يقول الأستاذ عبد الهادي التازي في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء: "من خلال جرد شامل وكامل لكل الثورات التي عرفتها دول في العالم الثالث والمقارنة بينها وبين ثورة 20 غشت، تكون لدي الاقتناع بأن ثورة الملك والشعب كانت قمة القمم، لأنها عرفت مشاركة شعب بأكمله إلى جانب ملك عظيم زهد في عرشه بكل امتيازاته ليبقى إلى جانب شعبه، وهذه الخاصية لم أجدها في الثورات الأخرى". وقال في هذا الصدد: "هذه المقارنة جعلتني أرتب ثورة 20 غشت في قمة الثورات، لأنها اعتمدت فقط على مصداقية مطالبها وعدالة قضيتها من غير أن تكون وراءها أية قوة أخرى عكس الجانب الآخر الذي كانت وراءه قوات ومصالح معروفة آنذاك". وأشار الأستاذ عبد الهادي التازي إلى أن الدارس لتاريخ المغرب الدبلوماسي منذ قيام الدولة المغربية يقف عند حدثين هامين وبارزين يؤكدان حكمة هذا البلد والتزامه بمبادئ السلم والحرية والتسامح، كان أولهما في عهد الدولة السعدية عندما قام أيام عبد المالك وأحمد المنصور خلاف بين المغرب والبرتغال، فعرض عبد المالك على المملكة البرتغالية الاحتكام إلى العدالة لتجنب الصدام بين الدولتين. والحدث الثاني يضيف الأستاذ التازي عرفته الحقبة الهامة التي عاشها المغرب ما بين 1930 و,1955 إذ طلب جلالة المغفور له محمد الخامس من الرئيس الفرنسي فانسون أوريول في رسالة تاريخية في فبراير 1953 الاحتكام في قضية المغرب إلى العدالة. ودعا الأستاذ التازي إلى إيلاء كل الاهتمام لهذه الرسالة "التي ينبغي أن تكون من ضمن المواد التي تدرس للأجيال في المغرب"، مبرزا أنها تبرهن على أن جلالة المغفور له محمد الخامس كان رجلا في منتهى التحضر، لأنه لم يهدد بالسلاح أو بالقوة، بل طالب باللجوء إلى العدالة. وفي معرض حديثه عن ردود الفعل التي خلفها في حينه قرار نفي جلالة المغفور له محمد الخامس على الصعيد الدولي، أبرز الأستاذ التازي أن الوثائق التي تتوفر عليها وزارة الخارجية الفرنسية والأممالمتحدة تؤكد استغراب الرأي العام الدولي لهذا السلوك ورفضه لهذه الممارسات. وأوضح الأستاذ عبد الهادي التازي في السياق ذاته أن مراسلات سفراء فرنسا لدى عدد كبير من الدول كانت تحمل استفسارات عن التبرير الذي يمكن إعطاؤه لهذا القرار، علاوة على أن الوثائق الكثيرة التي تتوفر عليها الأممالمتحدة في هذا الموضوع تثبت أن فرنسا تعرضت لضغوط من طرف العديد من الدول الأعضاء الذين لم يتقبلوا ما اقترفته الإقامة العامة بالمغرب، مما جعلها تعمل على تأجيل مناقشة موضوع المغرب في الهيئة الأممية. وأضاف الأكاديمي المغربي أنه: "من بين الوثائق التي تتوفر عليها الأممالمتحدة صور عدة من بينها صورة علال بن عبد الله وهو يهاجم صنيعة الاستعمار بن عرفة بكل ما يرمز إليه إسقاط بن عرفة من جواده والإطاحة بمظله من رفض لنفي سلطان المغرب". أما الأستاذ عبد الهادي بوطالب، فقد استعرض في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء كذلك هذا الحدث التاريخي كما عايشه، موضحا أن جلالة المغفور له محمد الخامس كان رابط الجأش قوي العزيمة في مواجهة مؤامرة المستعمر، حيث أكد له أنه لن يتنازل عن العرش لأنه مسؤوليته التي طوقه بها الشعب المغربي. واعتبر الأستاذ بوطالب، من جهة أخرى، أن إقامة ذكريات الأحداث التاريخية العملاقة ليس المراد منه هو حفز الذاكرة الوطنية على استعادة الوقائع التاريخية، فهذا لا يكفي ولا يفيد. وإنما الهدف الذي يحققه استعادة الذاكرة هو استخلاص عبر الحدث ودروسه للاستلهام منها، والاستفادة من شحنات تذكرها بما يحفز الهمم ويشحذ العزائم لمواصلة العمل على مواجهة تحديات الحاضر وكسب رهانات المستقبل. وخلص الأستاذ بوطالب إلى القول إنه لا بناء للمستقبل إلا بنفس الأسلوب الذي انتزع به الاستقلال من يد غاصبه ليكون المستقبل امتدادا للماضي .. صفا واحدا ملتحما مع الملك كيفما كانت الظروف والحقيقة أن روح هذه الثورة ما كان لها أبدا أن تتوقف. فقد قال محمد الخامس رحمه الله أول ما لمست قدماه أرض الوطن عائدا من المنفى: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". إن الجهاد الأكبر عمل دائم مستمر لا يتوقف، وإلا توقفت الحياة معه. يجب إذن إن تستمر ثورة الملك والشعب دائمة ضد الفساد والظلم والتخلف، وضد كل نزعة لسلخ المغرب المسلم العريق عن هويته وانتمائه، فلا تقدم ولا تنمية إلا في إطار مقتضيات البيعة التي بايع عليها المغاربة الأسرة العلوية الشريفة على أساس ديننا الحنيف. إبراهيم الخشباني