أكدت رشيدة المقرئ الإدريسي، رئيسة "الائتلاف الوطني لمكافحة المخدرات" أن تعاطي الشباب للمخدرات يتقدم بسرعة مذهلة في كل بلدان العالم تقريبا، محملة مسؤولية تفشي الظاهرة بالمغرب إلى الأسرة أولا ثم إلى جميع المؤسسات الرسمية، مطالبة بتكثيف المجهودات من أجل إنقاذ رجال ونساء الغد. - من المسؤول عن انزلاق الشباب والمراهقين إلى عالم الإدمان؟ ** من خلال تواصلنا الدائم مع خلايا الإنصات واليقظة بالمؤسسات التعليمية، والجمعيات العاملة في ميدان مكافحة المخدرات -على قلتها- وتواصلنا بالجمعيات الدولية النشيطة في المجال ذاته، نلاحظ في"الائتلاف الوطني لمكافحة المخدرات" أن تعاطي الشباب للمخدرات يتقدم بسرعة مذهلة في كل بلدان العالم تقريبا، وتعم هذه الآفة الكثير من المجتمعات، كما تنتشر بين الذكور والإناث من مختلف الطبقات الاجتماعية، ومن جميع المستويات الدراسية (إعدادي- ثانوي-جامعي)، حيث يتساقط الشباب والمراهقون تباعا في هاوية الإدمان. انتشار تعاطي كل أنواع المخدرات قضية أمة بأسرها، وتؤرق القائمين على الشأن التربوي بصفة عامة، خصوصا وأن الداخل لتلك العوالم مفقود والخارج منها مولود، على اعتبار أن القضاء على الظاهرة أو اجتثاثها أمر بالغ التعقيد والصعوبة تتداخل فيه أطراف عدة ويتطلب تضافر جهود الجميع، وعلى كافة المستويات. - من هم المتدخلون الذين تتحدثون عنهم؟ ومن المسؤول المباشر على تعاطي الشباب للمخدرات وانتشارها بهذا الشكل السريع؟ ** نعم تتحمل عدة جهات المسؤولية (الأسرة، المؤسسات التعليمية..)؛ فلنبدأ أولا بمسؤولية الأسرة باعتبارها أول نواة للتنشئة، لطالما عزا الباحثون والعلماء في موضوع الإدمان والمخدرات أسباب انتشارها إلى التفكك الأسري، حيث بينت دراسة أجراها الباحث "ماكوود" سنة 1960، أن97 في المائة من الشباب المدمن كانوا ينتمون إلى أسر متفككة، أو أسر منهارة تماما بالطلاق أو الهجر، إلا أن الواقع أثبت في الآونة الأخيرة أن إدمان تلك السموم لا يقتصر على أبناء الأسر الفقيرة أو المفككة أو الشباب ضحايا الطلاق فالحال أن أبناء الأغنياء وأبناء الأسر غير المفككة أيضا يعانون نفس المشكل. وللتوضيح أكثر، قد يلجأ الأبناء إلى تعاطي المخدرات أو القرقوبي بسبب تهرب أحد الوالدين من مسؤوليته أو تعامل الأسر بشكل عدواني مع الأبناء، كما يمكن للأبناء اللجوء إلى تلك السموم بسبب انعدام التواصل والتوجيه والمساعدة في تكوين شخصية الأبناء (قوة الشخصية، تقدير الذات، حدود التواصل مع الآخرين، ملء أوقات الفراغ بالأنشطة، رعاية الهوايات...)، فيحل الأصدقاء محل الآباء وهو ما يشكل خطرا كبيرا عليهم. وفي هذا السياق، يقول "دانييل بابي" الخبير الفرنسي في مكافحة المخدرات وصاحب كتاب "شبابنا يسكر ويتعاطى المخدرات فلنتصرف"، إن الأسرة كما تعلم أبنائها قوانين المرور في الشارع مخافة أن تدهسهم السيارات، يجب أن تعلمهم كيف يحمون أنفسهم من المخدرات. من جهة أخرى، لابد من التركيز على ضرورة توفير الأمن النفسي للأبناء في البيت، وبفقدانه قد يبحث المراهق عن أي ملاذ آخر مما يسقطه في يد أصدقاء السوء، المروجين. أما مسؤولية المؤسسات التعليمية فنرجعها إلى تراجع هذه المؤسسات عن التربية والاكتفاء بتدريس المقررات، هذا بالرغم من تداعيات إدمان المخدرات على المتمدرسين، فهو أحد أسباب العنف في المؤسسات التعليمية، والتحرش الجنسي الذي يصل أحيانا إلى الإغتصاب ، كما يعد سببا للغياب المتكرر والهدر المدرسي، ويساهم في توثر العلاقة بين المتمدرسين والأساتيذ. ومن تم فمسؤولية وزارة التعليم كبيرة بهذا الخصوص، ومن الواجب عليها المساهمة في حل هذا المشكل من خلال تكثيف الملتقيات التوعوية وتنظيم أيام دراسية للتقرب من الإشكالية والخروج بتوصيات ملزمة، بالإضافة إلى ضرورة تعميم مراكز الإنصات، وتفريغ أساتذة أو مساعدين اجتماعين لهذا العمل، والتنسيق مع الأمن لحماية أبواب المؤسسات التعليمية ومحيطها من المروجين والدخلاء. - هل تساهم وسائل الإعلام المرئية في انتشار تعاطي المخدرات؟ ** بالطبع، فالمفترض أن تعمل وزارة الاتصال على منع كل أنواع الدعاية للتدخين والكحول الذي يمرر من خلال الأفلام والبرامج التلفزية مثل formula1 " التي تشهر التدخين الذي يمثل أوسع بوابات الدخول إلى عالم المخدرات، مقابل تكثيف الوصلات الإشهارية المرتبطة بالتحسيس والتوعية من آفتي التدخين والمخدرات والكحول بتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني، وبرمجة أفلام وثائقية عن المخدرات (الوقاية، العلاج، الأمراض، الأسباب..)، وفتح نقاش واسع حول تأثير تعاطي الشباب لمخدر "القرقوبي" وإظهار مدى خطورته على المتعاطين والمقربين منهم خاصة الأمهات والأخوات، والتذكير بالجرائم البشعة التي يقترفها الشباب المتعاطين للقرقوبي والتي تصل إلى حدود قتل أمهاتهم أو اغتصابهن كما حدث بمدينة البيضاء أخيرا، حين أقدم شاب عشريني على قتل والدته لأنها لم تستطع أن توفر له المال لشراء ذلك السم القاتل. المسؤولية تتحملها أيضا وزارة الصحة لأنها لم تستطع توفير مراكز محترمة لمساعدة الشباب المدمن أو على الأقل إحداث أجنحة ملحقة بالمستشفيات خاصة بضحايا الإدمان لمعالجتهم. - هل يكفي السجن لردع المتعاطين للمخدرات والمروجين لها، والحد من هذه الآفة؟ ** بما أن لتعاطي المخدرات والمسكرات والكحول وحتى التبغ عواقب وخيمة على سياسات الدول بصفة عامة، خصوصا وأنه يكبدها خسائر فادحة (شباب مريض وغير منتج، الجرائم بكل أنواعها، الغياب عن العمل، الحمل الغير مشروع، تعطيل الإنتاج، المصاريف على أجهزة ضبط المخدرات ومايتعلق بها، مصاريف السجون، ما ينفق على مصحات الخاصة بالمدمنين، تعطيل الطاقة الإنتاجية للمروجين، والتجار، والمزراعين، والصانعين للمخدرات والعاملين في مكافحة المخدرات و معالجة المدمنين..)، فعلى الدولة أن تتخذ قرارا جريئا وصارما لحماية اقتصادها من جهة، وحماية شبابها ورجالات الغد من خلال إنزال عقوبات مشددة لردع المروجين لمخدر القرقوبي وتجار كل أنواع المخدرات الأخرى من جهة، ومن خلال العمل على توعية المروجين لهذه السموم بمساوئها وتداعياتها الخطيرة على المجتمع من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، أقترح أن تستأنس وزارة العدل والحريات ببعض القوانين الدولية، كالصين التي تقضي بحكم الإعدام على كل شخص يحمل 250 غرام كحد أدنى، والدول التي حققت نجاحات في محاربة هذه الظاهرة. كما أود التذكير بأن بعض الدول التي سبق أن أباحت بيع القنب الهندي وجعلته تحت الرقابة مثل "هولندا" أعادت النظر فيه اليوم وتناقش فكرة العودة إلى المنع. من جهة أخرى، من الواجب على الجهة الوصية على السجون الانخراط بجدية في تربية وتأهيل وإعادة إدماج المساجين بسبب قضايا تتعلق بالمخدرات وإحداث عنابر الثائبين في السجون كما هو الشأن في سجون دول عربية المملكة العربية السعودية –دولة الكويت للتأكد من أن المروج الذي يخرج من السجن لن يعود إلى بيع المخدرات، بالإضافة إلى إحداث آليات لتتبع المروجين بعد الخروج من السجن لكي لا يعودوا إلى بيع المخدرات من جديد، والتشديد أكثر في العقوبة في حالة العود. وفي هذا السياق، لابد من تكثيف وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية (مندوبيات، مجالس علمية) لعمليات التوعية الإسلامية فيما يتعلق بأضرار الخمر والمخدرات والتدخين، وكشف الأضرار التي تصيب الأسرة والفرد والمجتمع، جراء انتشار هذه الآفات التي تضعف العقيدة، وتهدد الأخلاق وتدمر الاقتصاد، وتوهن قوة مجتمع المسلم، وذلك من خلال خطب الجمعة والدروس الأسبوعية في المساجد ومحاضرات مجالس العلمية، والأيام الدراسية التي تنشطها المجالس العلمية في محاولات لملأ الفراغ الروحي للشباب، وعرض القدوة الصالحة لهم، وعقد المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر العالمي الإسلامي لمكافحة المسكرات و المخدرات المنعقد في المملكة العربية السعودية على اعتبار أن التجربة الميدانية كشفت لنا على أن علاج الإدمان بالإيمان أنجع بكثير من أنواع العلاج الأخرى وكذالك التوعية والتحسيس.