تضمن خطاب العرش لهذه السنة، مجموعة من التساؤلات، بسبب ما وصفه جلالة الملك محمد السادس بكونه "وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية، حول ما طبع مسيرتنا من إيجابيات وسلبيات، للتوجه نحو المستقبل، بكل ثقة وعزم وتفاؤل". وهكذا يقول الملك محمد السادس في الخطاب السامي الذي وجهه اليوم الأربعاء 31 يوليوز الجاري، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لعيد العرش "أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين". وطرح الخطاب الملكي، مجموعة من الأسئلة الراهنة، من قبيل "هل اختياراتنا صائبة ؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها ؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها ؟" وبعدما أكد الملك محمد السادس، بأنه "إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق والسقوط في الغرور"، واصل طرح الأسئلة "هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة ؟ وهل المواطن المغربي، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية، بفضل هذه الأوراش والإصلاحات ؟". وفي هذا الصدد، أوضح الملك محمد السادس، بأن طرح مثل هذه التساؤلات، يندرج في إطار البحث الدائم "عن الفعالية والنجاعة، وعن أفضل السبل، ليستفيد جميع المغاربة من مختلف المنجزات، على حد سواء"، مشيرا إلى التساؤل وإجراء هذه الوقفة مع الذات، لا يعني الشك أو التردد، أو عدم وضوح الرؤية، بل على العكس من ذلك، فطريقنا واضح، واختياراتنا مضبوطة. فنحن نعرف أنفسنا، ونعرف ماذا نريد، وإلى أين نسير. وهكذا يقول الخطاب الملكي "لا يمكن لأي أحد أن يتجاهل البنيات التحتية الكبرى، التي تم إنجازها"، متابعا تقديم أجوبة بطريقة تستند إلى السؤال "فهل كان بإمكان المغاربة، وأنا في مقدمتهم، أن يتخيلوا بأن بلادهم تتوفر على أكبر ميناء بحوض المتوسط، وعلى أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم؟ وهل كان بإمكان أي مواطن أن يتنقل عبر الطريق السيار، من أكادير إلى طنجة، أو من الجديدة إلى وجدة؟ لكن يبقى السؤال المطروح، وفق الخطاب الملكي : ماذا فعلنا بما حققناه من تقدم؟ هل ساهم فقط في زيادة مستوى الاستهلاك، أم أننا وظفنا ذلك في تحقيق الرخاء المشترك لكل المغاربة ؟ وإلى أي درجة انعكس هذا التقدم على تحسين مستوى عيش المواطنين؟ وبعدما شدد الخطاب الملكي على أهمية "الأمن والاستقرار" باعتبارهما أساس الإنتاج والثروة، بينما "الثقة والمصداقية هما عماد تحفيز الاستثمار، استدل بدراستين للبنك الدولي لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب، حيث تم تصنيف بلادنا في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة. ليعود لطرح الأسئلة قائلا "غير أنني بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة ؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ؟" ليعترف أن الجواب على مثل هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا : "إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين".