصة على الأرض وفي الواقع. وحذرت الهيئة في رسالة مفتوحة وجهتها الى الشعب العراقي، من التعلق بالوعود المعسولة التي يطلقها القادمون الجدد، والتي ستُمتحن في أول فرصة وأقرب موقف يقتضي الفرقان بين الصواب والخطأ، وبين الحق والباطل .. موضحة ان الخطوة الصحيحة هي نقل العراقيين جميعاً إلى بر الأمان وبناء الدولة تكون عبر مشروع يمثل جميع العراقيين بكل اطيافهم، وليس مشروعا يقتصر على المتسلطين على رقابهم وبعيداً عن خياراتهم الحقيقية. وطالبت الهيئة من يريد أن يطوي صفحة الظلم، ويبدأ عهداً جديداً في العراق أن يعمل على وقف الجرائم الوحشية التي ترتكبها الحكومة الحالية ضد ابناء المحافظات الثائرة، ويمنع إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين في الفلوجة والكرمة والحويجة وغيرها، ويوقف استهداف المدن الآمنة بالمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة، واطلاق سراح مئات الآلاف من المعتقلين الذين ما زالوا يرزحون في السجون الحكومية منذ سنوات ظلماً وعدواناً، ومنع نشاط الميليشيات التي تمارس القتل والتهجير الطائفيين، وانهاء سياسة الإقصاء والتهميش لابناء العراق، والمحافظة على ما تبقى من أموالهم، ومحاكمة كل من اقترف الجرائم ومارس القتل والتهجير ضد الشعب العراقي وسرق المال العام، فضلا عن إعادة المهجرين والنازحين إلى ديارهم سالمين آمنين. وتساءلت الهيئة في رسالتها بالقول: هل يستطيع من جاء اليوم أن يقوم بذلك أم هو حلقة جديدة في سلسلة موت لا يراد لها أن تنتهي حتى تقضي على كل ما هو خير في العراق؟ .. مشددة على ان المطلوب اليوم ليس تغيير الوجوه، وانما تغيير الأوضاع بما يحفظ للعراق وحدته ونسيجه الاجتماعي ويحقق العدل لجميع ابنائه، في الوقت الذي حذرت فيه المرحبين بقدوم الحاكم الجديد إلى المنطقة الخضراء من استغلال المشهد العراقي لتطبيق سياسة (الإفلات من العقاب) على رئيس الحكومة السابق، وكل المتورطين بالجرائم ضد الشعب العراقي وهي جرائم حرب بامتياز فضلاً عن كونها جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وفي ختام رسالتها، لفتت هيئة علماء المسلمين، الانتباه الى ان الشعب العراقي لن ينعم بخيراته مادامت العملية السياسية التي صنعها الاحتلال الأمريكي قائمة على نفس الأسس، وما زال اللصوص الكبار في سدة الحكم، أو بيدهم مقاليد الثروات .. مشيدة بالملاحم البطولية التي يسطرها ثوار العراق النجباء الذين يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله ثم في سبيل الحرية والكرامة لشعبهم، وطالبتهم بعدم التنازل عن أي حق من حقوق الشعب التي ثاروا من أجلها. وفي ما يأتي نص الرسالة: لقد هوى بفضل الله صنم من أصنام العملية السياسية التي ساهمت في صناعتها وتوظيفها خدمة للأهداف الكبرى الدولتان الظالمتان المحتلتان الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الجوار إيران، وقد اضطرت كلتا الدولتين إلى اتخاذ هذه الخطوة تحت ضغط ثورة أبنائكم الظافرة، بعد أن كانتا متشبثتين به حتى النخاع، وهذا أول الغيث، وستتلوه انهيارات أخرى بإذن الله. وما حصل من التوافق بين اللاعبين في مصير العراق والعراقيين على رجل آخر من الحزب نفسه (حزب الدعوة) للمرة الرابعة على التوالي، هو خطوة تدل على أن لا أحد من القوى الغاشمة المتحكمة بالعراق وتبعاً لخدمات الحزب الجليلة لها تريد التخلي عن هذا الحزب. وعلى الرغم من اعتقادنا أن اللعبة مازالت بيد القوى الاستعمارية الظالمة، وأنها لم تتخل بعد عن أهدافها المرسومة في العراق؛ إلا أن أي قادم جديد يريد أن يطوي صفحة الظلم، ويبدأ عهداً جديداً في العراق؛ فبمقدوره لو شاء أن يفعل الآتي: أولا: أن يخفف الظلم عن المظلومين، وأن يوقف الإجرام الحكومي بحق المحافظات الثائرة، وبحق غيرها، فيمنع إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين في الفلوجة والكرمة والحويجة وغيرها، ويوقف استهداف المدن الآمنة بالمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة، وهي عمليات ظالمة، لم تتوقف حتى اللحظة. ثانيا: أن يطلق سراح مئات الآلاف من المعتقلين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ الذي أودعوا السجون منذ سنوات ظلماً وعدواناً، وتركوا فيها يأكل الزمان من أعمارهم وشبابهم من دون محاكمات. ثالثا: منع نشاط الميليشيات التي تمارس القتل والتهجير الطائفيين اللذين لم يتوقفا يوماً طيلة حكم السالفين. رابعا: إنهاء سياسة الإقصاء والتهميش لأبناء العراق، وأن يحافظ ما استطاع على ما تبقى من أموالهم. خامسا: محاكمة كل من أجرم بحق الشعب العراقي ومارس القتل والتهجير وسرقة المال العام. سادسا: إعادة المهجرين والنازحين إلى ديارهم سالمين آمنين من بطش الميليشيات المتنفذة. ولكن السؤال المهم: هل يستطيع من جاء اليوم أن يقوم بذلك أم هو حلقة جديدة في سلسلة موت لا يراد لها أن تنتهي حتى تقضي على كل ما هو خير في العراق؛ لأن المطلوب اليوم ليس تغيير الوجوه، إنما المطلوب هو تغيير الأوضاع إلى ما يحقق العدل لجميع العراقيين، ويحفظ للعراق وحدته ونسيجه الاجتماعي، وهذا ما سينبيء عنه قادم الأيام. أما أنتم أيها الساسة (السنة)؛ فماذا أنتم فاعلون الآن.. إننا نحذركم من الوقوع في خطايا تمس الشعب في حقوقه ومستقبله، كما فعل كثير منكم مع الحكومة السابقة وما قبلها، ومن تخذيل الثورة، أو التحريض عليها، أو التورط في محاربتها، فهذه ثورة شعب مظلوم، تزعمون أنكم تمثلون قضيته، كما نحذركم من استغلال ما تظنونه فرصة لدفع البلاد إلى خطر التقسيم، فهذه المرة لن تجدوا تسامحاً من أبناء شعبكم، ولا غفرانا. وأنتم أيها الساسة جميعاً، ماذا ستفعلون بعد حقبة مضت كانت مليئة بالدماء والفساد، والإضرار بالعراق وشعبه، وأنتم قبل غيركم تعلمون جيدا أن العراق لن يشهد أي استقرار، أو انقطاع للتفجيرات الدامية والاغتيالات المؤلمة، والأوضاع الخطيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؛ مادامت العملية السياسية التي صنعها الاحتلال الأمريكي قائمة على نفس أسسها ولن ينعم الشعب بخيراته، أو بالحدود الدنيا من مقومات الحياة واللصوص الكبار مازالوا في سدة الحكم، أو بيدهم مقاليد الثروات، وهذه حقيقة مرة قد يأبى بعض الناس سماعها منا الآن، ويعدها تشاؤماً غير مبرر، ولكن سيأتي اليوم كما يحدث في كل مرة الذي يقول فيه هؤلاء أنفسهم صدقتم فيما قلتم. وأما أنتم يا ثوار العراق وأبطاله النجباء يا من تقدمون أرواحكم رخيصة في سبيل الله ثم في سبيل الحرية والكرامة لشعبكم، اعلموا أن إزاحتكم لطاغية أذاق شعبه مر العذاب، لهو وسام رباني مَنً الله به عليكم، وعجز عنه كثيرون غيركم، مع أنهم كانوا يصفونه بالدكتاتور والفاسد، والمتستر على القتلة والمرتشين وسراق أموال الشعب، والمطلوب منكم ألا تتنازلوا عن أي حق من حقوق شعبكم الذي ثرتم ومازلتم من أجلها. نحن نعلم أيها الثوار أن هناك من آذى ثورتكم، ومن انحرف بها في بعض الميادين عن مسارها، وأن هناك تحالفاً دولياً جديداً يوشك أن يتخذ من ذرائع شتى؛ مدخلاً لوأد هذه الثورة، وهدر حقوق المظلومين، وتضييع فرصة ذهبية كان شعبنا ينتظرها على أحر من الجمر للخلاص من الظلم والعذاب؛ لكن هذه عقبات ستزول بإذن الله، وتاريخ ثورات الشعوب فيها هذا النمط من المفاجآت؛ لذا لا ينبغي أن يفت ذلك في عضدكم، ولا أن يوقف مسيرتكم، ومثلما نجحت ثورتكم في الإطاحة بصنم خطير، فإن بمقدورها أن تحقق الكثير من الإنجازات لأهليكم وأبناء شعبكم، أما الذين آذوا هذا الشعب، ونالوا منه فلن يغفر الشعب لهم، وسيقتص منهم، وما ضاع حق وراءه مطالب. وبهذه المناسبة تؤكد الهيئة على أن ثوابت الموقف السياسي من الاحتلال وعمليته السياسية لا تتغير بتغير الأشكال والحكومات، والأقوال والأمنيات؛ وإنما تتغير بالأفعال والوقائع، والجهود الصادقة والمخلصة على الأرض وفي الواقع، وتحذر الهيئة أبناء الشعب العراقي وغيرهم من التعلق بوعود معسولة من القادمين الجدد، فهي ستمتحن في أول فرصة وأقرب موقف يقتضي الفرقان بين ما هو صواب وما هو خطأ، وما هو حق وما هو باطل، وأن الخطوة الصحيحة هي نقل العراقيين جميعاً من كل الأطياف والمكونات، إلى بر الأمان وبناء الدولة عبر مشروع يمثل الجميع، لا مشروع يقتصر على المتسلطين عليهم على الرغم عنهم، وبعيداً عن خياراتهم الحقيقية. وتنبه الهيئة كل المرحبين بقدوم الحاكم الجديد إلى المنطقة الخضراء؛ أن يحذروا من استغلال المشهد العراقي لتطبيق سياسة (الإفلات من العقاب) على رئيس الحكومة السابق، وكل المتورطين بجرائم في حق الشعب العراقي وهي (جرائم حرب) بامتياز فقد ارتكبت في إطار خطط وسياسات عامة وليست خاصة أو جزئية، فضلاً عن كونها (جرائم إبادة جماعية) و(جرائم ضد الإنسانية)؛ لأنها استهدفت بالتدمير الكلي أو الجزئي جماعات بعينها من السكان لأسباب متداخلة: قومية وعنصرية ودينية، وتمت في إطار هجوم منهجي واسع النطاق ضد مجموعة كبيرة ومعروفة من السكان. حفظ الله العراق شامخاً موحداً، وحفظ الله العراقيين من كل شر أريد بهم، وأعاد لهم الأمن والأمان، إنه سميع مجيب الدعاء. الامانة العامة 21 شوال/ 1435ه 17/8/2014م