قديما وحديثا، في مناطق عديدة ونزاعات شتى، تُرفع راية الجهاد وسيوفُ الجهاد. وفي أيامنا هذه يشهد العالم الإسلامي حروبا ومعاركَ كثيرةً باسم الجهاد وتحت شعار الجهاد. ولكنْ: إلى جانب كل واحدة من تلك الحروب والمعارك تدور معارك فقهية وسياسية، حول مدى مشروعية هذا الجهاد، وأيٌّ منها هو حقا جهاد، وأيٌّ منها إنما هو تنطع وعناد. "الجهاد" حين يكون ملتبسا أو مشكوكا في شرعيته وصحته، أو مما يختلط فيه القصد السليم والهوى الذميم، أو يتشابك في أخذ زمامه العلم والجهل، حينئذ يمكن أن يجلب العز والنصر والفلاح، ويمكن أن يجلب الوبال والخسران، في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا. ويبقى أن الجهاد الذي لا يُشك في مشروعيته ووجوبه، ولا غبار على صحته وسلامته، هو الجهاد الرامي إلى تحرير فلسطين ونصرة شعب فلسطين. ومنذ اغتصاب فلسطين والاعتداءِ على أهلها بكل أشكال العدوان، لم تصدر عن أي عالم أو هيئة علمية فتوى أو وجهةُ نظر فقهية، تشكك في شرعية هذا الجهاد ووجوبه وأحقيته وأولويته، بل الفتاوى الفقهية - الفردية والجماعية - كلها متطابقة مُطَّرِدة، من كل أنحاء العالم الإسلامي، على وجوب تحرير فلسطين ونصرة أهلها، ومدِّ المجاهدين فيها ولأجلها بكل أشكال العون والمساندة. وعليه، فمن أراد جهادا لا اختلاف فيه ولا شبهة عليه، ففي فلسطين ولأجل فلسطين. ومن أراد الإسهام بشيء من ماله أو علمه أو خبرته أو مهنته أو وقته أو جاهه، في جهاد خالص، ثابت النفع في الدنيا والثوابِ في الآخرة، فليدعم جهاد فلسطين ومجاهدي فلسطين. إن انتصار الحق واندحار الباطل في فلسطين، أمر آتٍ لا ريب فيه، ولكن المعركة طويلة متشعبة، متعددة الوجوه والجبهات. ولكل مسلم، بل لكل نصير للحق والعدل، مكانه ودوره فيها. وإذا كان اغتصاب فلسطين والعدوانُ الدائم على شعبها، قد جمع كل قوى الاستكبار والبغي، وألحق بهم أذنابهم من الخونة والوكلاء المحليين، فلتكن ذاتُ القضية جامعةً لكل أنصار الحق والعدل، المناهضين للظلم والعدوان، كل بما يستطيعه، وكل بما يملكه.