الأخ عبد الله، بلجيكي مسلم حل المغرب في زيارة عائلية، في هذا الحوار الذي أجرته معه التجديد يكشف من خلاله ظروف وتاريخ إسلامه، وبين ظروف نشأة حزبه الجديد، وآفاقه المستقبلية، وكذا عن أمور أخرى تهم المسلمين في بلجيكا خاصة وفي الغرب بصفة عامة. س: بداية الأخ عبد الله هلا تفضلت بتقديم نفسك لقراء التجديد؟ ج: بكل سرور، اسمي الكامل جون فرونسوى باستان، عبد الله أبو عبد العزيز، ازددت سنة 1943، أسلمت في سن الثلاثين أي مع بداية السبعينات، فأنا مسلم منذ أكثر من ثلاثين سنة ولله الحمد. عشت مدة بتركيا، تزوجت بسيدة مغربية، وأنا هنا لزيارة العائلة، وشكلنا ببلجيكا حركة تسمى "حركة الشباب المسلم" ثم شكلنا حزبا تحت اسم "حزب الرفاهية و الأمن". س: ما هي الخدمات التي تعتزمون تقديمها للإسلام و للمسلمين ببلجيكا؟ ج: هدف الحزب هو خدمة الإسلام والمسلمين، بل خدمة الإسلام أكثر منها خدمة المسلمين، ذلك أن المسلمين هناك يستفيدون من خدمات الدولة البلجيكية بنفس القدر وبالتساوي مع غيرهم من البلجيكيين، أعتقد أن استفادتهم جيدة من هذه الناحية، وليسوا في حاجة لحزب يدافع عن حقوقهم، لأنها مضمونة لهم كما لغيرهم بمقتضى الدستور البلجيكي. س: (مقاطعا) وما هو الهدف إذن من تشكيل حزب إسلامي؟ ج: المسلمون ببلجيكا سواء كانوا مغاربة أو أتراكا أو غير ذلك، يعاملون على قدم المساواة مع باقي البلجيكيين، الهدف الأهم بالنسبة للحزب هو الدفاع عن الإسلام، لأن الإسلام مهدد فعلا، قد يعترض البعض ويقول إن الإسلام ليس بحاجة لمن يدافع عنه لأنه محفوظ من الله كما تعلم، و هذا تأويل عقلاني صحيح، غير أن ذلك لا ينفي وجوب حفظ المسلمين لجودة الفهم الصحيح للمعاني السامية لدينهم. ونحن نعلم اليوم أنه بسبب تمثيل الإسلام لهذه القيم الطيبة نجد عددا كبيرا من المسلمين بفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وبريطانيا وبأوروبا عامة، في تزايد مطرد، لذا يتعين على السلطات البلجيكية أن تتعامل مع المسلمين المتحدثين باسم إسلام واضح المعالم، حتى تتمكن من التعرف على ماهية الإسلام الحقيقي. فعندنا حقيقةً مشكلةُ تصحيح وشرح وتقديم الإسلام، تقع مسؤولية حلها على المسلمين البلجيكيين، وعندما أذكر المسلمين البلجيكيين أعني بذلك المسلمين من أصل مغاربي وتركي الحاصلين على الجنسية البلجيكية كما أعني البلجيكيين الأصليين الذين أنتمي إليهم، هؤلاء هم الذين يتوجب عليهم الانخراط في توجه سياسي يمكنهم من كسب المصداقية الكافية لدى السلطات البلجيكية، ليقدموا لهم الإسلام بشكل مباشر باللغة التي يفهمونها، فالأمر يختلف عندما يكون المخاطبون بلجيكيون، وليسوا مهاجرين يتكلمون لغة المهاجر التي لا تعنيهم، فهم بلجيكيون مسلمون يتكلمون لغة الإسلام المستقبل بلجيكا، والذين يريدون بعزم وإصرار التحدث باسم الإسلام الحقيقي والصحيح. س: الأخ عبد الله، كيف استقبل المهاجرون المغاربة وغيرهم تأسيس حزبكم؟ ج: في الواقع، لازال الوقت مبكرا من أجل الجزم والتحدث عن علم ويقين، لأن الحزب حديث الولادة، فهو لا يزال في مرحلة المهد وعمره شهر فقط، رسميا لا يزال غير معروف، لكن الحركة بالمقابل قد ترسخت في ذهن هؤلاء المسلمين، لأن زخما إعلاميا قد صاحب ولادتها، وهنا يمكن لي أن أقول لكم بأن الأمر مشجع جدا، يوجد شباب من الجيل الثالث، والحركة تنطلق منهم، ومنهم يبدأ اهتمامنا لأنهم الأكثر إقبالا على الصحوة الإسلامية وتطبيقاتها السياسية. هذا الجيل الذي يريد إسماع صوته في بلده مهتم كثيرا بمبادرتنا، يمكن لي أن أقول هذا والحمد لله، لأن كل الذين التقوا بنا، أو شاهدوا مناظراتنا على شاشة التلفزة كانوا مسرورين جدا بمشاهدة مسلمين حقيقيين - لا أريد إطراء النفس - مسلمون يظهرون على حقيقتهم، والشباب أكثر طلبا للوضوح في السياسة، لذا أعتقد أننا بإذن الله سنستطيع التواصل معهم جيدا، سواء الذين يطبقون الإسلام، أو الآخرين المهمشين والضائعين في الشوارع، والذين يجدون أنفسهم في مفترق الطرق تائهين عن هويتهم، هؤلاء سيجدون في الحركة والحزب إن شاء الله صورة تعكس حقيقتهم فيفهمون وضعيتهم، الشيء الذي سيعينهم على التطور والنمو بطريقة سليمة وأكثر توازنا مما هم عليه الآن. س: هل لديكم مشاريع قوانين تهم وضعية المسلمين البلجيكيين؟ ج: ليس لدينا مشاريع قوانين قريبا ولو حصلنا على نسبة مهمة من الأصوات، الشيء الذي لن يحدث في هذه الانتخابات ولا التي ستليها، يجب أن نكون واقعيين، فنحن لا نمثل إلا واحدا أو اثنين في المائة من السكان، وليس بهذه النسبة يمكن تغيير القوانين، فلا نتصور أن نكون حزبا للسلطة ولكن حزبا للمعارضة، المعارضة البناءة، سنشارك من أجل فضح القوانين المرفوضة من طرف المواطنين كانوا مسلمين أو غير مسلمين والتي لا تخدم مصلحتهم، كما سندعم القوانين التي تتوافق مع المبادئ الإسلامية والتي هي في خدمة المسلمين وكل البلجيكيين بالضرورة، ودعما بالضرورة لنهضتهم ورفاهيتهم؛ وبالمقابل سنعمل على ذم وانتقاد كل القوانين التي تكون عكس ذلك. س: هل تقبلون التحالف مع أحزاب أخرى، وهل تفكرون في مثل هذا التحالف؟ ج: هذا ليس مستبعدا، إذا كانت هناك أحزاب إسلامية أو تعمل لصالح الإسلام، فالأمر غير مستبعد؛ بالطبع مع محافظتنا على هويتنا كاملة، لكن ليس من أجل الحصول على السلطة، فهذا الهدف غير مطروح لدينا بالنسبة لهذه المرحلة، هدفنا هو التجمع لبلورة قوة للأقلية، لأن الأقليات مهمة جدا في الديموقراطيات المتعددة الأقطاب، فعلى هذا المستوى لدينا مستقبل كبير وعندنا مشروع كبير للتجمع من أجل إسماع صوتنا لمن يهمهم مشكل الإسلام، كوزارة الداخلية والعدل والتربية وغيرها، عندنا خطاب نريد إسماعه لهم لنسهل لهم فهم وضع الإسلام والمسلمين حتى يتمكنوا من تكييف القوانين، التي يستطيعون إصدارها، لتكون منسجمة مع تطلعات الجميع من أجل تحقيق التوازن في المجتمع، وهذا مهم جدا. س: كيف ترون وضع حزبكم في المجال الأوروبي؟ ج: أجل، فبلجيكا تنتمي لأوروبا، نحن نتكلم عن بلجيكا لأنه المجال الذي نتواجد فيه، لكننا نعلم أيضا أن هذا المجال مرتبط بأوروبا، لذا فنحن نعمل على تنظيم لقاءات بين المسلمين الأوروبيين على غرار لقاءات الأممية الاشتراكية أو الأحزاب المسيحية مثلا، ولهذا الغرض أتواجد هنا رغم أننا لسنا بأوروبا، ذلك أن تجربة العدالة والتنمية المغربي تفيد أن اهتماماته تتقاطع على عدة مستويات مع كثير مما يعترضنا من إشكاليات ببلجيكا وأوروبا. على كل حال فنحن منفتحون على المسلمين بأوروبا وبالبلاد الإسلامية، ونحن عازمون على التوجه إليها لنراهم، ونحصل على نصائحهم، حتى نجمع أكثر ما يمكن من أفكار ونظريات، والتي ستكون إن شاء الله دعما وتقوية لحركتنا، وكل الحركات الإسلامية في العالم وببلجيكا خاصة. يجب القيام بحملة ليس للتركيز على إظهار بشاعة الغرب، ولكن لإظهار الواقع على وجهه الحقيقي، يجب إبراز أن أغلب هؤلاء الشباب الذين يهاجرون إلى الغرب دون أن يكونوا مسلحين بإمكانيات ثقافية أو تقنية أو مالية أو غيرها، يعيشون هناك في ظروف مزرية، والمغاربة أنفسهم بدؤوا يدركون أن العائدين إلى البلاد في السيارات الفخمة وبمظاهر جذابة لا تعبر حقيقة على نمط حياتهم الحقيقية، فنحن نعلم جميعا أن تلك المظاهر مزيفة. لذا ينبغي القضاء على هذه الأسطورة الذهبية لفرملة هذا الانجذاب. وبالمقابل يجب تشجيع هجرة الأشخاص المتعلمين الذين يريدون اكتساب العلم والخبرة، ثم إرجاعهم. ويجب على بلدان الغرب أن يتجنبوا الاحتفاظ بهم على هذا الوضع القبيح الذي يجعلهم معتمدين على الإعانات، سيما إذا لم يكن لديهم أي سبب للمكوث هناك، بالطبع من الناحية الاقتصادية من حقهم أن يمكثوا لكسب الرزق، لكن عليهم كذلك بصفتهم مسلمين أن يقدروا جدوى بقائهم هناك بالمقارنة مع ربحهم الإيماني والديني، فيجب عليهم مثلا أن يتعلموا هناك مهنة ثم يعودوا إلى بلدانهم الأصلية ليفيدوها بعلمهم باختصار لسنا من الداعين للهجرة لوجود مشاكل كبيرة، فلا الغربيين ولا الإسلام والمسلمين ولا غيرهم يجدون مصلحة في الاستمرار على الوضع الحالي المؤسف والمأساوي. س: إذا مررنا للوضع الدولي، ماذا ترون في هذه الحملة العسكرية الأمريكية البريطانية؟ ج: نحن نعتقد في هذه القضية ما تعتقدونه ويعتقده الجميع بالضبط. نعلم جيدا أن وراء كل هذه الظواهر والكلمات والتبريرات مصالح اقتصادية في النهاية، أمريكا بلد كبير نعلم ما يجذبه وما يريد. تعرف هذه العبارة: " من أراد قتل كلبه اتهمه بداء الكلب" إن لهم سياستهم المؤسفة سواء بالنسبة للعراق أو فلسطين أو غيرها من البلدان، لدينا نظرة مختلفة، ندين طبعا الوقائع، وندين بشكل أشد الطريقة التي تتم بها أمام أعين الجميع دون أن يستطيع أحد التحرك ضدها، هذه هي المأساة، إذا كان الأمريكيون يريدون السيطرة على البترول فهذا شيء طبيعي، يريدون أن يغتنوا إنهم تجار وقوة اقتصادية عالمية، الجميع يريد أن يغتني، أنا آسف، هم يقومون بعملهم كما يقوم "الإسرائيليون" بعملهم، لا ينبغي توجيه الأنظار تجاه الأمريكيين واليهود فقط، والتوجه إليهم بالنقد وحدهم؛ إنهم يقومون بأعمالهم، المشكل أننا نحن لا نقوم بأعمالنا. أريد أن أؤكد أنك لو كنت شامخا كالجبل، لو كنت جبلا من الإيمان والعلم والإباء والشرف، ما فتحت أبوابك على مصراعيها لهؤلاء الدخلاء حتى يستطيعوا النيل منك، فأنت المسؤول عن زرعهم في بلادك. أنا آسف، فسواء بفلسطين أو بالعراق أو بمكان آخر، المشكل كامن في أنفسنا، ليس القصد مناهضة الأمريكيين أو العمل على تغيير سياسة اليهود، ولكن الواجب هو نبذ ما بداخلنا من خصال الأمريكيين واليهود، والتي نستسيغها دون تمييز أو تفكير، فالمشكل لا يقتصر على تصرف هذا أو ذاك، بل المزعج أن يستطيعوا فعل ذلك التصرف. س: الأخ عبد الله، كلمة أخيرة ؟ ج: أجل، كلمتي الأخيرة ستكون كلمة النهاية والفراق، لأني مسافر إلى بلجيكا. أريد بداية أن أشكركم على حسن الاستقبال، وأشكر الله أن دلني عليكم، خاصة الإخوان الذين التقيت معهم بالرباط وأنتم هنا، فالعثور على إخوان مثلي غمرني بالرضى الكبير، ومدني بالأمل في المستقبل لأن ذلك يشعرني بأننا لسنا وحيدين، وهذا مهم جدا. وأشكر الله وأشكركم جميعا، ليست هذه كلمة النهاية بل كلمة البداية، سأعود إذن إلى بلجيكا وأنقل انطباعاتي إلى إخواني لأحفزهم، كما آمل أن يتم التقدم في الطريق الذي رسمتموه هنا بالمغرب بفضل الله. وشكرا لكم مجددا. حاوره عبد الخالق الغربي و إدريس التمسماني. ترجمة عبد القادر طالبي.