أكد أكثر من مشارك ببرنامج مباشرة معكم الأربعاء 234 أبريل، على القناة الثانية، أن اليسار بالمغرب يعيش حالة عزلة نخبوية عن المجتمع، وأنه لم يعد له ذلك الامتداد الشعبي مما جعل الهوة بين اليسار والمجتمع في اتساع مستمر، وأنه تحول في جزء كبير منه إلى حلبة للصراع على المناصب والامتيازات عكس مرحلة صراع الأفكار. فضلا عن مؤشرات التحكم الخارجي في القرار السياسي لبعض الأحزاب اليسارية، كما سجل ذلك كل من نور الدين الزاهي أستاذ علم الاجتماع وممثل أزيد من حزب يساري شارك بالبرنامح التلفزيوني. ونصح عدد من المتدخلين اليسار المغربي (ثمانية أحزاب)، بضرورة تدارك الفقر النظري الذي أصبح يعرفه وبأهمية مراجعة أفكارهم القديمة وعدم الجمود عليها لأن ذلك يعني موت اليسار. في هذا الصدد، قال عبد الجليل طليمات عن الاتحاد الاشتراكي، "إن اليسار يعيش فقرا نظريا وعليه فحص مرجعيته وأن يدخل المرجعية الدينية في أدبياته السياسية". في نفس البرنامج أكد عدة محللون، أن مفهوم الزعيم عند اليسار اليوم لم يعد بالفكرة أو البرنامج بل بقدرته على خلق دائرة زبناء وتوزيع المكاسب المادية والمعنوية عليهم، كما صرح بذلك الإعلامي والمحلل يونس دافقير، الذي أكد أن صورة الزعيم التاريخي اليساري اهتزت وأنه لم يعد قادرا على إنتاج أفكار قادرة على التعبئة، وأن اليسار أصبح ينتج قيادات صدامية خاصة اتجاه الإسلاميين بدل إنتاج الأفكار والبرامج، وتابع دافقير رئيس تحرير ب"الأحداث المغربية" أن اليسار يقدم زعامات تمارس العنف اللفظي، مشيرا بهذا الصدد للاتحاد الاشتراكي وأيضا حزب الاستقلال. وعن موضوع وحدة اليسار وتجارب الاندماج، أجمع مختلف اليساريين المشاركين بالبرنامج على استحالة موضوع انصهار أو توحد اليسار في حزب واحد، مسجلين فشل عدد من المحاولات في هذا الاتجاه، كما رفض بعضهم فكرة ابتلاع حزب يساري لباقي الأحزاب، أو ما يحدث من مزايدة في الانتماء لليسار أو الارتباط بالحركة الوطنية أو في معاناة القتل والاعتقالات في زمن الرفاق، كما رافع في ذلك ممثل حزب التقدم الديمقراطي سعيد الفكاك، والذي أكد أن اليسار عليه التوقف عن التباكي والتمجيد للماضي "لأن المواطن اليوم عنده مشاكل في الشغل والصحة والتعليم"، وأردف "ينبغي إعادة صياغة اليسار بطرق جديدة لا العمل بنفس الآليات قبل سقوط جدار برلين لأنه لا يمكن إعادة الزمن للوراء". وفي نفس المحور، سجل دافقير، محدودية مبادرات الاندماج وفشلها معتبرا عودة الحزب العمالي والحزب الاشتراكي للاتحاد الاشتراكي مجرد ضربة إعلامية لا وزن لها في مسار وحدة اليسار، فضلا عن تحالف حزب بنعتيق مع أكثر من حزب في ظرفية وجيزة. أزمة الاتحاد الاشتراكي وصراعاته الداخلية احتلت مساحة كبيرة من النقاش ببرنامج "جامع كلحسن"، وفيما سجل دافقير، أن ما يحدث للاتحاد الاشتراكي يعد شوطا ثانيا من جولة الصراع بالمؤتمر الأخير وأن لهذا الصراع نزعة من الانتقام والشخصنة. اعتبر ممثل الاتحاد بالبرنامج طليمات، أن الاتحاد الاشتراكي عاش أزمة وانفرجت وأن الاختلاف داخله كان حول البرامج إلى حدود سنة 2007. وأضاف دافقير، أن أزمة الاتحاد يؤكدها غياب القدرة على تقديم بدائل وبرامج، معتبرا أن بعض خرجات الاتحاد وندواته ذات الصلة بالدين والمجتمع نموذجا وموضوع الإرث تنتهي بمجرد نهاية الندوات والأيام الدراسية مما يعني غياب نفس طويل وعدم استناد الخرجات إلى خلفية نظيرة حاكمة. وخلص المتحدث، إلى أن الاتحاد الاشتراكي اشتغل على تدمير قاداته كما حدث مع اليوسفي واليازغي وسيحدث مع لشكر في المستقبل. وفي وقت اتهم فيه اليساري محمد الساسي اليسار بعدم توازن معارضتهم لكونها تستهدف الحكومة فقط لا النظام في مقالات سابقة، قال طليمات إن اليسار طُوق بأحزاب لا صلة لها بالمجتمع ولا تاريخ ولا واقع، متهما الدولة بإفساد تجربة اليسار وتطويقه بصناعة أحزابها وبنهج التحكم، وهو نفس الأمر الذي انسحب عن المجتمع المدني -يتابع طليمات- وهو ما ضرب نبل العمل السياسي إلى درجة أصبح معها المناضل مغفلا. كلمة الأساتذة الباحثين كانت حاضرة بالبرنامج، وضمنها سجل أستاذ علم الاجتماع إدريس بنسعيد، أن ما يحدث داخل اليسار والاتحاد الاشتراكي لا يمكن فهمه بمعزل عن المشهد السياسي العام بالمغرب، والذي اعتبر أن مساحة الفعل الحزبي فيه جد محدود وأن الأمر فيه إضعاف للأحزاب السياسية. مشيرا إلى أن نظام الاقتراع بالمغرب يشجع استعمال المال ولا يخدم خريطة بالتقاطبات وتحالفات كبرى. بن سعيد اعتبر أيضا، أن الاتحاد وجد نفسه يدبر فقط، "والخطير هو الفراغ السياسي، وعبارات الشفافية والديمقراطية لدى اليسار ينظر لها اليوم بغير قليل من الارتياب. الاتحاد كان يعرف أزمات بشكل إيجابي لكن يبدوا أنها اليوم تذهب في اتجاه آخر". نور الدين الزاهي وصف مكونات اليسار بالنخبوية وأن أفكاره صغرى "وليس له امتداد اجتماعي لأنه لم يعد ينتج أفكارا ولا قيم يدافع عنها، لقد تحولوا إلى متصارعين على الكراسي والمناصب". اليسار -حسب الزاهي- وبدل إعادة التفكير في تحولات المجتمع انصب على الذات وكأنه المشكل الأساسي فيما هو تنظيمي، وتابع فيما يشبه النصح "اليسار عليه العودة للمجتمع ليستوعب أن الطبقة الوسطى أصبحت مغايرة لليسار ولا تتماشى معه". من جهته، قال عبد السلام العزيز، عن المؤتمر الوطني الاتحادي وممثل "فدرالية اليسار الديمقراطي" إن مشكل اليسار في أن الاختلاف يدبر بطرق تؤدي إلى الانشقاق والطرد، وأن جزء من هذه الأحزاب مخترقة في فعلها وقرارها، معتبرا أن اليسار فقد التأثير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بنوعيه المشارك وغير المشارك. وقال "على اليسار أن يجعل قراره السياسي مستقلا لأن التدخل في القرار الانتخابي مشكل حقيقي وهو ما استفز ممثل الاتحاد الاشتراكي طليمات دون غيره". الصورة من الارشيف