جدد الشيخ الدكتور (حارث الضاري) الأمين العام لهيئة علماء المسلمين تأكيده بأن ما يجري في العراق الآن هو ثورة شعبية ضد الممارسات الإجرامية والسياسات الطائفية الإستبدادية التي ينتهجها نوري المالكي وحزبه ضد أبناء الشعب العراقي المعارضين. وأعرب الأمين العام للهيئة، في حوار اجرته معه صحيفة القدس العربي ، عن أسفه الشديد للفتاوى غير المسؤولة التي صدرت عن بعض المراجع والتي أسهمت في تأجيج الفتنة بين أبناء الشّعب الواحد، وذلك لأنها تقف إلى جانب الحاكم الظالم ضد المظلوم .. مشددا على أن الهدف من التّحشيد الطّائفيّ الذي تقوم به الحكومة الحالية وحلفاؤها في الخارج بحجة حماية المقدسات؛ هو إشعال نار الفتنة بين العراقيين وتدمّير هذا البلد وتحقيق مصالح أعدائه والطامعين فيه. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه وائل عصام : ○ كيف تصفون ما حدث في العراق مؤخرا؟ • ما يجري في العراق هو ثورة شعبية ضد ممارسات المالكي وحزبه (حزب الدعوة) الإجرامية ضد أبناء الشعب العراقي المعارضين لهذه السياسات الطائفية الإستبدادية، ولاسيما (أهل السنة) في العراق. فمنذ أن تولى المالكي رئاسة الوزراء في عام 2006، وهو يستخدم كافة المسؤوليات الموكلة إليه: السياسية والعسكرية والأمنية ضد السنة تحت ذريعة الإرهاب بلا هوادة، مغيبا مئات الآلاف منهم في السجون رجالا ونساء، وقاتلاً ومهجراً مئات الآلاف الآخرين، متوهما أنهم بصبرهم وتحملهم قد وصلوا إلى حد لا يستطيعون معه الدفاع عن أنفسهم، وأنه يمكن القضاء عليهم وإقتلاعهم من العراق كما يتوهم. وقد استغل فرصة خروج أهل المحافظات الست في تظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم وكف الظلم عنهم لمدة عام كامل؛ للتشكيك في نواياهم، وعد مطالبهم غير مشروعة. وتطور الأمر بالإعتداء على ساحات التظاهر والإعتصام في الحويجة، ومسجد سارية في بعقوبة، والفلوجة ووصلت الى حد إرتكاب مجازر دموية فيها. وأخيرا تمت مهاجمة ساحة العزة والكرامة في الأنبار بتاريخ 30/12/2013م، وقام أبناء الساحة ومعهم أبناء الأنبار بالدفاع عن أنفسهم وإستمرت المواجهات عدة أيام لتتحول بعدها ساحة الإعتصام إلى ثورة واسعة، وهي مستمرة إلى الآن وتتسع مع الأيام، وهي ثورة شعب مظلوم صودرت حقوقه منذ أكثر من عشر سنوات وأريقت دماء الكثير من أبنائه، وانتهكت حرماته، وهي ليست موجهة ضد أي طائفة أو مكون من مكونات الشعب العراقي كما يحاول المالكي ومن وراءه تصوير ذلك للعالم. ○ ولماذا إنهار الجيش العراقي بسرعة؟ • للإنهيار أسباب عديدة لعل من أبرزها فعل الثورة المستمر منذ أكثر من ستة اشهر؛ حيث استطاع الثوار فرض نمطهم القتالي على جيش المالكي وكبدوه خسائر كبيرة أفقدته قدراته القتالية وانضباطه العسكري وهزت معنويات جنوده الى درجة كبيرة، وألقت في روع الكثير منهم حالة هائلة من الخوف والرعب. فضلاً عن عدم جاهزية تلك القوات لمواجهة الأعمال القتالية للثوار وضعف الوازع القتالي لديهم بسبب انعدام الهدف المبدئي لديهم وإنخراط كثير من الجنود في هذا الجيش المتهالك بغرض الإنتفاع المادي فحسب. ○ بماذا تصف دعوة السيد السيستاني للتطوع وقتال الثوار؟ • أسهمت بعض الفتاوى من بعض المراجع للأسف الشّديد، في تأجيج الفتنة بين أبناء الشّعب الواحد، وهي فتاوى غير مسؤولةٍ تقف إلى جانب الحاكم الظالم ضد المظلوم. إنّ التّحشيد الطّائفيّ الذي تقوم به الحكومة وحلفاؤها من الخارج بدعوى حماية المقدسات؛ دعاوى يراد بها الشّر للعراق وشعبه ولا يراد منه حماية المقدسات؛ لأنّ المقدسات التي يعنونها: هي لكلِّ العراقيين بكلّ أطيافهم، وهي في حمايتهم منذ أنْ وجدت في العراق وإلى اليوم، ولم يعتدِ عليها إلّا الغزاة والمحتلون؛ فلا ينبغي أن تكون الدعوة لحماية هذه الأماكن غطاءً لإشعال نارِ فتنةٍ بين العراقيين تؤدي الى تدمّير العراق وأهله، وتحقق مصالح أعداء العراق والطامعين فيه. ○ بماذا تعلق على وصف المالكي للثوار بأنهم ارهابيون .. وماذا تقول للمالكي وهو يقود حربا الآن ضد المناطق المعارضة؟ • لا يحق لإرهابي كبير مثل المالكي أن يصف غيره بما هو فيه، وهو لا يستحق كلمة مني، فهو إرهابي بإمتياز وقد مضى وقت الكلام وإنتهى. ○ ما هو دور داعش والفصائل الأخرى؟ • تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ليس وليد اللحظة، بل هو موجود من وقت الاحتلال الأمريكي، وأهدافه وممارساته أصبحت معروفة اليوم لكل متابع، وهو ليس موجودا في العراق فقط، بل له وجود في سوريا وفي دول أخرى عديدة عربية وغير عربية، وإتخاذه ذريعة لعدم الوقوف مع الشعب العراقي المظلوم؛ غير منطقي، فالأصل أن يتوجه الجميع إلى دعم الشعوب المظلومة، وإنصافها ودعم تسليم مقاليد أمورها إلى أبنائها من ذوي الكفاءة والإخلاص. أما الفصائل الأخرى فعلى حد علمي أن عدداً منها فاعل في هذه الثورة بشكل كبير والقسم الأكبر منها منخرط في المجلس العسكري العام لثوار العراق. ○ هل يتجه العراق الى التقسيم او الأقاليم وماذا تقول لبعض القادة من السنة الذين يطالبون بالأقاليم .. أليس التقسيم امرا بات واقعا على الارض؟ • لا أتصور ذلك وان كانت مؤشرات كثيرة تدفع بهذا الإتجاه ولكني أرى انه مهما كانت الظروف والمتغيرات؛ فإن وحدة العراق ليست في خطر في المحصلة النهائية ولا عبرة بالمتغيرات الوقتية الطارئة على فرض حصولها؛ فوحدة العراق واقع ضحّى من أجله الآباء والأجداد بأرواحهم وما يملكون، وخاصةً في هذا الوقت الذي كثر فيه القيل والقال: عن الفيدراليات والأقاليم، التي تعد الخطوات الأولى للتقسيم المراد فرضه واقعا من عدة جهات بناء على أسس طائفية أو عرقية، وهو مشروع كل أعداء العراق الدوليين والإقليميين، كما أنه مشروع قديم متجدد، وعلى هذا فإنّ كلّ من يطالب أو يدعو إليه من العراقيين من شيعة أو سنة، فإنّه يروّج لمشروع الأعداء في تقسيم العراق، فإن كان جاهلاً بخطورة ما يروّج له ويدعو إليه فليتوقف عن ذلك ويستغفر الله تعالى عما بدر منه، وإنْ كان عالماً بخطورة ما يدعو إليه شرعاً وقانوناً وواقعاً، حالاً ومستقبلاً، فعليه أن يتحمل المسؤولية: الشّرعية والتأريخية لدعوته هذه. أما المبررات المطروحة له ومنها حماية (السنة) فأرى أنها لن تتحقق كما يتمنى ويريد من يرى جدوى هذا الخيار للمحافظة على النفس؛ والسبب أن المعطيات على الأرض تدل على غير ذلك، وتبين أنها مجرد تمنيات، وأن خلاف ذلك ربما هو الذي سيحصل في نهاية الأمر. ○ هل تنبأت بفشل العملية السياسية منذ البداية؟ • توقعنا فشل ما يسمى بالعملية السياسية؛ لأنها بنيت منذ البداية على أسس خاطئة وفي مقدمتها المحاصة الطائفية والعرقية، ثم تهميشها وإقصاؤها لعدد من مكونات الشعب العراقي الكبيرة منها والصغيرة، فضلاً عن آلياتها السقيمة المحكومة وفق سياسة التوافق بين القوى والأحزاب المهيمنة بعيداً عن رأي عامة الشعب العراقي، ولعل ما يحدث الآن في العراق يؤكد ما توقعناه من فشل ذريع لهذه العملية السياسية، وإيصالها العراق إلى حافة الخطر. ○ ما هو دور القوى الشيعية العشائرية العروبية في الساحة الشيعية ولماذا يتبين في كل إنتخابات أنها أضعف نفوذا من القوى الحزبية الطائفية الأخرى؟ • هو دور مشكور، ونحي كل الأصوات الخيّرة والمواقف الشّجاعة والمسؤولة التي تصدر من هذه القوى العشائرية التي لا تجد الفرصة المناسبة لها للظهور الحقيقي بسبب عوامل عديدة في جنوبالعراق لعل من أبرزها الضغط القوي والإرهاب الذي تمارسه قوى الطائفية والمليشياوية ضدهم. وقد أنتقد عدد من هذه القوى فتاوى التّحريض على الفتنة التي صدرت من مرجعيّة النّجف، سواء من أعلن ذلك منها، أو من إتصل بنا معلناً استنكاره لها وعدم رضاه بها، كما نشكر كل إخواننا الذين لم يستجيبوا لهذه الفتاوى من الجنوب والوسط داعين للجميع بالتّوفيق والسّداد والحفظ من كلّ سوءٍ. وأقرب دليل على صحة ما نقول؛ ما حصل يوم الأربعاء الماضي (2/7/2014) من هجوم للقوات الحكومية على مقر المرجع السيد محمود الحسني الصرخي ومدرسته في مدينة كربلاء، وقتل وجرح العشرات من أنصاره؛ بسبب رفضه لفتاوى التجنيد والتحريض الطائفية، ولسياسات المالكي وموقفه من الهيمنة والنفوذ الإيرانيين.