استهداف الأطفال عزا الحسن البغدادي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات أسباب تفشي ظاهرة الإدمان على السيجارة في صفوف الأطفال، إلى التقاعس المسجل من طرف الجهات المعنية في تطبيق بنود قانون منع التدخين، وخاصة بيع السيجارة للقاصرين مما سمح بالانتشار الواسع لنقاط البيع، ومن ثم التطبيع مع الظاهرة، يضاف إلى ذلك سهولة الولوج إلى هذه السموم، والسياسة التسويقية التي تنهجها لوبيات إنتاج وبيع وترويج السيجارة التيتعتمد أساليب الإغراء، والإغواء المتمثلة أساسا في الإشهار المقنع للتبغ عبر تنويع المنتوجات التبغية وتغيير الأشكال والألوان والمذاق لتحقيق الجاذبية واستنكر البغدادي في حديث مع "التجديد" المواقف المحتشمة المطبوعة بخاصية اللامبالاة سواء من طرف غير المدخنين، أو المسئولين عن القطاع العام وفي مقام أول المتدخلين في التشريع للقوانين التي من شأنها أن تجرم سلوك الإدمان على السيجارة والمتاجرة فيها لما له من عواقب وخيمة تهدد مستقبل الوطن برمته، كما استنكر خوصصة الشركة الوحيدة التي كانت تابعة للدولة، ومحدودية الحملات التمشيطية خاصة تلك التي تشنها إدارة الجمارك على باعة السجائر بالتقسيط، تعدد الشركات، تنوع العرض، الإشهار والدعاية المحبوكة والمسمومة لهذا المنتوج القاتل. المتحدث نفسه، استنكر أيضا عدم تشديد الرقابة داخل المؤسسات التعليمية، وخاصة في المرافق الخاصة بالنظافة والرياضة، مشيرا إلى أن الجمعية توقفت عند تفقدنا لبعض المؤسسات على الأعداد المرعبة لعقاب السيجارة المتواجدة فيها، وقد اقترحنا على بعض المسؤوليين الإداريين تجهيز هذه المرافق، وكذلك على أبواب المؤسسات بالكاميرات بهدف القبض على المروجين، وتقديمهم للعدالة ضمن خطوات أخرى لمحاصرة الظاهرة دون تغييب الدور الكبير الذي يلعبه الانتشار الكثيف لباعة السجائر بالتقسيط عند أبواب المدارس والاعداديات والثانويات، مما يسهل إلى حد بعيد تغلغل التدخين وسط التلاميذ ، الذي عرف ارتفاعا خلال السنوات الأخيرة، مما ينذر -مع عميق الأسف- بمزيد من الهدر المدرسي والانحرافات الأخلاقية، وارتفاع معدل الجريمة بدرجة مخيفة قد تصبح معها كلفة الأمن باهظة جدا تفوق أي جهد مالي أو بشري يبذل لاحقا إذا استمر الحال على ما هو عليه-يشدد المتحدث نفسه-. استراتيجية الحكومة الظاهر أن المغرب يبذل منذ سنوات جهودا كبيرة لمكافحة التدخين، تميزت على الخصوص بصدور القانون رقم 15 91 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية، والذي جاء لحماية صحة المواطنين من الأخطار الصحية المتزايدة الناتجة عن التدخين، وذلك بتوفير الآليات القانونية التي من شأنها أن تعزز التدابير التحسيسية والحمائية ضد أخطاره، وعمل على سد الفراغ القانوني في هذا المجال، بغاية التقليص من الأضرار التي يتسبب فيها التدخين، من خلال زجر هذه الممارسة داخل الأماكن والفضاءات العمومية، وبالحد من الحملات الإعلامية والإشهارية بشأن استهلاك التبغ، إضافة إلى ملاءمة مقتضيات القانون رقم91-15 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية مع بنود الاتفاقية العالمية لمحاربة التدخين التي وقع عليها المغرب بتاريخ 14 أبريل 2004 غير أن تطبيق هذا القانون على أرض الواقع ظل مطلبا بعيد المنال، لغياب النصوص التطبيقية مما حد من تطبيقه ومن فعاليته، بالإضافة إلى عدم اعتماد إجراءات مصاحبة لإنجاح تطبيقه. من جهة أخرى، سنت الحكومة إجراءات ضريبية جديدة على السجائر برسم قانون المالية لسنة 2013 هدف خفض استهلاك التبغ، لكن بالمقابل تنامت تجارة التهريب هذا الوباء الذي يعد ثاني أسباب الوفيات على الصعيد العالمي، ووفق الأرقام التي تنشرها المصالح الجمركية صادرت سلطات وجدة -فقط-خلال 2012، أزيد من 120.000 علبة سجائر، دخل القسم الكبير منها عن طريق الجزائر، مما دفع شركات التبغ إلى ابتداع منتوجات جديدة تم الترويج لها على أوسع نطاق مستغلين بشكل خاص وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة خاصة المجلات. الحكومة(وزارة الصحة)، بمشاركة مؤسسة للاسلمى للوقاية وعلاج السرطان ودعم منظمة الصحة العالمية، عملت أيضا على إشراك فعاليات المجتمع المدني في محاصرة ظاهرة التدخين، من خلال تنظيم دراسات وبائية تعزيز أنشطة التوعية والتحسيس بالإخطار تشجيع ودعم التخلي عن عادات استهلاك التبغ، كما نظمت السنة الماضية مناظرة وطنية من أجل المصادقة على الاتفاقية الإطار لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ في المغرب، بحضور وزراء وبرلمانيين وممثلين عن منظمات دولية ونقابات. المناظرة شكلت مناسبة لتقديم اقتراحات تمكن من وضع استراتيجية وطنية مندمجة وشاملة لمكافحة هذه الظاهرة من أجل حماية صحة الأطفال والشباب وكافة مكونات المجتمع من الآثار المدمرة للتبغ، إلا أن التوصيات التي خرجت بها لازالت طي النسيان، في ظل تساهل القانون مع المدخنين القاصرين بالخصوص. الدعاية المضادة أتبتث عدد من الدراسات على أن دخان التبغ المنتشر في الأماكن المغلقة يستنشقه كل الأشخاص الموجودين في تلك الأماكن، سواء كانوا من المدخنين أو من غيرهم، مما يعرض الجميع لآثاره الضارة، كما أجمعت الدراسات على أن دخان التبغ غير المباشر يتسبب في إصابة البالغين بأمراض قلبية وعائية وأمراض تنفسية خطيرة، بما في ذلك مرض القلب التاجي وسرطان الرئة، كما يتسبب ذلك الدخان في إصابة الرضع و الموت الفجائي...لذلك شددت منظمة الصحة العالمية السنة الجارية أيضا على ضرورة منع التدخين للمساهمة في حماية أجيال الحاضر والمستقبل ليس فقط من العواقب الصحية المدمرة الناجمة عن التبغ، بل أيضاً من الآفات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتعاطي التبغ والتعرض لدخان التبغ، وحددت حملة هذه السنة في رفع الحكومات للضرائب المفروضة على التبغ لتصل إلى مستويات تحد من استهلاكه، تشجيع الأفراد ومنظمات المجتمع المدني لحكوماتهم على رفع الضرائب المفروضة على التبغ إلى مستويات تحد من استهلاكه، وهو القرار الذي سبق أن اتخاذه من طرف الحكومة المغربية السنة الماضية، لكن في المقابل أنفقت دوائر صناعة التبغ في جميع أنحاء العالم تسعة مليارات دولار أمريكي كل عام على الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته، إعلانات تجعل التبغ يبدو كما لو كان أمرا طبيعيا لا يختلف عن غيره من المنتجات الاستهلاكية، فيزداد قبوله اجتماعيا، وتعرقل جهود تثقيف الناس بالأخطار المترتبة على تعاطيه. التسويق المضاد للسجائر، يربط هذه المنتجات بالحيوية والحياة البراقة والجاذبية الجنسية، ويعزز تأثير دوائر صناعة التبغ في وسائل الإعلام والمؤسسات الرياضية والترفيهية، رعاية الأحداث الرياضية والشبابية، تصميم وعرض علب السجائر بطريقة مغرية... وفي هذا الإطار، أكد البغدادي على الضغوط الشديدة التي يمارسها لوبي التبغ، لتعطيل أي تحيين، أو تفعيل للبنود والمساطر القانونية الخاصة بمنع التدخين وخاصة بالأماكن العامة، ويزيد هذا التوجه -يضيف البغدادي-ضعف الضغط من جانب المجتمع المدني بما يحرج السلطتين التشريعية والتنفيذية ويجبرهما على إخراج قانون 15-91 إلى حيز التطبيق، مما يقتضي إعادة تشكيل الوعي لدى المواطنين من سلوك التدخين، بما يسمح بتشكيل رأي عام قادر على زيادة أسهم المطالبة بتطبيق قانون منع التدخين، وإسماع صوته إلى الجهات المعنية. وبغية تشكيل جبهة مضادة-يقول البغدادي-، تبنت الجمعية استراتيجية توسيع دائرة الوعي كخطوة ضرورية لتحقيق هذا الهدف وذلك عبر التغطية الجغرافية بدءا من المؤسسات التعليمية والتكوينية والإصلاحية بالحملات التوعوية والتحسيسية في المدارين الحضري والقروي على حد سواء.