في القرن السادس عشر، كان شمال نيجيريا يعتبر مركزا للتعليم، ولا سيما لتعاليم الإسلام وعلوم اللغة العربية. وفي الواقع، فإن معظم الروايات بشأن نيجيريا إبان حقبة قبل الاستعمار، وتاريخ غرب أفريقيا، موثقة من قبل علماء دين من أصل شمال نيجيري، كما أوردت التقارير. ويعود الفضل إلى الشيخ عثمان دان فوديو (1754-1817)، العالم-المحارب في بناء إمارة "سوكوتو"، (التي أصبحت ولاية سوكوتو في العصر الحديث، شمال غرب)، ويعتقد أنه قد كتب أكثر من 200 مؤلف علمي حول قضايا مختلفة مثل النشاط الإنساني بداية من العلوم، ومرورا بالدراسات الإنسانية، إلى الفقه الإسلامي. فيما كانت تعتبر إمبراطورية "كانم بورنو" (التي أصبحت ولاية بورنو)، ومقرها في العصر الحديث شمال شرق نيجيريا، أيضا منارة للمعرفة. وفي حديث لوكالة الأناضول، قال أحمد البخاري، وهو أستاذ جامعي: "هاتان الولايتان تأسستا ثقافيا ودينيا وفكريا قبل فترة طويلة من التغلغل الأوروبي". وأضاف البخاري: "دينهما (الولايتان) بلا شك كان هو الإسلام ولغتهما الرسمية والمكتوبة هي اللغة العربية على نحو ملحوظ، وبالنظر إلى انتشار التعليم الواسع، كانت المنطقتان تشكلان مراكز للتعليم والمنح الدراسية التي حظيت بالاعتماد في جميع أنحاء العالم". كان التعليم ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء شمال نيجيريا، لدرجة أن الآباء من جميع أنحاء البلاد كانوا يرسلون أطفالهم إلى المناطق النائية في الشمال للدراسة على يد مختلف علماء الدين في ما أصبح يعرف باسم "الماجيري". ويطلق على الأطفال الذين يحملون الأوعية من أجل جمع الصدقات "الماجيري"، وهي كلمة محلية محرفة من كلمة "المهاجرين" العربية، ويعود تاريخ استخدامها إلى القرن الثامن عشر، عندما كان يهاجر الناس من مختلف أنحاء بلاد الهوسا (غرب أفريقيا) لتلقي العلم في مراكز التعليم الإسلامي شمالي نيجيريا. عمليا، يتشكل "الماجيري" في الأساس من الطلاب أو المتسولين، وبينما تختلف الآراء حول نشأة ذلك النظام، ليس بوسع أحد أن يشكك في الأصل النبيل لهذه الفكرة. ويعود أصل هذا النظام إلى القرن الحادي عشر قبل الغزو البريطاني لنيجيريا، عندما كان الآباء يبعثون أبناءهم إلى أماكن بعيدة أحيانًا لتلقي تعليمهم على يد علماء مسلمين بارزين، مما ساهم بالتالي في ظهور العديد من علماء القرآن والحديث، وغيرها من فروع العلم. وفقا للبروفيسور أحمد إبراهيم، وهو باحث في "زاريا"، إحدى المدن الرئيسية في ولاية "كادونا" الشمالية، فقد تغير كل شيء مع قدوم الاستعمار البريطاني في نيجيريا. وفي حديث لوكالة الأناضول قال "إبراهيم" إن "الحكومة كانت ترعى هذه الأنشطة العلمية حتى قدوم السادة الاستعماريين الذين أوقفوا تمويله، وشجعوا التعليم الغربي بدلا من ذلك". وأضاف أنه "ما زاد الطين بلة، أنهم لم يتوقفوا عند مجرد وقف التمويل، لكنهم علقوا توظيف هؤلاء العلماء، ودربوا بعض الأشخاص الآخرين في وظائف إدارية لتولي وظائفهم". ومضى قائلا: "تعمق الغضب في صفوف الشماليين، وخاصة أن سكان الجنوب كان ينعتون الشماليين بالأميين، وهم ما يراه (الشماليون) مؤامرة ضد الشمال". "إبراهيم" أوضح أن مصطلح "إيلمين بوكو"، الذي يترجم بلغة الهوسا المحلية "التعليم الغربي" لا يزال مكروها لهذا السبب. وهو ما يوافق عليه غاربا شيهو، وهو كاتب صحفي مرموق، حيث قال: "تاريخيا، عندما غزا البريطانيون الشمال، فإنها لم يقتصروا على مجرد إحلال المؤسسات السياسية بمؤسسات مشتركة أو خاضعة لهم". وأضاف "شيهو" في حديث لوكالة الأناضول: "انخرطوا في تخريب الثقافة، والتثقيف (تعليم القراءة والكتابة) على نحو غير مشهود في أي مكان". ومضى قائلا: "عندما أتوا، وجدوا بيئة مزدهرة بمعرفة القراءة والكتابة في الشمال، وقالوا إنها وثنية همجية، ونهبوها، وخلفوا ورائهم كل شيء على الأرض". أما "عبد اللطيف أبو بكر جوس"، وهو محرر إذاعي في أول محطة إذاعية خاصة في شمال نيجيريا، هي "راديو الحرية"، فألقى باللوم في تأخير قبول التعليم الغربي في الشمال على علاقته بالمسيحية. وقال في حديث لوكالة الأناضول إن "الشماليين ذوي الأغلبية المسلمة كان لديهم تحفظات على التعليم الغربي، لأن المبشرين المسيحيين هم الذين جلبوه". وأضاف أن "الغربيين لم يعلموا الناس قط من أجل متعة التعليم، ولكنهم فعلوا ذلك لأنهم سيصبحون (النيجيريون) قادرين على قراءة الكتاب المقدس". من جانبه، قال "مصادق أرووا"، وهو محلل للشؤون العامة، يقيم في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو (شمال شرق)، إن الشماليين يشعرون بالقلق من التعليم الغربي، لأنهم يظنون أنه ربما يفسد أخلاقهم". وفي حديث للأناضول، أضاف أن "غالبية الشماليين هم الناس الذين يعتمدون بشكل أكبر على التعليم العربي، ويعتقدون أن التعليم الغربي يضم الكثير من القيم غير الأخلاقية ولكنها ليست إدانة صريحة في حد ذاتها"، على حد قوله. وحذر "أرووا" من أن "أي محاولة من جانب المروجين للتعليم الغربي للوقوف في طريق المعتقد الديني من الشماليين سيجري مقاومتها" واستشهد بقضية الزواج المبكر. ومضى قائلا: "يعتقد كثير من الناس في الشمال أنه بمجرد اجتياز الفتاة مرحلة التعليم الثانوي، يجب أن تزوج حتى لا تفسد أخلاقها، أما إذا كانت تريد أن تذهب إلى الجامعة فإن هذا شأنها وزوجها". فيما أشار إسماعيل ألوغبا، وهو مصمم أزياء يعيش في ولاية كانو (شمال غرب) طوال حياته، إلى أن عديد من السكان المحليين "مستاؤون من الحكومة الاتحادية لوضع أولوية التعليم الغربي على اللغة العربية التي تبنوها وأتقنوها". وأوضح "ألوغبا" في حديث لوكالة الأناضول أن الشماليين يعتقدون أن مثل هذه الأولوية "تجعل منهم مواطنين درجة ثانية حتى يتجهوا للتعليم الغربي". واعتبر أن هذا الأمر "رغم ما يبدو عليه هذا الأمر من الغباء، فهو أحد عوامل ولكنه ليس الوحيد في الأزمة الجارية". من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ "أحمد زانا"، الذي يمثل ولاية بورنو في البرلمان النيجيري، إن هذا يرتبط بشكل كبير بظهور شعار جماعة "بوكو حرام" الذي يعني "التعليم الغربي حرام"، والذي تبنته الحركة المسلحة التي أصبحت تعرف بهذا المسمى. وأضاف أن "المظالم الرئيسية وراء هذا الشيء، بوكو حرام، (التعليم الغربي حرام) أصبحت مشكلة كبيرة، فعندما تتلقى تعليما يعتمد على المعرفة العربية والإسلامية لا تكافأ بشيء، بينما يكافأ الشخص الذي يتلقى تعليما بريطانيا". ووفقا للبرلماني، فقد جرت العادة على أن الطفل الذي يولد لعائلة شمال نيجيريا، يتلقى تعليما تقليديا يمزج بين التعاليم الإسلامية واللغة العربية، ربما للحفاظ على الموروثات والتقاليد القديمة. وكثير منهم يسافر في وقت لاحق إلى دول مثل السودان وليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية للدراسة في الجامعات. وأضاف "زانا": لكن الحكومة لا تعترف حتى بهؤلاء العلماء، وكثير منهم في الواقع أكثر علما ممن يطلق عليهم أساتذة المدارس الغربية، ومهما كانت الشهادة التي يحصلون عليها فلا يعترف بها (من قبل الدولة)". وبين عضو مجلس الشيوخ أنه "ثمة غضب بشأن هذا. والمظالم كثيرة وتنتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء الشمال". وتابع: "لا يعترف بالشخص الذي هو على دراية جيدة بكل جوانب العلم باللغة العربية، ما لم يمزج بينها وبين والتعليم الغربي، ولكن لا يجري تطبيق نفس المعيار قط على ذوي التعليم الغربي". ويضم شمال نيجيريا (العصر الحديث) 19 من أصل 36 ولاية في البلاد، ووفقا للتعداد الرسمي السكاني لعام 2006، بلغ عدد سكان هذه الولايات ما يقرب من 75 مليون نسمة، أي نحو 54% من إجمالي السكان البالغ عددهم 140 مليون آنذاك. من جانبه، قال "ياو ينوسا"، وهو ناشط حقوقي مدني وباحث في أزمة "بوكو حرام" إن انخفاض معدل التعليم الغربي بين الشماليين وما أسفر عنه من الافتقار إلى المهارات الضرورية لتأمين فرص العمل تذكي الفقر والغضب واليأس. وأضاف لوكالة الأناضول: "في الماضي، كانت المهارات التي يمتلكها الماجيري، أشياء من قبيل نسج القبعات والحصير التي تستخدم لزيادة دخلهم، ولكن هذه ليست مهارات مفيدة في الوقت الراهن. كما سيطر الصينيون على (حرفة) صنع قبعات". وأضاف: "هؤلاء الفتيان بعد أن تلقوا تعاليم القرآن فقط، دون أي مهارات، يمكن تجنيدهم بسهولة في كل ما تفعله بوكو حرام". ووفقا لياو، تخوض "بوكو حرام" حربا أيديولوجية وتتخذ من الدين غطاء والسخط الشعبي وقودا. وتابع: "العديد من قادة (بوكو حرام) أفراد تلقوا تعليما جيدا، لذلك فإن الأمر لا يتعلق حقا بالتعليم الغربي". وضرب مثلا بأن "العقل المدبر" لتفجير موقف حافلات "نيانيا" في العاصمة أبوجا الذي ألقي القبض عليه، وهو طالب دراسات عليا في السودان". والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة النيجيرية أن "العقل المدبر"، لتفجير العاصمة أبوجا الشهر الماضي "أمينو صادق أوغوتشي"، ألقي القبض عليه في السودان. وفي 14 أبريل/ نيسان الماضي، قتل 75 شخصا وأصيب العشرات في تفجير محطة "نيانيا" أكبر موقف للحافلات بالعاصمة أبوجا، حسبما أعلنت السلطات النيجيرية.br/ br/ومضى الناشط قائلا: "إذا كانت بوكو حرام تستخدم أسلحة متطورة، فإنها نتاج العلم والتكنولوجيا الغربية. وهم يستخدمون يوتيوب والبريد الإلكتروني". وأعرب عن اعتقاده بأن الأزمة الاجتماعية-الاقتصادية في نيجيريا بشكل عام، والشمال على وجه الخصوص تنفر العديد من الشباب الذين سيتقبلون بدورهم (فكرة) أي شيء. ومضى بالقول: "بوكو حرام باعتبارها إطارا فكريا وإيديولوجيا ليست بالضرورة تحارب من أجل قضية الشمال أو المسلمين الذين خلفتهم وراءها، لكنها وجدت سبلا لتجنيد العاطلين عن العمل الذين ليس لديهم فرص الحصول على المهارات الغربية". واعتبر أن "شعارهم، بوكو حرام، هو مجرد دعوة أيديولوجية للحصول على قاعدة تتيح لهم تجنيد الأعضاء في صفوف الجماعة". وهو ما وافق عليه الكاتب الصحفي "شيهو" بقوله: "لا أرى أية علاقة بين هذه الأنشطة الإرهابية، وماضينا الاستعماري (الشمالي)"، وأضاف أن "ما يجري لدينا في الشمال ليس تمردا. إنه إرهاب، ولا أحد في مأمن منه". وأعرب "شيهو" عن اعتقاده بأنه في حين لا يوجد ارتباط بين "بوكو حرام" والنقص الشامل في التعليم الغربي في الشمال، لكنها استغلت الفقر على نطاق واسع. وأوضح أن "الفقر يوفر بيئة خصبة وأساسا لتجنيد (الأعضاء)، ولكنه ليس مبررا للإرهاب". وخلافا لذلك أعرب المحرر الإذاعي "أبو بكر جوس"، عن اعتقاده بأن "فجوة" التعليم الغربي بين الجنوب والشمال في نيجيريا تنعكس على تقديرات اجتماعية واقتصادية للمنطقتين، وأشار إلى أنه "لابد أن يكون آثار بطبيعة الحال". ولكنه لا يوافق على أن مثل هذه الفرص التي يوفرها التعليم الغربي أو غيابها قد غذت تمرد "بوكو حرام". واعتبر أن "بوكو حرام من بقايا لعبة سلطة سياسية، وكانت من صنع السياسة"، وأضاف "أنا لا أوافق على أنه هناك أي علاقة بين ما يسمى التخلف في التعليم والتمرد". وكانت جماعة بوكو حرام المتشددة، أعلنت، مطلع مايو/ أيار الجاري، مسؤوليتها عن خطف أكثر من 200 فتاة من مدرسة في ولاية بورنو، واعتبرتهن "أسيرات حرب"، في خطوة أثارت ردود فعل دولية غاضبة، ومطالبات بإطلاق سراح الفتيات. و"بوكو حرام" تعنى بلغة قبائل "الهوسا" المنتشرة في شمالي نيجيريا المسلم "التعليم الغربي حرام"، وهي جماعة نيجيرية مسلحة، تأسست في يناير/ كانون الثاني 2002، على يد محمد يوسف، وتقول إنها تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا، حتى الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية. وحافظت جماعة "بوكو حرام" على سلمية حملاتها - بالرغم من طابعها المتشدد - ضد ما تصفه ب"الحكم السيئ والفساد"، قبل أن تلجأ في عام 2009 إلى العنف إثر مقتل زعيمها محمد يوسف، أثناء احتجازه لدى الشرطة. وفي السنوات التالية، ألقي باللوم على الجماعة المسلحة في مقتل الآلاف، وشن هجمات على الكنائس والمراكز الأمنية التابعة للجيش والشرطة في المناطق الشمالية من نيجيريا.